رئيس الحكومة يترأس اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز    عصابات المخدرات و التهريب تتحكم في مخيمات تندوف    توقعات الحكومة.. نمو اقتصادي بنسبة 4.1% وتضخم 2% في 2026    خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 2,25 في المائة.. القرار يدخل حيز التنفيذ ابتداء من 20 مارس 2025    المنتخب الوطني يفتح تدريباته أمام وسائل الإعلام قبل مواجهتي النيجر وتنزانيا    إيقاف شاب لتورطه في السياقة الاستعراضية بالشارع العام وتعريض مستعملي الطريق للخطر    السجن المحلي تامسنا .. انطلاق برنامج الفرصة الثانية الجيل الجديد    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن 17 خريجو الجامعة اليوسفية    حفرة عملاقة تتشكل وسط الطريق الرابطة بين أكادير وإنزكان (صور)    محكمة هامبورغ العليا تقضي بتسليم محمد بودريقة إلى المغرب    نشرة إنذارية: هبات رياح قوية مع تطاير الغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    سد بوعاصم بالحسيمة.. لا وجود لمخاطر على السلامة بعد المعاينة (وزارة)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس.. أمطار وزخات مع رعد بمنطقة طنجة    الأمن الإيطالي يحقق في واقعة تهريب رضيعة من طنجة    ارتفاع قياسي في مفرغات الأسماك بميناء الجبهة بنسبة 73% مع نهاية فبراير    عمرو خالد: هكذا يمكن تفادي الصراع والصدام واللجوء إلى الحوار والوئام    المغرب يدعو لمواكبة البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي لتسريع عودتها إلى الاتحاد الإفريقي    المغرب، الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    أخبار الساحة    تقارير استخباراتية أوروبية: الرئاسة والجيش وأجهزة المخابرات في الجزائر تعاني من حالة شلل كامل    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -17- آلاستَير بونيت: الغرب الأبيض!    خالد بن الصغير يترجم «يهود الامبراطورية السفراد»    مقتل عشرات الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية    "بلوكاج إداري" يعطل العمل في 3 أكاديميات و24 مديرية إقليمية للتربية والتكوين    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تُنظم جلسات استماع تتعلق بمعالجات الذكاء الاصطناعي    بركة: الجشع المفرط للوبيات وراء التضخم غير المبرر في المغرب    خطير.. تقرير يكشف عن تسريب أكثر من 31 ألف بطاقة بنكية في المغرب    تماسك المغرب الجديد    الإسكندر في المغرب    حكومة غزة: 436 شهيدا في 48 ساعة    "الغادريان": نتنياهو يشعل مجددا الحرب في غزة من أجل البقاء في السلطة    فتح باب الترشيح لرئاسة جماعة أصيلة    "التقدم والاشتراكية" يستنكر استخدام العمل الخيري لأغراض انتخابوية ويدعو لوقف التطبيع    "رمضانيات الأحرار" بأكادير… أمسية روحية مميزة احتفاء باليوم العالمي للمرأة    هيئات نقابية وسياسية مغربية تستنكر عودة الكيان الصهيوني لسفك دماء الفلسطينيين وتطالب بوقف التطبيع    استئصال اللوزتين يحمي الأطفال من اضطرابات التنفس أثناء النوم (دراسة)    الأسبوع الوطني للماء 2025: تعبئة وطنية لمواجهة التغيرات المناخية وضمان الاستدامة المائية    سيدة مضطربة عقليا تدخل المسجد بملابس غير لائقة    الدراما المغربية بين النمطية والإنتاج القصير: هل حان الوقت للتغيير؟…ناقد فني يجيب "رسالة 24"    ديمقراطية تركيا.. اعتقال عمدة إسطنبول منافس أردوغان في رئاسيات 2028 وتعطيل مواقع التواصل في البلاد    أوكامورا:الاقتصاد المغربي أظهر مرونة في مواجهة الصدمات السلبية    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    المغرب وروسيا يوقعان اتفاقًا جديدًا للصيد البحري لمدة أربع سنوات    مراكش الحمرَاء التاريخ فى سكُون    اليوم العالمي للشخير    أولمبيك آسفي يعلن انفراجا في أزماته بعد تدخل لقجع    منخرطو الوداد ينتفضون في وجه الرئيس آيت منا    أرباح الأندية المغربية من بيع اللاعبين في 2024 تبلغ 8.27 مليون دولار    جامعة الكرة تصادق على تعديلات جديدة.. عقوبات لتخريب الفار وارتكاب الشغب    تعرف إلى أغلى 8 لاعبين في المنتخب المغربي … وضمنهم حكيمي … ودياز    حِكم حَلاجِية..    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    أَكُلُّ هذا القتل من أجل تجويد شروط التفاوض؟    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطق الشرع يوجب التصويت على الأصلح
نشر في هسبريس يوم 23 - 11 - 2011

منذ بدء الحملات الانتخابية لاستحقاق الخامس والعشرين من شهر نونبر الجاري ، ونحن نلحظ تنامي وارتفاع وتيرة الحملات المضادة لها والداعية إلى مقاطعتها من طرف فئات من أبناء وبنات وطننا الحبيب .
وهؤلاء ، وإن كانوا يمثلون القلة القليلة والنزر اليسير جدا من الشعب المغربي ، فالمطلوب احترام آرائهم ومواقفهم ، لكن مع مناقشتها ، وكشف جوانب الخلل ومكامن الضعف فيها ، وتمييز صحيحها من سقيمها ، وسمينها من غثها ، ومقبولها من مردودها ..
ومن أبرز المآخذ التي تؤاخذ عليهم ، أو على كثير منهم – خصوصا مع بدء العد التنازلي للانتخابات - : التورط في إدانة كل المشاركين فيها ، وخاصة من المترشحين ، وتسفيه أحلامهم ، ورجمهم بالظنون ، بل ومحاكمة نواياهم !! ، بغية الحط من أقدارهم ، وصرف الناس عن الثقة فيهم جميعهم ..
وهذه – في ميزان الشرع – نظرة فاسدة غير سوية ، وآراء جانحة غير مرضية ، ومواقف كليلة تنكب أصحابها منهج الاستقامة ونهج الوسطية ..
صحيح أن الساحة السياسة مليئة بأصحاب الهوى والتطلعات الشخصية، والمصالح الذاتية، الذين يسوقون الأوهام للسذج من الناس ، ويقدمون لهم وعودا مصطنعة ، ينطبق عليها تماما قول الشاعر :
كانت (مواعيد عرقوب) لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل
فليس تنجز ميعادا إذا وعدت إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت إن الأماني والأحلام تضليل
[ و(مواعيد عرقوب) يضرب بها المثل في الكذب والخلف . و(عرقوب) رجل يهودي من خيبر ، كان يعد ولا يفي ، أتاه أخ محتاج يوما يسأله شيئا ، فقال له : إذا أطلعت تلك النخلة فلك طلعها . فلما أطلعت أتاه على العدة ، فقال له : دعها حتى تبلح ، أي تصير بلحا . فلما أبلحت أتاه ، فقال له : دعها حتى تزهى . فلما أزهت، قال له : دعها حتى ترطب . فلما أرطبت ، قال : دعها حتى تتمر . فلما أتمرت ، سرى إليها (عرقوب) من الليل فقطعها ، ولم يعط أخاه شيئاً . فصارت مواعيده مثلا سائرا في الأمثال ]..
وهؤلاء الوصوليون الانتهازيون باتوا معروفين بأعيانهم وأوصافهم وخلالهم ، وبما لهم من سوابق في شراء الضمائر والذمم ، وفي تكريس الفساد والإفساد ..
وهم اليوم يشكلون نسبة ضئيلة ضمن المترشحين في هذه الانتخابات ، خلافا لما يروج له الداعون إلى المقاطعة من أن ( الوجوه التي أفسدت العمل السياسي هي نفسها التي تترشح الآن !! ) هذا ليس على إطلاقه ، فالإحصائيات اليوم تقرر عكس هذا الادعاء ، وتكشف عن وجود أقل من 200 مترشح ممن كانوا في البرلمان السابق من بين 1564 وكيل لائحة . وطبعا، ليس كل من وجد في البرلمان السابق هو من هذه الطينة الفاسدة ..
وعلى كل حال ، فإن حسن توعية وتعبئة المواطنين والمواطنات من شأنه أن يقطع الطريق على هؤلاء المجرمين العاثين في الأرض فسادا ، وأن يسهم في بناء المغرب الجديد : مغرب الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية الحقة ...
وإذا كان المتنافسون في هذه الاستحقاقات ليسوا سواء ، وأن فيهم الصادق والكاذب ، والأمين والخائن ، والقوي والضعيف ، والصالح والطالح ، والمصلح والمفسد ...
فإن من الظلم البين تعميم الحكم على الجميع بالفساد والإفساد ، ووضعهم في سلة واحدة . هذا منطق مرفوض شرعا وعقلا وعرفا ؛ لأنه ينافي العدل المأمور به في نصوص شرعية جمة . منها قول ربنا تبارك وتعالى : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ...) وقوله سبحانه : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...) وقوله جل وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) .
فتحري قول العدل في الأشخاص والهيئات ، وتحري قصد العدل في الأفعال والتصرفات ، يعتبر من أهم القواعد الأخلاقية التي حثنا ديننا الحنيف على التقيد والالتزام بها مع كل الناس .
- هذا ، ومما يتعين على الجميع حسن استيعابه أن المواقف من الانتخابات وغيرها من قضايا العمل السياسي ينبغي أن تكون موزونة بميزان الشرع أولا ، وذلك بأن تؤسس على ( فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) ، إذ ليس ثمة مصالح متمحضة خالصة ، وخاصة في أزمنة الفتن .
فالمطلوب إذن ، في نطاق العمل والاجتهاد السياسي ، أن نستصحب هذا الفقه الدقيق ، وأن نحرص على الموازنة بين المصالح والمفاسد ، بغية تحصيل أكمل المصالح ودفع أعظم المفاسد ؛ لأن مبنى شريعتنا الغراء على ( تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ) . ومن المقرر فيها كذلك ( أن الميسور لا يسقط بالمعسور) و ( أن ما لا يدرك كله لا يترك جله) ...
وأعتقد أن الجهل بهذه القواعد الذهبية ومثيلاتها ، يعتبر من أهم العوامل والأسباب المؤدية إلى اتخاذ المواقف السلبية من المشاركة في الانتخابات عموما ؛ ذلك لأن أنظار الناس ومواقفهم تتباين عند التقاء واختلاط المصالح والمفاسد في مناط واحد ، فمنهم من ينظر إلى جانب واحد، فيرجحه على الجانب الآخر، فيقع في الخطإ ، كأن ينظر إلى جانب المصالح وحدها، فيرجح جانب الفعل ، وإن تضمن مفاسد أعظم .. أو ينظر إلى جانب المفاسد وحدها ، فيرجح جانب الترك ، وإن تضمن مصالح أعظم ..
ومنهم من يهتدي إلى انتهاج طريق الوسط والاعتدال ، فينظر إلى الجانبين معا ، ويعمل على الموازنة بين ما يجلب من المصالح وما يتوقع من المفاسد ، ويختار تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما ..
ونحن – في إطار النظرة الواقعية- لا نتوقع من أي حزب من الأحزاب أن يقضي على الفساد بكل أشكاله وصوره ، ولا نرى أن ذلك بمقدوره في ظل الظروف القائمة ، بل غاية ما نتوقعه ونأمله من أهل الصلاح والاستقامة والكفاءة والنزاهة ، أن يحرصوا على تحصيل ما أمكن من المصالح والمنافع، ودرء ما أمكن من المفاسد والمضار ، وأن يجتهدوا في إقامة ما يمكن إقامته من الدين ، أو أن يحافظوا على ما بقي من تشريعاته وأحكامه السامية على أقل تقدير ، وذلك بالحيلولة دون مزيد من الإضاعة لما بقي منها من طرف من أشربوا في قلوبهم بغضها والعداء الدفين لحاملي لواءها .
فإن وفقوا إلى تحقيق ذلك ، وجب علينا شرعا أن نساندهم، ونؤازرهم، وندعمهم، ونمنحهم ثقتنا، ونعطيهم أصواتنا ..
هذا هو منطق الشرع الذي ينبغي أن يقدم على أي منطق آخر ، أن نختار الأصلح والأرضى من الموجود ، إذ لا يوجد كامل البتة إلا من عصم ..
ولا يفوتني في نهاية هذا المقال أن أذكرك ، أخي القارئ الكريم ، بأن صوتك أمانة ينبغي أن تؤدى إلى أهلها ، وشهادة ينبغي أن تقام لله عند طلبها ، وموالاة يجب أن تتمحض لله ولرسوله وللمؤمنين .
ولتعلم أن مقاطعة الانتخابات في هذه الظرفية الاستثنائية موقف سلبي ، فيه دعم ضمني للفساد والإفساد ، وتمكين للفاسدين المفسدين .. ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
*عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.