الحركة الأمازيغية في الوقت الراهن . تتميز أي حركة تحمل في طياتها شعار التغيير في كل أنحاء العالم بدينامية تؤطر نضالاتها. هذه الدينامية يحركها تناقض رئيس يتمثل في الحركة نفسها و ما تصارعه بشكل واضح، وهذا التناقض بدوره يتفرع إلى تناقضات ثانوية، بالإضافة إلى التناقض الداخلي الذي يتولد من داخل الحركة. من كل هذه التناقضات تنبثق كحالة تعبر عن صراع يؤدي إلى التقدم نحو الأمام عبر قفزات نوعية . إذا كانت أي حركة مجتمعية أو غيرها، في صيرورة من المستجدات، فإنها تمتاز بحركية مستمرة لا يمكن أن توسم بالفشل بسبب اختلاف في وجهات النظر، لأن الفشل مرتبط بكون الحركة في جمودها، أي بانعدام روح الدينامية من داخلها، حين ذلك لا يسعنا إلا أن نقول بأنها في مسار إلى الزوال وليس الفشل فقط . منذ أزيد من عشرين سنة والتراكم النضالي الامازيغي في محاولة لا منقطعة للإجابة عن سؤال التنظيم في علاقته المتناقضة بشكل رئيسي مع الدولة المغربية وبشكل ثانوي مع مختلف الإيديولوجيات المخالفة لأطروحة الأمازيغية. وفي هذا الصدد استطاعت الحركة وبنجاح التصدي لجملة من الإيديولوجيات المناقضة عن طريق ابتكار وسائل نضالية وآليات تنظيمية جديدة من خلال النقاشات الداخلية الساعية بشكل أو بأخر إلى الصمود في وجه العراقيل التي لطالما كانت وستظل تقف في وجه ازدهار الحركة ونشاطها.. واليوم أدت حركية فكر العقل الأمازيغي إلى تأسيس أداة سياسية جديدة للترافع على الأمازيغية من خلال العمل من داخل النسق السياسي وذلك بتأسيس حزب (تامونت للحريات ) . الأمازيغية من داخل النسق السياسي المغربي . سبق وذكرنا بأن الحركة مهما كانت نوعيتها تمتاز بدينامية تحركها تناقضات متصارعة فيما بينها، أي أن قوانين الجدل حاضرة باستمرار من خلال تحكمها في كافة الظواهر الطبيعية والاجتماعية والسياسية .هذه القوانين التي لا يمكن أن يستغني عنها العقل البشري العلمي في تحليله. ولفهم تطور أي ظاهرة معينة ومآلها المستقبلي، يجب النظر في طريقة تشكيلها وبداية انطلاقتها، والأمازيغية كما أشرت سالفا في مقال لي ( الحركة الأمازيغية مقاربة سياسية و ثقافية )، أنها اختارت في البداية، تكتيك العمل الجمعوي كأداة تنظيمية لفرز نقاشات وآليات عمل مناسبة، من خلال تأسيس جمعيات مدنية، هذه الإطارات كانت تحظى بالشرعية ما دامت تقبل بالانضباط لقانون تأسيس الجمعيات في المغرب، وهنا نجد أن الأمازيغية كتنظيم، أنشئ من داخل إطار ذو طبيعة قانونية ورسمية، تطور نحو بلورة أدوات تنظيمية أخرى كتأسيس فدراليات (فدرالية الجمعيات الأمازيغية...) وأحزاب سياسية،( كتجربة الحزب الديمقراطي الأمازيغي ...) الفاشل و المفشل... الخ. ومن هذا المنطلق نجد أن الذات المناضلة الأمازيغية دائما ما يأتي اشتغالها في إطارات ذات طابع قانوني رسمي رغم الخطاب الراديكالي الذي تتبناه القضية الأمازيغية، وقد لا يبدو هذا خطأ بقدر ما هو تكتيك تنظيمي يقوم على استغلال حق من الحقوق الدستورية التي تقره الدولة المغربية وهوحق تأسيس إطارات مدنية وحقوقية وغيرها. فالحركة الأمازيغية إذا، تنظيميا سلسلة متتالية من الإطارات تفرز في كل مرحلة آلية تنظيمية جديدة، الى أن أفرزت الآن مرحلة أخرى تتميز بتأسيس حزب( تامونت للحريات)، الذي ينبني تأسيسه على الإنظباط لقانون الأحزاب بالمغرب، أو بالأحرى القبول بشروط اللعبة من داخل النسق، وهنا يتبين أن العقل الأمازيغي يرتكزعلى التكتيك السياسي المتمثل في خطوتان إلى الوراء من أجل خطوة إلى الأمام الذي غالبا ما تكون نتائجه على غير المتوقع. و باقرارنا أن أن السياسة، ما هي إلا تعبير مكثف للإقتصاد ، فإنه بمقدورنا أن نصل إلى ما يراه الكثيرون بأن الحزب نتاج مختبرات الدولة المغربية لاستكمال عملية احتواء القضية الأمازيغية ؟ عند التمعن من منظور سوسيواجتماعي في الذوات الساعية لتأسيس الحزب نجد :أساتذةالتعليم" ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعي،ومحامون،و أطر في القطاع الخاص،و طلبة، ومعطلون ... ،هده الفئات الاجتماعية تتموقع في السلم الاجتماعي و الطبقي ضمن طبقة البرجوازية المتوسطة والصغيرة، وتتمتع بوعي فكري وسياسي وثقافي نخبوي، أي أن مساهمتها في الدورة الإنتاجية لا يتجاوز العملية الاستهلاكية ، وهي طبقة لا تساهم في إنتاج الرأسمال المادي المحض، وما يسجل عليها تاريخيا، هو تذبذبها في المواقف حسب موازين القوى، قصد التسلق اجتماعيا أو طبقيا . . ومن هذا المنطلق نرى أن الدولة المغربية لا يمكن لها أن توفر الشروط الموضوعية لهذا الحزب من حيث الإشتغال، وهنا تتضح الصورة بأن فكرة حزب (تامونت للحريات) من صياغة الدولة المغربية خاطئا ولو مرحليا، وما يقام به هو إذلال للأمازيغية لا غير، والوقوع في فخ الوهم والحلم. و على حد تعبير مفكك نمط إنتاج الدول التبعية ، (حسن عبد الله حمدان)، حينما كان يخاطب الحركة الشيوعية في( العالم العربي)، حين قال :- لن تتحقق الثورة بالحلم، ولو كان الحلم شرطا من شروطها -، وهنا نضيف بأن الأمازيغية، لن تتحقق من داخل النسق، ولو كان الإشتغال من داخله، شرطا من شروطه. وفي الأخير تبقى فكرة العمل السياسي من داخل النسق فكرة قابلة للتعايش إذ لا يمكن للذات أن تستقبلها بالنفي القاطع ولكن بالنقاش العلمي الهادف الذي يؤدي إلى خلاصات إيجابية . الأمازيغية خارج النسق السياسي المغربي . بعدما رأينا سابقا أن الحركة الأمازيغية كانت نشأتها التنظيمية من داخل إطارات ذات طابع قانوني و رسمي من جهة، بينما يحمل الفكر الأمازيغي بين طياته من جهة أخرى، فكرا راديكاليا وجذريا يتناقض بالبت والمطلق مع السياسة القائمة وإيديولوجيتها السائدة، فمن هذا المنطلق وجب أن يكون هناك معبر على الفكر الأمازيغي الراديكالي ممارسة في الواقع،. تميزت الحركة الأمازيغية بالمغرب باشتغال كتلتين متناقضتين، الأولى مؤمنة بالعمل من داخل النسق السياسي، والثانية مقتنعة بالفعل الاحتجاجي أي العمل من خارج النسق، وهنا نجد الحركة الأمازيغية بشقين اثنين أحدهما إصلاحي و الأخر راديكالي، والنقطة التي تجمع هذين النقيضين هي وحدة النضال من أجل القضية الأمازيغية ،رغم إفراز رؤى نقدية متباينة فيما بعد، لكن الوحدة حتمية تاريخية استنادا لقانون الجدل (وحدة الأضداد وتصارعهما) . جاءت نشأة الخطاب الأمازيغي بجملة من المطالب، عكست بدورها قمة اضطهاد الأمازيغية كمكون تاريخي وحضاري للمغرب بشكل خاص ولشمال إفريقيا بشكل عام من طرف الدولة المغربية رغم توقيعها على عدة اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان. وتجدر الاشارة أن الحركة الأمازيغية جاءت مطالبة بدسترة الأمازيغية و إدماجها في التعليم والإعلام العموميين و رفع الحضر عن الأسماء الأمازيغية، وفي مرحلة متقدمة من تطور الفكر الأمازيغي طالبت بشكل جريء بعلمنة الدولة . فالحركة الأمازيغية في المغرب انتزعت بعض المكاسب رغم قناعتها بأن هذا التنازل النسبي للدولة للتفعيل في تحقيق مطالبها، ما هو إلا تحقيق شكلي للأمازيغية في الواقع وليس بالفهم العلمي الذي وضعته الحركة الأمازيغية . فمن جهة، نجد أن العديد من الذوات الأمازيغية عند تقييمها للصيرورة النضالية والمرحلة التي تعيشها الحركة، يجدونها اليوم في شلل حركي، وذلك بعد نزوع الدولة المغربية لتحقيق كافة المطالب، أي بمعنى أخر أن الحركة في استعصاء لتطوير خطابها وآلياتها التنظيمية، وصياغة مطالب أخرى أكثر راديكالية، ومن هذا المنطلق استخلصوا بأن المرحلة تستدعي تأسيس حزب سياسي للترافع على القضية الأمازيغية من داخل النسق السياسي . من خلال هذه الخلاصة التي توصلوا إليها هؤلاء ،والتي يمكن أن تكون صحيحة وفق قناعتهم ودرجة تحليلهم لواقع الحركة وما تتطلبه، لكن دون التوصل الى الحسم النهائي . من جهة أخرى يبقى الجناح الراديكالي المؤمن بأنه لا بديل عن الاحتجاج في الشارع، أي خارج النسق، يطرح عليه عدة تساؤلات أهمها، هل هناك آلية تنظيمية بديلة من خارج النسق؟ إلى جانب هذا السؤال تتناسل عدة أسئلة لازالت عالقة في ذهنية الذات المناضلة الراديكالية لم تحظ بأجوبة علمية في الواقع المادي الملموس، وهذا ما رجح التفوق النسبي لفكرة العمل من داخل النسق. ومن زاوية أخرى نجد أن فكرة الحزب إيجابية للحركة، فإنشاء حزب سياسي أمازيغي يتيح للحركة الأمازيغية وضوحا سياسيا من خلاله تتضح صورة التناقضات الداخلية . أي من خلالها ستتضح الصورة أكثر، بحيث تدعم الفكرة التي تقول، (أن الحركة الأمازيغية، في تشتتها، شيء إيجابي) لكن، كيف ذلك ؟ بالفعل يمكن أن يكون التشتت إيجابي للحركة لكن، بتحديد معالمه، فالتشتت في صميمه جملة من التناقضات التي يجب أن تتصارع في مسار صحيح، وذلك بوجود نقيضين رئيسيين أي (جناحان راديكالي وآخر إصلاحي) واضحا المعالم لينتقلا إلى مراحل نوعية بفضل الصراع الواضح بينهما، أما التشتت غير الواضح فلا يؤدي إلا إلى الهاوية . وما هو مرحلي بالنسبة للذات الراديكالية هو إفراز نقاش علمي خال من الاندفاعات السيكولوجية، نقاش يتوخى الحسم في عدة قضايا، وتسطير أرضية مشتركة للعمل بين مختلف التوجهات الداخلية المؤمنة بالعمل خارج النسق و مادامت هناك وحدة النضال من أجل القضية الأسمى وتموقع كل ذات في موقعها، فلا غرو ان تكون هذه الوحدة المدخل الأساسي لاستعادة المد النضالي من داخل الشارع. وعند التحدث عن الشارع، فإننا نشير بالأصبع إلى الشعب، أي الإنصهار في صفوف الشعب المغربي والعمل بجنبه، لأنه هو العنصر المحدد في المعركة ضد كل فكر رجعي، وليس الأسلحة أو التفوق التقني، في المرحلة. دامت الأمازيغية .. تاريخا .. فكرا .. ثوريا .. ودام أبناؤها .. ثوارا