يُجمع الكثيرون على أن جريمة قتل سائحتين أجنبيتين في منطقة إمليل بالقرب من ضريح "شمهروش" بطريقة بشعة، والتي هزّت وجدان ومشاعر ملايين المغاربة، تنطوي على بصمات داعشية بامتياز، من حيث شكل التنفيذ والخلفية الإيديولوجية المرتبطة بالوضع في سوريا، فضلا عن مبايعة المجرمين لزعيم "داعش" الإرهابي. وتؤشر جريمة قتل السائحتين النرويجية والدنماركية على عودة ظاهرة إرهاب الذئاب المنفردة إلى المغرب، فهي عملية نوعية تتشابه مع العمليات الإرهابية التي شهدها المغرب بداية بتفجيرات الدارالبيضاء سنة 2003 وعملية مقهى أركانة بمراكش في بعض الجوانب؛ لكنها تختلف معها في جوانب أخرى موضوعية وعملية وإجرائية. الدكتور محمد عصام لعروسي، الخبير في الشأن الإستراتيجي، يبسط هذه الزاوية في حديث مع هسبريس، بالقول إنه "من الناحية المبدئية، يمكن اعتبار "جريمة شمهروش" أنها ظلت وفية لمنطق المفاجأة وخلق الصدمة لدى المغاربة ودول العالم وخلق حالة الذعر في صفوف المدنيين". ويشرح لعروسي أن الجريمة تتطابق تماما مع تعريفات الإرهاب المختلفة، وخاصة مفهوم الذئاب المنفردة التي تظهر في كل أنحاء العالم دون تمييز بين حواضن معينة منتجة للظاهرة كما يريد البعض في الغرب تسويقه في وسائل الإعلام من خلال تصوير المغرب مكانا غير آمن للأجانب، وهو أمر غير صحيح". يتابع المتحدث: "تؤكد العديد من الشواهد حدوث العديد من العمليات الإرهابية مؤخرا في كل من تونس وستراسبورغ الفرنسية والولايات المتحدةالأمريكية.. وبالتالي، لا يشكل المغرب كغيره من الدول استثناء عن إمكانية حدوث عمليات الذئاب المنفردة التي تنفلت من رقابة المصالح الأمنية لصعوبة تتبع نشاط الخلايا الإرهابية غير المرتبطة ببعضها عموديا وأفقيا وضعف التواصل الشبكي بينها محليا ودوليا". وبخصوص مكامن وعوامل اختلاف "جريمة شمهروش" عن باقي العمليات الإرهابية، يسجل لعروسي مسألة الانتقال إلى المجال القروي دون المجال الحضري؛ وهو "ما يعكس حقيقة واضحة هي أن الرغبة في القتل والتصفية تسكن عقول ووجدان العديد من المنحرفين والمارقين عن الدين الإسلامي والمرضى النفسيين والمهمشين الذين لا علاقة لهم بالتمدن وبالحضارة وبالثقافة". ولفت المتحدث إلى أن "جرعات عالية من الوحشية والتخلف وانعدام الإنسانية وعدم قبول الاختلاف مع الآخر المتحضر كانت بادية على الوجوه المتجهمة لمجرمي شمهروش"، مضيفا أن "هذه الحالات المرضية لا تستثني أي أحد من دوافع الكراهية والحقد على مؤسسات الدولة، وصولا إلى المدنيين العزل، وتستغل الفضاء القروي لممارسة عدوانيتها وساديتها، خاصة النساء والأطفال لضعف بنياتهم الجسمانية". واستطرد: "في انتظار ما ستسفر عنه التحريات والأبحاث الجنائية، لا يبدو أن الجناة المتورطين في عملية قتل السائحتين يرتبطون بشكل قوي ومؤثر مع تنظيمات إرهابية عالمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو يعتمدون هذه الجماعات كمرجعية فكرية من خلال المطالعة أو المتابعة عبر الأنترنيت، إلا إذا كشفت التحقيقات وقوعهم ضحية تجنيد مباشر من قبل بعض العناصر المقاتلة المرتبطة تنظيميا بالجماعات الإرهابية، وخاصة مع عودة العديد منهم من بؤر التوتر كالعراق وسوريا بعد هزيمة داعش في الموصل". وتوقف لعروسي عند "ما ميز العملية الأخيرة عن غيرها من العمليات السابقة، متمثلا في عدم استخدام الأحزمة الناسفة والقنابل يدوية الصنع أو ذات التحكم عن بعد، حيت استعمل الجناة الأسلحة البيضاء في تنفيذ الجريمة الشنعاء تساوقا مع البيئة والمكان والزمان الذي تم فيه الحادث الإرهابي". وذهب الخبير إلى أن "طريقة تنفيذ الجريمة وعدم وجود دوافع تنظيمية واضحة إلى غاية الآن يؤيد الطرح الداعم لوجود بنيات نفسية إجرامية تمارس الإجرام وتتماهى مع العنف النفسي والعدوانية الكامنة في السلوك المنحرف الذي لا علاقة له بالعوامل الأيديولوجية وفي مقدمتها الدين الإسلامي". واسترسل لعروسي: "لا تبدو مظاهر التدين على الجناة أو فهمهم للدين، سواء بشكل عميق أو سطحي.. ومن الراجح أن العيش على هامش المجتمع والتوجه إلى المناطق النائية لاصطياد الضحايا هو دليل آخر على وجود العنصر المعنوي والإصرار النفسي لديهم لارتكاب مثل هذه الجرائم المقززة، التي لا يقبلها دين أو ملة أو عقيدة".