يُجمع كل المتتبعين على أن مواقع التواصل الاجتماعي أذكت شرارة الحركات الاجتماعية خلال سنة 2018، لتكون بذلك عاملا جوهريا وراء اجتياح الاحتجاجات الفئوية للشارع المغربي في مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل أكثر من ذلك تحولت إلى "بارومتر" لقياس منسوب الأزمة السياسية في فترة زمنية معينة. ولم تكد تهدأ "احتجاجات العطش" في زاكورة، حتى انتقل فتيلها إلى منطقة الريف، ثم بعدها إلى المنطقة الشرقية التي خرج سكانها من أجل المطالبة ببديل اقتصادي، لتندلع بعدها حملة المقاطعة الافتراضية لمنتجات ثلاث شركات تعمل في مجال المحروقات والماء والحليب، وصولا إلى "انتفاضة الساعة الإضافية"، واللائحة طويلة، الأمر الذي كشف عن هشاشة مؤسسات الوساطة التي عجزت عن إيجاد بديل تنموي يحقق العدالة المجالية، ليضطر رئيس الحكومة إلى زيارة بعض الجهات في إطار التواصل مع المواطنين والاطلاع على عراقيل التنمية. العلام: احتجاجات مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد افتراضية قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن "سنة 2018 شهدت احتجاجات أقلّ مقارنة مع السنوات الماضية، بحكم مجموعة من المؤشرات، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي، وكذلك الحملة الأمنية والاعتقالات التي طالت نشطاء الريف وجرادة ومجموعة من المدن، بحيث كانت الدولة تتسامح مع الاحتجاجات في فترة معينة، لكنها صارت تمنعها أو لا تتسامح معها". وأضاف العلام، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الحكومة الجديدة ترغب في تهدئة الأوضاع، عكس الحكومة السابقة التي ترأسها بنكيران، لأنها تعرضت لاحتجاجات كثيرة ومعارضة قوية، ومن ثمة لا يوجد أي شكل احتجاجي قوي على غرار الريف وجرادة وزاكورة وسلا وغيرها"، مشيرا إلى أن "وتيرة الاحتجاجات تضاءلت مقارنة بالسنوات السابقة حيث كانت وزارة الداخلية تقدر عدد الوقفات بخمسين وقفة تقريبا بشكل يومي". وأوضح أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري أن "المستجد الذي طرأ على الاحتجاجات يتمثل في إدخال الطرق الحديثة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل الاحتجاج الافتراضي يغطي نسبة كبيرة من الغضب الشعبي تجاه سلوكات أو ممارسات الاحتجاج، ذلك أن المقاطعة كانت قوية؛ إذ حدثت لأول مرة وأعطت أكلها بعدما تسببت في إقالة وزراء". وأبرز صاحب كتاب "الملكية وما يحيط بها في الدستور المغربي المعدّل" أن "بعض قضايا الرأي العام عرفت استجابة قوية في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى القيام بردود فعل معينة، مثل الاحتجاجات التي اندلعت ضد الكتب المدرسية، ما دفع الوزارة الوصية إلى تصحيح بعض الأخطاء، وتراجعت عنها في نهاية المطاف". واستطرد عبد الرحيم العلام قائلا: "نلاحظ تراجعا على مستوى الاحتجاجات الميدانية، مقابل تطور الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ لم تعد افتراضية فقط، وإنما بات لها وقع مادي وملموس، مثل المقاطعة التي قيل عنها في البداية إنها مجرد كلام فيسبوك فقط، لكن بدأت الشركات تتجاوب مع المواطنين بعد مرور أشهر عدة". عايش: جهود وساطة المسؤولين ضعيفة وغير مدروسة من جهته، قال كريم عايش، عضو مركز الرباط للدراسات السياسية، إن "السنة الجارية عرفت ارتفاعا ملحوظا في نوعية وتنوع الحركات الاحتجاجية، وهو ما عزاه المحتجون إلى سياسة الآذان الصماء للمسؤولين الحكوميين، ثم اختباء وزراء الحكومة خلف الأزمة الاقتصادية وضعف موارد الميزانية، لكن المُلفت في الموضوع هو الاحتجاجات السكانية ضد السلطات العمومية والحكومية". وأضاف عايش، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الاحتجاج لم يعد حكرا على العمال والشغيلة والموظفين، أو الطلبة في بعض الأحيان، بل صار أيضا للمواطنين يمارسونه مباشرة بدون تأطير من الهيئات السياسية والنقابية، عبر تأسيس تنسيقيات ولجان محلية تتكفل بالتنظيم وتشكيل الملف المطلبي والتفاوض". وأوضح الباحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط أن "المسألة يمكن فهمها من أربعة أوجه؛ أولها نضج الوعي الحقوقي والمطلبي للساكنة واعتمادها على ميكانيزمات سلمية للمطالبة بها. ثانيا تراجع أدوار الهيئات وانحسارها في قطاعاتها الإنتاجية، وبالتالي تقلص عمقها الجماهيري. ثالثا فشل الحكومة في التعاطي مع التحولات الاجتماعية وارتفاع نسبة الفقر والهشاشة بالرغم من برامجها وخططها في هذا المجال". ويتجلى البعد الرابع، وفق عايش، في "ارتفاع درجة الاحتقان العام، ما يؤثر سلبا على المناخ العام ويقوي الصراعات الفكرية داخل الهيئات والفئات الاجتماعية، ليعطي صورة سيئة عن البلد ويضعف مصداقية مسؤوليها وطنيا ودوليا". وأبرز المتحدث أنه "على الرغم من وجود وسائل مؤسساتية عُهد إليها نزع فتيل الاحتجاجات، سواء سلطة محلية تحت إشراف الولاة والعمال، أو لجان وزارية، أو فرق نيابية برلمانية، أو تنسيقيات، إلا أن جزءً منها فقط تمكن من طي بعض الملفات، لتبقى الملفات ذات البعد الاجتماعي فوق صفيح ساخن يُذكي نارها ضعف الحوار الاجتماعي وتعثره، تعدد المحاورين وتشتتهم، قلة الاقتراحات الكفيلة بإيجاد الحل أو انعدامها، سياسية الترقيع القطاعي وحذف الامتيازات وتعويضها بميكانيزمات اقتصادية مجهرية وغير مرضية". وختم الباحث في جامعة محمد الخامس تصريحه بالقول إن "جهود وساطة المسؤولين لحل مطالب القطاعات والفئات العريضة هي ما ساهم في إذكائها وتنوعها، لكونها كانت ضعيفة وغير مدروسة لتلبي الانتظارات، وبالتالي استمرت وتكاثرت مُنذرة بسنة مقبلة ساخنة اجتماعيا".