نصف قرن مضى عن خريف فرنسا سنة 1968، وها هي اليوم مهد ثورة 1789 تعيش ربيعها ونحن على مشارف نهاية سنة 2018. خريف فرنسا لسنة 1968 اهتزت له في الواقع مجموعة من البلدان في العالم، وانفجرت موجة من الأمل في المستقبل لدى الشباب؛ ففي الفيتنام انتفض الفلاحون في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي التاريخ نفسه، ثار السود الأمريكيون اعتراضًا على مصرع مارتن لوثر كينج. وفي السنة نفسها، دخلت الدبابات الروسية براج، بينما كان الطلبة في وارسو يمارسون أعمال عنف واسعة ضد الحكومة البولندية، وقامت الحكومة المكسيكية بقتل أكثر من مائة متظاهر لتوفر ظروفًا مناسبة لتنظيم الدورة الأولمبية. وفي البرازيل، تفجرت أول احتجاجات شعبية ضد الحكومة العسكرية، وشهدت الأرجنتين صعودًا واسعًا في الحركة الجماهيرية في أوساط الطلبة والعمال. وفي العام نفسه، شن فدائيون فلسطينيون من "فتح" أول عملية عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في معركة الكرامة. وفيها أيضًا كانت المظاهرات الطلابية في ذلك العام أول احتجاج جماهيري واسع ضد النظام العسكري الحاكم. والأهم من كل ما سبق هو أن العالم شهد في 1968 أكبر إضراب عمالي عام في التاريخ، حدث هذا في فرنسا وأدى إلى شل حكومتها تمامًا. واليوم، ونحن على مشارف نهاية سنة 2018، تشهد فرنسا موجة غضب شعبي أسفرت عن احتجاجات واسعة النطاق امتدت من المدن حتى القرى الصغيرة في الأرياف، اعتراضا على غلاء المعيشة وزيادة الضرائب، وانطلقت مسيرات حركة "السترات الصفراء" لتعتبر رمزا لاحتجاج السائقين على ارتفاع أسعار الوقود. والشرارة الأولى للاحتجاجات انطلقت بسبب تراجع القدرة الشرائية، مما دفع الحكومة الفرنسية إلى الإعلان عن تدابير اقتصادية، قبل ثلاثة أيام من المظاهرات التي قررتها حركة "السترات الصفراء"؛ لكن هذه التدابير انصبت على الزيادة في الضرائب على الوقود، والتي اعتبرت أحد أبرز أسباب الاستياء الشعبي؛ وهو ما دفع حركة "السترات الصفراء" إلى الدعوة إلى إغلاق الطرق السريعة واحتلال الساحات والفضاءات العمومية في باريس العاصمة وغيرها من المدن الفرنسية والدخول في مواجهات عنيفة مع رجال الشرطة احتجاجا على الإجراءات الحكومية اللاشعبية والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة صعوبة الأوضاع المعيشية. فهل، فعلا، سيرفع الشعب الفرنسي شعار "ارحل"/ (DEGAGE) في وجه الرئيس الفرنسي ليسقط النظام الفرنسي أم أن هذا النظام سيعتبر ما يتعرض له اليوم مجرد مؤامرة؟