أدى القبول العالمي للتعليم الدامج خلال العقود القليلة الماضية إلى زيادة في عدد الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة الذين يحصلون على التعليم بشكل منتظم في المدارس العادية، وكانت هناك اتجاهات متزايدة للتأكيد على دمج التلاميذ ذوي الإعاقة في النظم التعليمية العادية. والهدف هو توفير فرص تعليمية متكافئة لهم في المدارس المتاخمة لمقرات سكناهم حتى يتمكنوا من التعلم بالطريقة نفسها التي يتعلم بها نظرائهم من غير الحاملين للإعاقة. ويستند هذا النهج الشامل إلى حقوق الإنسان المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والمساواة والاستحقاق واحترام التنوع ويتوخى تفادي أي شكل من اشكال الفصل والتهميش وعدم إمكانية الوصول للخدمات والحقوق الأساسية. ولهذا، يتم قبول عدد متزايد من الاطفال الذين يعانون من درجات خفيفة إلى عميقة من الاعاقة في المدارس العادية دون إجراء التعديلات اللازمة والتغييرات في بيئة المدارس، وإعدادات الفصول الدراسية، والمناهج الدراسية، وأساليب التدريس. إن مصطلح "الإدماج" المدرسي في المغرب غامض، أو بالأحرى أنه يحدد حالة وسيطة بين الادماج والدمج التام، ومن المفارقات أن مفهوم الإدماج المدرسي -بالشكل الذي هو عليه الآن -في المغرب يرتبط فقط بتجميع الأطفال داخل قسم نظامي مع مدرس نظامي دون سجل نظامي في اللوائح الرسمية. هذا النموذج الفريد من نوعه في العالم هو في الواقع محاولة محتشمة لفتح حدود المنظومة "العادية" لمن هم خارجها، أو بتعبير آخر لمن هم مستثنون قصريا من قواعدها، بحيث أن الأطفال في وضعية إعاقة إن هم استطاعوا أن يلجوا فصلا دراسيا يضحون -بقدرة قادر - مجبرين على أن يصبحوا جزءا منه، ومن لا يستطيع الصمود "والطفل هو دائما السبب "، لن يستحق شرف البقاء، وبالتالي يصبح مجبرا على البحث عن مكان له داخل ردهات الأقسام التابعة للجمعيات التي بدورها تصبح ملزمة بقبول أو إصلاح ما أفسدته تلك المنظومة. على سبيل المثال، الادماج المدرسي الآن كما كان عليه الحال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي موضع شك كبير، حيث كان الشرط دائمًا أن يكون الطفل له مستوى أكاديمي مقبول، أو دعم عائلي جيد، أو تعافٍ سمعي ملحوظ أو قراءة شفاهية سليمة، أو لغة جيدة. من الواضح، إن هذا التفييء استبعد الكثير من كل أولئك الذين لم يصلوا إلى ذلك التصنيف. كان شرط الاندماج هو الاقتراب من النظام العادي، وهذا ما تسبب حتى في نفي وجود أو إقصاء من هم خارج القواعد. لكن المبدأ كان دوما أن تبقى المدرسة على عملها ومعاييرها، وأن الولوج إلىها، أي المنظومة يعتمد كليًا على مدى قدرة هذا الطفل أن يصلح عطله "أي إعاقته التي تعتبر هي مصدر عجزه" ومن مسؤوليته أيضا أن ينضبط لشروط الفصل الذي لم يكن أبدا جزءًا منه، لأنه يفترض فيه أن يقترب من المعيار العام، لكي ينضم إليه تمامًا. لم يكن السؤال هو تغيير المدرسة للتكيف مع الأفراد، بل الغرابة، كانت هي الحرص على فرض تعديل الفرد ليتأقلم مع المكان، أي الفضاء المدرسي. ولهذا السبب، من المفارقات أن الإدماج لم يتمكن من إلغاء الحدود والحواجز، لأن الدمج يفترض أن يفتح الحدود بطريقة ما نحو الأماكن حيث يوجد هؤلاء بالخارج قصد تقييدهم في المدرسة، بغض النظر عن خصوصياتهم، ولكيلا يظلون بالخارج لا يتطلب منهم أن يكونوا مثل الآخرين، بل على المدرسة أن تتكيف مع خصوصياتهم (عن طريق التعويض وتيسير شروط الولوج وإمكانيات الوصول) بحيث يمكن أن يكون لهم نفس الحياة المدرسية والاجتماعية كأقرانهم الآخرين. مع ذلك، على الرغم من أن ممارسات الإدماج في المغرب ربما ساهمت في تغيير وجهة النظر نحو مزيد من التسامح وبالتالي القبول بالآخر، فالإدماج ظل نخبوياً، انتقائيا، نسبياً، واعتباطيا الى أقصى الحدود ، لم يبن أبدا على الاحتياجات الفردية أو على دراسات علمية هدفت تقويم الإعوجاجات ، لأنه ومنذ التسعينات لم تكلف الوزارة نفسها عناء القيام بدراسات لتقييم تجربة الادماج ولا حتى الانصات للعاملين في المجال لانهم ظلوا دوما لحالهم يتخبطون في مشاكلهم في ظل انعدام التكوين المستمر اللهم من بعض الدورات القليلة بكل من أكاديميات الرباط و اكادير وسطات وكانت من تنظيم منظمات فرنسية وايطالية بالإضافة الى ضعف التجهيزات ونقص المواد الديداكتيكية وهذا ما جعل العديد منهم يحدثون جمعيات لتمدرس الأطفال قصد التماس الدعم العمومي من الجماعات المحلية ووزارة التنمية ، فصارت الدولة تشحت من الدولة لتدريس أطفال الدولة. وعلاوة على ذلك، يظل المدرسون يواجهون وبشكل -شبه يومي- الاحتجاجات المقبولة للاباء الذين ضاقوا ذرعا من المعاناة رفقة أطفالهم في ظل بعد المدارس من مقرات سكناهم وارتفاع تكاليف التكفل بالأطفال بمراكز الجمعيات. ولما جاءت الوزارة بالمخطط الاستعجالي سنة 2009 والمشروع الخاص بدعم تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، تنفس الجميع الصعداء آملين إيجاد حلول، لكن سرعان ما تهاوت تلك الآمال في ظل اقتصار المخطط على الاستثمار في البناءات، ولم يقدم أي جديد يخص الاستثمار في العامل البشري لأنه ليست المدارس الشاهقة والمزركشة فقط ما نحتاج اليه، بل نحتاج تكثيف الاهتمام من خلال إجراءات تحفيزية للمدرسين. في مواجهة هذه التطورات العالمية ، فإن نماذج الفكر البائدة والتمثلات السلبية التي تتجسد على أرض الواقع من خلال الممارسات اليومية للأفراد والمؤسسات بعيدة كل البعد عن مواكبة نفس التطورات، حيث اننا لا زلنا نشهد تحولات بطيئة نوعًا ما، تصل حد الشلل. لأنه لحد الأن لا يمكننا تحديد عدد مجالات العوائق للوصول إلى هدف مدينة جامعة ومجتمع دامج، ومدرسة دامجة شاملة للأشخاص للمعاقين. الشكل الحالي لمنظومتنا التعليمية غير شامل، غير مستوعب لكل المكونات الثقافية المختلفة للمجتمع، لأن مدرستنا المغربية للأسف ليست دامجة، أو شاملة لكل الاطياف من أطفالنا، إنها الحقيقة لأنها تنبع من الاستبعاد أكثر منها الى الشمول. هكذا هي المدرسة في المغرب، على الرغم من الأهداف المعلنة للمدرسة المواطنة والجديرة بالثقة، يواجه الأطفال ذوو الإعاقة صعوبات كبيرة: صعوبة الولوج الى القسم، صعوبة الولوج الى المنهاج الدراسي هذا فضلا عن صعوبات جمة في إيجاد مكان شرعي. كان هناك بالتأكيد تقدم ولو بشكل متباطئ في المرحلة الابتدائية، لكن الحقيقة، هي أن الولوج الى المدرسة في الواقع لا يزال نخبويا، باستثناء أولئك الذين ليس لديهم القدرة والمقدرة. إن المدرسة العمومية (بل حتى الأقسام التابعين للجمعيات) التي تعمل اليوم، ليست دائما قادرة على الترحيب في ظروف جيدة بهؤلاء التلاميذ ذوي الإعاقات. لأن طبيعتها لا تزال انتقائية وتستثني الأسر ممن هم محدودي الدخل، لأنها لا تعتمد فقط على وظيفة التعليم، بل أيضاً وظيفة "التوزيع الاجتماعي، والجغرافي". إن الأطفال في وضعية إعاقة يظلون دوما من أولئك الذين هم خارج المنظومة نظرا لثغرات تعتري تلك المنظومة ولأنهم قدر لهم أن يكونوا إحدى ضحاياها، وهو ما يتعارض مع مبدأ المدرسة الشاملة. إذا وضعنا الشمول باعتباره واقعا تجووز في دول أخرى اليوم واستحال تحقيقه في مدارسنا، وليس بوصفه أفقا يمكن الوصول إليه، فإنه يضع صعوبة معينة في تعليم الصم أو الأطفال ذوو الإعاقة بحيث سيتم دوما استبعادهم مع تكاثر نسبة المواليد من الأطفال حاملي الإعاقة وتخفيض عددهم في المدارس بالنظر الى تناقص الموارد البشرية واغلاق العديد من المراكز التابعة للجمعيات المستقبلة لهم بسبب نقص التمويل على الصعيد الوطني وعدم تكوين الخلف من المدرسين المؤهلين أو نتيجة الهدر المدرسي الممنهج المطبق ضدهم من غير قصد إثر تعرضهم للإهمال والمعاناة والفشل الدراسي والعنف والتمييز الممارسين في حقهم من طرف المحيط المدرسي ونتيجة كذلك لفجوة كبيرة في المهارات المعرفية المكتسبة لديهم والتي لا تتناسب مع فئاتهم العمرية عند إدراجهم أو الزج بهم في المدارس العادية ، وذلك ببساطة لأنهم مستبعدون من التعلم المبرمج ومصنفون لأن يظلوا على الهامش ، لأن هؤلاء المدرسين لا يتوفرون على القدرة على التمييز ، والدعم ، والتكييف ، باعتبارها جزء من مهمتهم المهنية لسبب بسيط وهو أنهم لم يتدربوا ابدا على كيفية القيام بذلك خلال مسيرتهم المهنية بل فقط جيء بهم للقيام بتأمين ملاذ للأطفال دون الحاجة الى التأكد من طرف من أوكل لهم ذلك أن لديهم التكوين الأكاديمي المناسب والكفيل بإرشادهم وإلهامهم بالخصائص النفسية والطبية والفكرية لهؤلاء الأطفال. على الرغم من التطورات المفاهيمية الدولية، يمكن للمرء أن يجزم من خلال بعض اللقاءات مع المدرسين العاملين في المجال بالمغرب أن طرق التفكير لدى أغلبية العاملين في المجال التربوي تعمل على تبني صرف للنموذج البيولوجي الطبي. الشخص الكفيف، الشخص الأصم، الشخص الذي لا يمكنه المشي، يعتبر كائنا يجب إصلاح أعطابه حتى يمكنه الدخول في المنظومة. وهنا تكمن المشكلة، البحث عما هو مفقود، أو ما يفترض أن يكون مفقودًا، أو معيبا. بالطبع، بالنسبة لهؤلاء الأشخاص ذوي الإعاقات، من الصعب العيش في مجتمع يراهم ولا يروه، يسمعهم ولا يسمعونه، ألن يكون من الأسهل عليهم إذا عشنا في مجتمع مصمم لأولئك الذين يرون والذين لا يرون بالنسبة لأولئك الذين يسمعون والذين لا يسمعون، لأولئك الذين يمشون ولأولئك الذين لا يمكنهم المشي، هذا يعني مجتمعًا مثاليًا. هناك بالتأكيد عمل منتظر يؤدي إلى هذا المجتمع الطوباوي، ولكن من المؤكد أن هناك غياب لإرادة واعية ومشتركة لدى عامة الناس، وكذلك لدى العديد من المتخصصين في التربية الخاصة، بأن أولئك الذين يعيشون في المجتمع الحالي يجب أن يكونوا شبيها بما هو موجود. لا يتعلق الأمر بقصد أن نقول إن الإرادة لإصلاح أو إزالة أوجه القصور هي مصدر قلق غير محبب (لجعل المعاق في حياة كل فرد)، حيث أن القلق المعياري والتسلسل الهرمي يتعلق بالقيمة المعطاة لكل منهما. غالبًا ما تكون فكرة "الفقراء المعاقين"، والتعالي، والإحسان هي علامات على أحكام قيمة نحو هؤلاء الناس، والغريب أن تسيطر نفس الفكرة على شريحة من بعض المربين الذين يفترض فيهم تعديل السلوك لدى هؤلاء الأطفال وهذا التفكير يجد أيضًا أصله في تاريخ تمثلات الأشخاص المعاقين بالنسبة للعديد من الناس، لأن الشخص في وضعية إعاقة هو كائن غالبا ما يتم الرمز اليه بجميع أدوات النفي فهو ذلك الذي لا يرى ولا يسمع، ولا يتكلم او لا يفهم، وذلك الذي لا يتحرك. لأنه حتى في بعض الكتب المدرسية مثلا، الإعاقة عجز، والمعاق هو رمز الإحسان والصدقة كما أن الصمم هو مرض يتطلب علاجا، هو عاهة تحتاج الى تقويم وترميم أو إصلاح، وزراعة أجهزة (داخلية أو خارجية)، وعلاج النطق، وإعادة التأهيل. ختاما، إن مفهوم الإدماج هنا كما هندسه جهابذة التربية بأوروبا هو جعل المدرسة بمثابة المكان المناسب لجميع الأطفال، أو ما يصطلح عليه بالتعليم الجامع، الشامل، الدامج، وهو مفهوم يعتبر جميع التلاميذ جزء من المنظومة التعليمية، مع كل تفرداتها، ومستوياتها، واحتياجاتها الخاصة. وببلادنا بموجب الدستور والقانون الذي يضمن الحق في المدرسة للجميع. وبالتالي، فإن المسألة لا تتعلق فقط في حصر إمكانية شروط ولوج المدرسة لمن هو قادر على ذلك وفقا للمعايير المعمول بها مع الأطفال الاخرين، بل ولتكييف القواعد والممارسات، بحيث يمكن للجميع المشاركة. وهذا ما يعكس أيضًا مطالب حقوق منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تتجسد في أحداث مثل عقد المعاقين من عام 1982 إلى عام1992، إعلان سالامانكا حول إطار العمل من أجل التعليم للجميع في عام 1994 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأممالمتحدة في عام 2006، والتي ألهمت بشكل خاص النصوص التنظيمية في العديد من البلدان، كما هو الحال في المغرب، قانون 13-04 الذي يهدف الى المساواة في الحقوق والفرص، والمشاركة والمواطنة للأشخاص ذوي الإعاقة وتحسين شروط الولوج للمدرسة لكافة الأطفال في وضعية إعاقة. * أستاذ باحث في دراسات الإعاقة والصمم كلية علوم التربية، الرباط