يشهد هذا الموسم موجة احتفال كبيرة للأحزاب السياسية بالسنة الأمازيغية الجديدة 2969، ما خلف ردود فعل عدة من طرف نشطاء ومناضلين في صفوف الحركة الأمازيغية، منهم من استقبل هذا المعطى كمكسب للقضية الأمازيغية، ومنهم من اعترض وانتقد الخطوة. عند بروز الحركة الأمازيغية كانت أول معركة لها أن تقنع الخصوم بالحجج والبراهين العلمية بحقيقة الأمازيغية وكل ما يدور في فلكها، وخاصة الأحزاب السياسية التي كانت تنفي فكرة الأمازيغية بالبت والمطلق؛ لكن مع تطور السيرورة النضالية للحركة الأمازيغية، اقتنع الكل اليوم بهذه الحقيقة التي كانت غائبة لعقود؛ وذلك بالانخراط في المحطات التاريخية الموشومة في ذاكرة كل مغربي أمازيغي، ما يفرض أن يعتبر أي إنسان ناضج أن هذه الحركية التي تسير فيها الأحزاب السياسة بانخراطها في مثل هكذا محطات مكسب للقضية الأمازيغية، وأن هذه الأخيرة لم تعد تبحث عن شرعية لكي تقوي وجودها، إذ اقتنع الكل وانخرط في أفق تحقيق ما تحمله القضية في طياتها. إن الأمازيغية ملكية جماعية وليست ملكية لجهة أو قبيلة أو حتى شخص معين، فالكل يتمتع بالحق في الدفاع عنها وتطويرها. والمعركة التي خاضها الملك الأمازيغي ''شيشونغ''، وأنتجت هذا التقويم الأمازيغي، الذي يتفق عليه أي أمازيغي في شمال إفريقيا، لا يمكن أن نحصرها في أي جهة معينة. لهذا لا يسعنا إلا أن نقول إن الأمازيغية حطمت جميع الحدود التي كانت تمنعها من التطور..ومن كفر في يوم من الأيام نجده اليوم آمن. نحن نعلم أن القضية الأمازيغية تعيش فراغا تنظيميا منذ النشأة، وخطابا لم يتطور ومفاهيم لم تُحَدث؛ فمن الضروري أن نجد هذه المفارقات من حيث إصدار المواقف أو الآراء المتضاربة حول ظاهرة معينة، إذ لم يعد هناك تمييز بين الانتصار والإخفاق، وبين المكسب والخسارة. ولعل إشكالية الحركة الأمازيغية عدم توضيح نوعيتها، هل هي إصلاحية أم ثورية؟ هذه الضبابية أثرت على ذهنية أي ناشط أو مناضل أمازيغي، وتجعله في مفترق الطرق، يتذبذب في إصدار المواقف والآراء. في تحديدنا للحركة الثورية نجدها أنها تلك التي تمتلك نظرية ثورية تؤطرها، موطن اشتغالها هو الشارع، أو بمعنى آخر، التجذر في صفوف الشعب بتأطيره وتنويره بالمعادلة الصحيحة، وأول أداة لها في تحديد مسارها هي التنظيم الذي يحمل في يده بندقية. لكن في وضعيتنا، أي القضية الأمازيغية، فهي حركة ثورية، صحيح، لكن ثورية على الفكر السائد، ثورية على الفكر الذي يطمس الفكر الأم؛ فبالرجوع إلى بياناتها وأوراقها منذ النشأة نجد أنها تطالب الدولة، وهذا ما ينفي ثوريتها. والمفهوم العلمي للثورة هو قلب البنية الاجتماعية، وما دون ذلك باطل. إذن الحركة الأمازيغية حركة إصلاحية تطالب أي جهة مسؤولة أو تطالب الدولة في شخص مؤسستها الملكية، كما كان في السابق قبل خطاب أجدير. في هذه المقالة ما نود التأكيد عليه هو وجوب إعادة النظر في الخطاب الأمازيغي، وكذلك في عدة مفاهيم ترتبط به، لفهم طبيعة الصراع، وتحديد المسلك الذي سيسلكه، لإصدار مواقف صحيحة، تستجيب للشروط الذاتية والموضوعية، سواء كان مسلكا ثوريا محضا أو إصلاحيا. أما التواجد بين الاثنين فما هو إلا إشارة على عدم الفهم والاستيعاب؛ وهذا الخطير في الأمر، إذ يكبح تطور الأمازيغية في أبعادها الشمولية، لتبقى في متاهة وتصل إلى درجة لن تعرف معها نفسها. أما تعليقنا على الأحزاب السياسية في انخراطها في تخليد والاحتفال بهذه المحطة فهذا لا يدل إلا على قوة الخطاب الأمازيغي وشرعيته. وبالاستناد إلى مبدأ الديمقراطية الذي يغذي الخطاب الأمازيغي فالكل يتمتع بالحق بالنهوض بالأمازيغية. وفي المقابل، ما على الذات الأمازيغية إلا أن تقرأ وتفكر وتعمل بجدية، لأن الواقع كما قلنا سالفا تغير ويجب التغير معه. *أستاذ اللغة الأمازيغية