في سابقة، أجرى سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، أول مقابلة تلفزيونية باللغة الأمازيغية في تاريخ رؤساء الحكومات بالمغرب، مثلما كان أول رئيس حكومة يصرح بالأمازيغية مباشرة بعد تشكيل الحكومة، عقب اقتراع سنة 2016. لكن هذه الخرجة الإعلامية أثارت الكثير من الردود، تراوحت بين موقف مؤيد لفكرة الحوار التلفزيوني، على الأقل من الناحية الرمزية، ثم موقف مُضاد يؤكد أن أمازيغ المغرب في حاجة إلى تنزيل اللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة اليومية. أحمد أرحموش، رئيس الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، يركز على ضرورة إعادة الاعتبار للقيم والهوية الأمازيغية، وقال: "أقترح عليك السيد رئيس الحزب الحاكم أن تتحلى بما يكفي من القيم الأمازيغية لكي تصارح الشعب وتقول له إنك غير قادر على فعل أي شيء لهويتنا الأمازيغية؛ إذ لا يمكنك الخروج عن الخط القومي العروبي الإسلاموي لحزبك، وبالتالي فقولك مجرد خطابات وهمية". وأضاف أرحموش، في "تدوينة" له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أذكرك السيد الرئيس بثلاثة أمور فقط، أولها تصريحك في شهر أكتوبر بأن القانون التنظيمي للأمازيغية سيصدر في أجل لا يتعدى شهرين، لكنك الآن جددت وعدا آخر بتأجيل الموضوع إلى مارس المقبل.. ثانيا، ذكرت في البرلمان، خلال يونيو الماضي، أن مدرّسي الأمازيغية لن يتكرر تكليفهم بتدريس لغة أخرى، فإذا بنا نفاجأ بالعكس، إذ سجلت نحو 22 حالة كلفت بتدريس العربية والفرنسية بدل اللغة الأمازيغية..ثالثا، قلت إن كتابة الأمازيغية قرار ملكي لا تراجع عنه، لكنك أخفيت أن فريقك البرلماني لوحده بالغرفة الأولى رفض قطعا التنصيص على ذلك في القانون التنظيمي للأمازيغية". عبد الله بوشطارت، الباحث في الثقافة الأمازيغية، سار في المنحى نفسه، عبر قوله إن "ما قاله العثماني يدخل في إطار صراع حزبه مع حزب آخر في الأغلبية حول استغلالهما الكثيف للقضية الأمازيغية"، وزاد: "مادُمنا نسعى إلى الوقوف على نفس المسافة كحركة أمازيغية مستقلة عن جميع الأحزاب، فأرى أنه يلزم الصمت عن هذا التراشق الحزبي، خاصة أن بعض وجوه الحركة قد انضموا أو انحازوا إلى طرف بذريعة مواجهة الإسلاميين". وأوضح صاحب كتاب "الأمازيغية والحزب.. دراسات سياسية، قانونية، ووثائق حول المنع"، أن "الحركة الأمازيغية لها تقاطعات كثيرة مع تيارات الإسلام السياسي وأحزابها، خاصة العدالة والتنمية، لكن لها أيضا تقاطعات مع الأحزاب الأخرى التي تدعي الآن أنها تدافع عن الأمازيغية وتكتب بتيفناغ، وهي الأخرى تنتمي إلى الأغلبية وتسير قطاعات وزارية مهمة، لكن لا نرى فيها الأمازيغية، لأنها تستعمل القضية الأمازيغية فقط كوقود إيديولوجي لمواجهة الإسلاميين والحصول على الأصوات والأغلبية". من جهته، أكد حسن أزواوي، أستاذ جامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالقنيطرة، أن استضافة رئيس الحكومة بالقناة الأمازيغية بادرة جيدة؛ "فقد برهنت فاطنة وشرع بأن الكفاءة لا لون لها ولا لغة ولا ثقافة، كذلك بالنسبة للطاقم التقني والصحافي المُعد لهذا اللقاء"، وزاد: "أبان الكل أنّ الأمازيغية ليست ناقصة لسانا ولا معجما". وشدد الفاعل الجمعوي بمنطقة الجنوب الشرقي على أن "رئيس الحكومة غير مقنع، لأنه خلط بين وكالات التنمية والوكالات الجهوية، فضلا عن عدم وضوح الخطاب المتعلق بتنمية المناطق الجبلية، إلى جانب النقص في ابتكار الحلول". في المقابل، أشاد بعض النشطاء الآخرين بالفكرة، إذ علّق أحدهم في الموقع الأزرق قائلا: "الدكتور العثماني سيُسجِّل له التاريخ هذه المبادرة والسبق لتواصله رسميا بالأمازيغية مع المواطنين، عبر حوار حول قضايا سياسية، وهي المسألة التي لم يجرؤ عليها وزراء ومسؤولون من أصول أمازيغية، لا يتحدثون بها حتى في بيوتهم". وقال ناشط آخر إن "فكرة إجراء العثماني لحوار مع القناة الأمازيغية ظاهريا رائعة، لكن الصيغة يعتريها خطأ سياسي فادح من شأنه أن يؤتي عكس المفعول الذي رامه من خلاله"، مردفا: "أول ملاحظة هي أن العثماني لم يتكلم اللغة الأمازيغية، ولكنه تكلم لهجة من لهجات سوس، فيما تكلمت محاورته بلهجة من لهجات الأطلس المتوسط، وبالتالي فإن الحوار لن يفهمه إلا الذين يفهمون اللهجتين، أو بالأحرى الذين يفهمون السوسية، لأن العثماني هو الذي استأثر بنصيب الأسد في الحوار، الذي لم يخرج عن نطاق البروباغندا". ويضيف المتحدث: "الملاحظة الثانية هي تركيز الحوار على الجانب الاجتماعي وحده، كما لو أن كل ما يهم الأمازيغ هو هذا الجانب. أما قمع الحريات والمواضيع الأخرى التي تشغل الرأي العام منذ شهور، كملف الصحراء وريع بنكيران، فهي لا تهمهم وفق برنامج العثماني".