مقدمة : طالب العديد من المستشارين البرلمانيين بتعديل القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزراعتها، بهدف حماية المتبرعين بالأعضاء من عصابات الاتجار بالبشر، وذلك ضمن مقترح قانون قدم في مجلس المستشارين ، والحقيقة أن هذا الطلب نابع من روح الوطنية الصرفة ، ولا يسعنا إلا أن نشد على أيديهم بحرارة ونتمنى لمباردتهم النجاح ، خصوصا وأن المطلع الممحص لفصول هذا القانون الخطير لاشك أنه سيصدم وسيتساءل كيف تم تمرير هذه المصيبة إلى المجتمع المغربي !!!!!والتي على ما يبدو أنها بالإضافة إلى كونها تشكل خطورة على المواطن المتبرع فهي لا تحترم إرادته ولا كرامته !!!! ولاشك أن المستقرئ للمادة 4 من القانون 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها سيفهم بوضوح لا مجال معه للشك بأن المشرع المغربي يحترم إرادة المواطن المتبرع بأعضائه ، فلا يجيز له التبرع إلا بموافقته الصريحة والواضحة ، كما يعطيه فرصة لإلغاء هذه الموافقة متى أراد ذلك ، وهذا الأمر أكدته المادة 13 من نفس القانون السالف الذكر بحيث يمكن لكل راشد يتمتع بأهليته الكاملة وهو على قيد الحياة أن يعبر عن إرادته في التبرع بأعضائه أو عدمه. لكن ما يثير الاستغراب حقا هو مضامين المادة 15 من نفس القانون السابق والتي تنص على ما يلي : "يعبر كل شخص يريد وهو على قيد الحياة أن يعترض على أخذ عضو من أعضائه بعد مماته عن رفضه الأخذ بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل إقامته أو القاضي المعين لهذا الغرض..."، وبمفهوم المخالفة سنفهم بأن كل مواطن لم يعترض في حياته على التبرع بأعضائه فسيكون مصير جسده التبرع عملا بقاعدة "السكوت علامة الرضى" ، وبالتالي يبدو أن هذه المادة القانونية تؤكد بأن الأصل هو أن جميع المواطنين الهالكين ستتبرع الدولة بأجسادهم ، وأن كل شخص هو على قيد الحياة يرفض التبرع بأعضائه عند موته ينبغي عليه أن يسارع في حياته من أجل استصدار كل الوثائق اللازمة والرسمية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه كان يرفض عندما كان حيا يرزق التبرع بأعضائه ، وقد قد يقول قائل إن الساكت لا رأي له ، أو أنه لا يمكن أن نقر برضاه بالواقعة إلا من خلال قرائن واضحة تؤكد قبوله التبرع بأعضائه فنجيبه بقولنا : "إن من يقول بهذا يؤكد قساوة القانون الذي يريد التبرع بأعضاء مواطن سكت إلى الأبد ولقي ربه دون نعرف هل كان قيد حياته يريد التبرع بأعضائه أم لا ؟ !!!" وهذا الأمر في غاية الخطورة ، ولا ينم عن احترام إرادة الإنسان ، بمعنى أنه ومن خلال الثغرات الموجودة في المادة 15 السالفة الذكر ، يمكن للدولة التبرع بأعضاء المواطن الهالك بحجة أن المتوفى لم يكن يقظا في حياته ولم يكن محتاطا بما فيه الكفاية ونسي أن يستصدر الوثائق الرسمية اللازمة التي تؤكد رفضه المطلق للتبرع بأعضائه عند وفاته. هذا ويواصل القانون 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها في مادته 16 عدم احترامه لإرادة المواطن وتأكيده على أن إرادة هذا الأخير لا يعتد بها فهي مجرد أمر شكلي يبقى حبرا على ورق ومسطرا في النصوص القانونية فقط ، ومما ورد في هذه المادة ما يلي : "يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع، في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة إلا في حالة اعتراض الزوج وإلا فالأصول وإلا فالفروع" : بمعنى أن هذا الأمر يعتبر تأكيدا بأن من لم يصرح خلال حياته بموافقته التبرع بأعضائه ، فسيتم التبرع بها رغما عن أنفه ، خصوصا – إذا كان مقطوعا من شجرة – فلا زوج له ولا أصول ولا فروع ، وذلك على وجه السرعة حتى لا تفقد الأعضاء طراوتها وحيويتها ، وحتى إن كانت له عائلة فلا أظن بأن هناك إنسانا له الجرأة والشجاعة ليصرح بقبوله التبرع بجسد عزيز من أعزائه في وقت وظرف يعتصر فيه قلبه ألما على فراقه ، وفي وقت تعطل فيه كل تفكيره من هول المصاب الجلل الذي ألم بالعائلة. ومما يثير الأسف أيضا ما ورد في المادة 18 من نفس القانون السالف الذكر والتي تؤكد بأن المواطن المريض بمجرد دخوله إلى المستشفى فإن إدارته ستساومه على جسده هل يريد التبرع به أم لا ؟ وتحاول جاهدة انتزاع تصريح منه بذلك ، مما يطرح معه إشكال صحة التصريح الصادر من المريض مرض الموت هل يعتد به أم لا ؟ بالنظر إلى الحالة الصحية المتدهورة للمريض والتي لا شك أنها ستؤثر على قدراته العقلية ، هذا من جهة ومن جهة ثانية ألا يعد الطبيب مسؤولا عن التدهور النفسي والصحي للمريض من جراء تحسيسه بأنه سيفارق الحياة وسيتبرع بأعضائه ؟؟؟ فلاشك أن هذا الأمر الجلل سينزل عليه كالصاعقة ، فلا أحد في هذا الكون يحب الموت ، ولا أحد يحب أن يفهم من الطبيب المعالج بأن أجله قد اقترب فلاشك أن البعض من هؤلاء المرضى سيموت من حسرته وألمه ، وقد يصاب بسكتة قلبية مفاجئة ، فمساومة إنسان على جسده وهو على قيد الحياة خطير جدا ، فعوض أن يحفز الطبيب المريض ويرفع من معنوياته سنجده يجعلها في الحضيض ، وهذا يتنافى مطلقا مع شرف ونبل مهنة الطب. وتواصل المادة 19 من نفس القانون السابق الجهد الجهيد من أجل انتزاع تصريح بالتبرع بالأعضاء من المواطن الهالك المنتظر أو أسرته ، وتطالب المادة المذكورة الطبيب بأن : "....يبذل جهده للحصول عليها ....". ومن هنا نتساءل : هل الطبيب مطالب ببذل الجهد الجهيد لإنقاذ المريض والعناية به إلى آخر رمق في حياته ؟؟؟ أم أنه مطالب بانتزاع تصريح منه للموافقة على التبرع بأعضائه !!!!!! أكيد أن لكل إنسان أجلا محتوما ولو اجتمع على علاجه أطباء العالم بأسره ، ولكن إنسانية الطبيب ونبله وتفانيه في علاج المريض إلى آخر لحظة في حياته أمر مطلوب وواجب محتوم ، فأي طبيب هذا الذي ينسى مواساة الأقارب في فقيدهم ويطلب منهم أن يسارعوا إلى توقيع وثائق رسمية تؤكد قبولهم بالتبرع بجسد فقيدهم العزيز ، أين هي الرحمة ؟ أين هي الإنسانية ؟ أين هي كرامة الميت ؟ !!! وبالرجوع إلى الباب الرابع من القانون 16.98 وبالضبط المواد 27/28/29 نجد عنوانا مستفزا وهو : " استيراد الأعضاء البشرية وتصديرها"، والذي قد يفهم البعض منه بأننا أمام شركة تجارية مخصصة لاستيراد الأعضاء البشرية وتصديرها . وبغض النظر عن زاوية فهم وتفسير هذا العنوان ، لابد أن نؤكد بأن باب التصدير موجود والثغرة القانونية موجودة إذن ، والمدخل الشيطاني للتلاعب بأعضاء المواطنين المتبرعين وجثثهم موجود أيضا . إذن من كل ما سبق ونظرا للثغرات الموجودة في فصول هذا القانون سيكون هناك احتمال كبير لازدهار تصدير الأعضاء البشرية ببلادنا ، وستصبح - لا قدر الله - قضية التبرع بالأعضاء تجارة قائمة بذاتها رغم أنف الجميع في زمان كثر فيه الغش والخداع وتزوير الشواهد والحقائق والمتاجرة بالدماء المتبرع بها ....فكيف لا تتم المتاجرة بالأعضاء البشرية أيضا ؟؟ !!!!!وهذا اعتداء صارخ وتبخيس وتحقير للكرامة البشرية وتحويل جثة الإنسان إلى سلعة يتاجر بها وتجنى من ورائها الأرباح الطائلة. إن الخوف كل الخوف من أن يتحول جلب ) المصلحة ( التي ينادي بها القانون 16.98 إلى مفسدة أعظم و يستغل عديموا الضمير الثغرات القانونية الموجودة في هذا القانون من أجل تحويل قضية التبرع بالأعضاء البشرية إلى تجارة قائمة بذاتها تجعل جثث المواطنين تباع بالتقسيط بالداخل والخارج !!!!!!! *مدير مجلة الفقه والقانون [email protected]