"الصباحية" تكشف عن صور حية لمآسي التعاطي للحقن المخدرة "" مدمن: "طلبنا منّهوم إداويونا مابغاوش، طلبنا منهوم إدّيونا الحبس قالوا لينا سيروا ديرو مونتيف أوجيوا" أكدت وزارة الصحة في فبراير الماضي ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات والحد من أضرارها. وأشارت إلى خطورة التعاطي للمخدرات الصلبة عبر الحقن. ولاشك أن هناك تقارير طبية وأمنية ونتائج اجتماعات مسؤولين حول مكافحة المخدرات أشارت إلى خطورة الإدمان على المخدرات الصلبة. وخلال الحملة الانتخابية الماضية صعد مواطن منصة أحد الأحزاب، وقال أمام حشد كبير من مواطني منطقة الدريوش بإقليم الناظور، إنه توجد في هذا الإقليم إدارة تعلو فوق جميع الإدارات، إنها "إدارة الكوكايين"؟. وفي المنطقة ذاتها علمت "الصباحية" أن مدمنا سابقا عمد إلى تصوير معاناة زملائه السابقين في الإدمان والضياع. وقد تمكنت من التوصل إلى محتوى قرص، ظل في طي الكتمان لأزيد من عام، يصور هذه المآسي وينقل شهادات مرضى "الهروين". كما كشفت مصادر "الصباحية" عن النسبة التي يشكلها مرضى السيدا بسبب التعاطي للمخدرات بواسطة الحقن، إضافة إلى معطيات أخرى تقرؤونها في هذا التحقيق. أن يقرر مدمن تعافى من التعاطي لحقن الهروين والمورفين تصوير زملائه السابقين في التعاطي لهذا السم، دليل على أنه عاد إلى الحياة الطبيعية بعد أن تاه عنها لمدة 9 سنوات، قضاها ضائعا بسبب نشوة مزيفة قاتلة، لكنه أحبها إلى درجة أنه فضلها على أبنائه وأسرته، وأصبحت أمواله لا تعرف طريقا غير البحث عن المخدرات وشرائها. كان "ع" لا يتردد في صرف آلاف الدراهم من أجل لحظة هدوء واسترخاء ونشوة، سرعان ما يستفيق منها ليعانق الألم، ألم الإحباط واليأس والرغبة الموجعة في أخذ المزيد من جرعة المخدرات "السوداء". أشرف "ع" على الإفلاس المالي والنفسي، فقد وصل به الأمر إلى صرف 19 مليون سنتيم في ظرف شهرين من أجل تدخين عقاقير الهروين. كان التجار الصغار المروجون لهذا النوع من المخدرات يتسابقون على "ع" لأنه زبون ميسور ومدمن للغاية، فقد كان يستهلك من غرام إلى غرامين في اليوم، أي ما يعادل 2500 درهم. وبفضل هذا الزبون تمكن بعض هؤلاء التجار من ربح أموال كثيرة وبنوا وملكوا عقارات ومنازل، في الوقت الذي كاد فيه "ع" تشريد نفسه وأبنائه ال12. قاوم "ع" رغبته الجامحة في التعاطي للمخدرات، وساعده على ذلك الأصدقاء والأبناء أيضا، وتخلص منها لمدة سنة. بعدها قرر محاولة تحسيس زملائه السابقين بخطورة ما ألقوا فيه بأنفسهم، وفي الوقت نفسه أراد فضح ترويج هذه السموم، وكيف أن السلطات الأمنية تكاد تجد نفسها عاجزة على الحد من انتشارها بين الرجال والنساء والأطفال، خاصة في شمال المغرب وفي الريف أيضا. لكن الجواب عن هذا التساؤل جاء على لسان مرضى "المورفين والهروين"، حين أكدوا بالصوت والصورة وهم يتحدثون إلى صديقهم "ع"، أن هناك من رجال "المخزن" من ابتٌلي بالرشوة ولم يعد يقاومها فوجد مروجو هذا النوع من المخدرات المجال مفتوحا لممارسة نشاطهم "السام". بل أكد كل هؤلاء أن التجار يعمدون إضافة إلى توزيع الرشاوى على رجال "المخزن"، إلى إسقاطهم في فخ التعاطي للمخدرات البيضاء، في إشارة إلى الكوكايين. "راك تشوف أخالي "ع"، راه همّا لّي بغاو"، بهذه الكلمات كان يجيب متعاطون للمخدرات بواسطة الحقن عن استفسارات زميلهم السابق الذي بحث عنهم في أركان بعينها بغابات بضواحي الناظور والدريوش وبن الطيب. كانوا يقصدون بكلامهم تجار تلك السموم، مؤكدين أنه لو تم منع ترويجها، فإنهم سيتوصلون إلى نسيانها والابتعاد عنها. فقد قالوا لزميلهم السابق إنه في حالة منع ترويجها سيبحثون عنها اليوم وغدا وبعد أسبوع فشهر ولن يجدوها وسيجبرون أنفسهم على نسيانها. أما وهي متوافرة هنا وهناك، فإن الألم والإدمان والرغبة في نشوة عابرة تسوقهم مباشرة إليها. "كاندير الهروين باش ندير العرق ونمجّج العقل"، يجيب حسن عن تحية زميله السابق "ع"، مضيفا أنها مصيبة أصابتهم وأنهم يجدونها بالقرب منهم، وأنهم يسرقون ويفعلون أي شيء من أجل الحصول على ثمن النشوة القاتلة. وهذا مثال الكلام الذي يضحك ويُبكي في آن، يقول حسن "راه كايقتلو فينا.. عيينا ما نشكيو، طلبنا منّهوم إداويونا مابغاوش، طلبنا منهوم إديونا الحبس قالوا لينا سيروا ديرو مونتيف أوجيوا. سرقنا ديورنا بعانا حوايجنا باش انستعملوا هاذ المصيبة. حنا متانخافوش حنا مراض، هانت كاتشوف هاذ الحالة ما كنشدوا العرق حتى تيغفر لينا الله. المصيبة لكبيرة أن الشباب والدراري الصغار بداوا كيتبلاو بهاذ شي". وسأل "ع" أحدهم (ويدعى "ل"، وهو متحدر من فاس لم ير عائلته لأكثر من 10 سنوات، كان سافر إلى الشمال للعمل لكنه سقط في مخلب الإدمان): "واش ما حاولتوش تبعدو على هاذشي. أنا مثلا كاتعرفوني كنت مابلي كتار مانكوم، واستهلكت هاذ السم أكثر من 9 سنين، أوخسارت فلوس صحيحة. واحد المرة خسارت 19 مليون في ظرف شهرين. أودابا الحمد لله تشافيت أو وليت بيخير بسيارتي أو برازقي أو بيخير معا ولادي". لكن "ل" الذي كان يبحث عن عرق في قدمه لتثبيت الحقنة أجاب "المحاولة هي التفطاع هاذ المصيبة... هانت كاتشوف وليت كانديرها في الرجل حيت ما بقاوش العروق في اليد..هاذ الحالة هاذي والله إيما حياة بالله. البزناسة شراوا هادوك لّي خصهوم إيحاربو هاذ السم. واش البزناس لّي كايبيع الأطنان ديال هاذ المصيبة إلى تشاد كايحكمو عليه بشهرين؟ أو لّي بعاد علينا هاذ المصيبة عندو آجر كبير بزاف، الله إحفظ كانتسناو غير الموت". ولم يتردد هؤلاء المرضى، مرضى الهيروين أمام كاميرا زميلهم السابق في الكشف عن أسماء مروجي هذه السموم الصغار منهم. أما كبار التجار فقد قالوا إنهم لا يعرفونهم. ولم يترددوا أيضا في قبول الحديث إلى الصحافة حين سألهم زميلهم السابق عن ذلك. وقالوا أيضا إن كل واحد منهم ملزم بتوفير ما بين 400 إلى 500 درهم في اليوم من أجل أخذ الجرعات الكافية لإدمانهم الذي أصيبوا به لأكثر من 8 سنوات. لقد تحدثوا أيضا عن أنه يكفي أن يفرق "البزناسة" الرشوة، فيقول لهم الذين يتسلمونها "بيعوا ل"ي بغيتوا، قطعوا حتى بنادم أوبيعوه، راه المغرب هاذا". ويضيف أحد مرضى الهيروين "الشمال كولّو ضايع..كُلا بلاصة فيه كاينين ما بين 60 و70 واحد مريض بحالنا، أوماتوا منهم بازاف، أو فيهم لّي مريض بالسيدا". لقد كشف هؤلاء المرضى بكل شجاعة عن طريقة الحصول على الحقن التي يستعملونها في أخذ هذا النوع من المخدرات، إذ أكدوا أنهم يحصلون عليها من قمامات المستشفيات ونادرا ما يشترونها، وأن 5 إلى 6 أشخاص يستعملون حقنة واحدة، ما يسهل نقل مختلف الأمراض في ما بينهم، منها داء السيدا. مدمنون فعلا، مذنبون أيضا لأنهم قرروا في يوم ما تجريب نشوة التعاطي للمخدرات. وكرروا الفعلة تلو الفعلة إلى أن أصبحوا زبائن صغار تجار المخدرات بأنواعها..لكنهم تحولوا بعد مرور 8 سنوات أو 10 سنوات إلى مرضى ينتظرون الموت أو العلاج. لقد شكل تصوير عينة من مرضى الهروين من طرف مدمن تعافى سابقة وصرخة في وجه المكلفين بحماية ذوات وأرواح المواطنين مهما كانت طبيعة مهدد هذه الذوات وهذه الأرواح. لقد قرر "ع" الزبون السابق لصغار تجار المخدرات تصوير وزملائه خلال السنة الماضية. واحتفظ بالقرص الذي يحتوي على مشاهد مؤلمة، وهو قرص لاشك قد وصل إلى بعض مسؤولي الأمن والقضاء بمنطقة الناظور. وإذ تكشف "الصباحية" عن المشاهد المؤلمة والتصريحات المؤثرة للمرضى الذين قبلوا تصويرهم من طرف زميلهم السابق رغبة في أن تصل استغاثتهم إلى ذوي الضمائر الحية المعنيين بمحاربة المخدرات وبعلاج المدمنين. "ع" حرف يبدأ به اسم المواطن الشجاع الذي كافح وكابد من أجل أن يتعافى من مرض الإدمان. وقد علمت "الصباحية"، من مصادرها الخاصة، أنه لا يزال يتعرض للتحرش من طرف تجار المخدرات، إذ يعمد بعضهم إلى بيعها بالقرب من منزله لاستفزازه أملا في أن يرجع إلى شرائها. فهو بالنسبة إليهم زبون سخي. السيدا والمخدرات كشف مصدر طبي ل"الصباحية" أن 4 في المائة من أصل 2400 مريض بالسيدا طالهم المرض بسبب التعاطي للمخدرات بواسطة الحقن. وأشار المصدر نفسه إلى أن الإحصائيات تؤكد أن عدد المصابين بفيروس السيدا في المغرب انحصر ما بين 2001 و2005 في 20 ألف مصاب، منهم 2400 مريض، وأن نسبة 4 في المائة مصابون أو مرضى لأنهم تعاطوا المخدرات بواسطة الحقن. وأضاف المصدر نفسه أن منطقة طنجة تطوان تمثل نسبة 3 في المائة من هذا النوع من المرضى أو المصابين بالسيدا. إلى ذلك كشفت مصادر طبية أخرى عن قرب الشروع في تنفيذ المخطط الوطني لمحاربة التعاطي للمخدرات والتقليل من الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" من خلال التعاطي للمخدرات عبر الحقن. وأوضح المصدر نفسه أن هذا المخطط تم وضعه خلال السنة الماضية (2007)، وقد اشتغلت عليه مديرية الطب النفسي بوزارة الصحة بمعية فرع الجمعية المغربية لمحاربة السيدا بتطوان وجمعية "إيس أو إيس" بطنجة. ويرمي هذا المخطط إلى العمل وفق مرحلتين، الأولى تتمثل في زيارة المدمنين في الأماكن التي يتعاطون فيها لهذا النوع من المخدرات وتمكينهم من حقن جديدة معقمة، وتخليصهم من الحقن المستعملة. ويضيف وفي الوقت نفسه ستجرى لهم تحليلات طبية للتأكد من إصابتهم أو عدم إصابتهم بفيروس السيدا، وإضافة إلى الحقن ستوزع عليهم العوازل الطبية. أما المرحلة الثانية فتتمثل في أن يُقترح عليهم تغيير التعاطي للمخدرات بأخذ دواء "الميطادون" لفترة ما في أفق التخلص من الإدمان. يشار إلى أن وزارة الصحة كانت تحدثت في فبراير الماضي عن ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات والحد من أضرارها. وأشارت إلى خطورة التعاطي للمخدرات الصلبة عبر الحقن، مضيفة أن هذه الآفة أصبحت تنتشر وسط الشباب في المدن الكبرى وأن دراسة خصت 494 شخصا، ثلثين منهم من المتعاطين للمخدرات بواسطة الحقن، 14 في المائة نساء، وأن 37 شخصا من هؤلاء تتراوح أعمارهم ما بين 12 و18 سنة، وأن الرُّبع من هذه العينة (494 شخصا) شرعوا في التعاطي للمخدرات بواسطة الحقن من سن 20 إلى 25 سنة، وأن 3 على 5 منهم عازب، فيما 1 على 5 متزوج. وكشفت الدراسة ذاتها عن ازدياد أنواع المخدرات المستهلكة وتنوع طرق استعمالها، فيما لاحظت انخفاضا في معدل السن الذي يحيل على بداية التعاطي لهذا النوع من المخدرات. بقلم: الحسين يزي / جريدة الصباحية