أكد محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، أن "المشرع المغربي شعر بخطورة الجريمة الإلكترونية منذ بداية الألفية الثانية، فتبنى القانون الجنائي بابا خاصا بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات منذ سنة 2003؛ لأن سرعة تطور تكنولوجيا المعلومات أدت إلى شيوع استعمال هذه الوسيلة في ارتكاب جرائم متعددة ومختلفة يمتد أثرها خارج الحدود". وزاد عبد النباوي قائلا: "ولأن للدولة المغربية سياسة استباقية، ترمي إلى الانخراط في المجهودات الدولية لمنع الجريمة، ومن منطق إرادتها الراسخة لتقوية التعاون الدولي من أجل ذلك، وتطوير ترسانتها القانونية، وملاءمة قوانينها مع أحدث التشريعات العالمية، صادقت المملكة على اتفاقية بودابست حول الجريمة المعلوماتية، التي تم إيداع وثائقها لدى أمانة مجلس أوروبا بتاريخ 29 يونيو 2018 ليبدأ العد العكسي لدخولها حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من ذلك". وتابع الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة كلمته أمام ممثل مجلس أوروبا بالمغرب والقضاة وضباط الشرطة القضائية وخبراء مغاربة وأجانب، قائلا: "ووفقا للدستور المغربي الذي يمنح السمو للاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية فور المصادقة عليها، فإن هذه الاتفاقية قد أصبحت منذ تاريخ فاتح أكتوبر 2018 جزءا من القانون الوطني، وأن السلطات ملزمة بتطبيقها اعتبارا للمنصوص عليه في تصدير الدستور بشأن سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، وكذلك عملاً بالمقتضى الوارد في المادة 713 من قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بالمقتضيات المنظمة للتعاون القضائي الدولي". وأضاف المسؤول الأول عن النيابة العامة، في كلمته بالجلسة الافتتاحية ليوم دراسي نظم اليوم الاثنين بمراكش حول "إجراءات التعاون الدولي وفقا لأحكام اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية"، أن مستعملي الأنترنيت المغاربة أنفسهم معنيون بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات؛ غير أن حوالي 76% من الأفراد لا يقومون بحماية أنفسهم ضد مخاطر الأنترنيت، لعدم علمهم بالأدوات المتوفرة لهذا الغرض، حسب ما أكدته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بالمغرب. "وعيا بضرورة توفير الأمن الرقمي، انخرط المغرب في الدينامية العالمية الرامية إلى حماية نظم المعالجة الآلية للمعطيات، بوضع إستراتيجية المغرب الرقمي، التي أسهمت في توفير سبل تنمية الاقتصاد الرقمي ببلادنا وتسهيل ولوج الأفراد إلى تكنولوجيا المعلومات؛ وإرساء إطار مؤسساتي وقانوني حديث وفعال لمواجهة مخاطر الجريمة المعلوماتية، من خلال بناء منظومة قانونية متكاملة توازن بين تحقيقِ هدف المغرب الرقمي وتوسيعِ نطاق المعاملات الإلكترونية، وبين تحقيق الأمن المعلوماتي وزجر كل الممارسات التي تهدد سلامة الأنظمة المعلوماتية"، وفق رئيس النيابة العامة ذاته. وزاد عبد النباوي موضحا هذه المنظومة القانونية: "لقد تم سن قوانين حول التبادل الإلكتروني للمعطيات، من أجل تنظيم آليات التشفير والتوقيع الإلكتروني وتحديد القيمة القانونية للوثائق والالتزامات الإلكترونية. ومن أجل توفير الحماية للمعطيات ذات الطابع الشخصي، حدد القانون هذا المفهوم، ودعم الأحكام الخاصة بحمايته بجزاءات مناسبة، هذا فضلا عن الأحكام القانونية ذات الصلة بالبريد والمواصلات وتحديد التزامات متعهدي الشبكة العامة للمواصلات. وأدرجت حماية المستهلك الرقمي ضمن أحكام قانون حماية المستهلك، وتم تأييد هذه الأحكام بقواعد إجرائية وبنصوص للتجريم والعقاب تشمل مختلف صور الجريمة المعلوماتية". ولم يفت الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة أن يذكر بأهداف هذه الاتفاقية، ملاءمة القانون الجنائي الداخلي مع أحكامها الموضوعية، وقانون المسطرة الجنائية مع أحكام الاتفاقية الإجرائية، ووضع نظام سريع وفعال للتعاون الدولي، وهي المقتضيات التي يتعين على المشرع الانكباب عليها من أجل ملاءمة القانون الداخلي مع أحكام الاتفاقية في الجوانب التي تحتاج إلى الملاءمة. وأشار عبد النباوي إلى أن "النيابة العامة، وفي إطار تنفيذها للسياسة الجنائية، مطالبة بالحرص على تحقيق الردع العام والخاص، لتحقيق الأمن المعلوماتي وحماية أمان المعاملات الإلكترونية، والحياة الخاصة للأفراد، في حرص تام على تحقيق التوازن بين ردع الجريمة المعلوماتية واحترام الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وعلى رأسها الحق في المعلومة وحرية التعبير والرأي". وختم الوكيل العام للمملكة بالإشارة إلى أن "الجميع مطالب بمواصلة تطوير الآليات الكفيلة بمكافحته، عبر دعم التكوين المتخصص وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة وملاءمة التشريعات مع مستجدات الجريمة المعلوماتية، سواء في الشق الموضوعي أم في الشق الإجرائي، وتقديم أجوبة قانونية ملائمة لما يطرحه الإجرام المعلوماتي والدليل الرقمي من إشكالات وصعوبات تقنية وقانونية، ومن أجل ذلك نظمت هذه التظاهرة العلمية"، على حد قول عبد النباوي.