ليت أيام الزمن الجميل تعود، زمن كان فيه كل شيء له طعم، زمن كانت فيه الأسرة تجتمع وتتحدث وتتحاور، وأثناء الوجبات اليومية تجد الجميع جالسا في مكانه على الطاولة..زمن كان فيه الجيران يقدمون لنا الدعوة لنتناول معهم وجبة الغداء أو العشاء، والأمر نفسه نقوم به نحن. كانت منازلنا دائما أبوابها مفتوحة، فيأتي الجار وأبناؤه والعائلة وأبناؤها، وكان الأطفال يعيشون حياة طبيعية وواقعية، فتجدهم يلعبون بألعاب تقليدية وجميلة كانت سائدة آنذاك (حابة، قاشقاش، مالة...).. زمن كانت فيه البنت تستحي من آبائها وإخوانها وأبناء جيرانها، وتساعد أمها في كل أشغال البيت. زمن كان فيه الأبوان يقومان بدورهما الكامل، فالأب يعلم أبناءه علوم الدين ويدخلهم إلى المساجد لقراءة القران الكريم وإلى المدرسة، وفي الوقت نفسه يعلمهم الحرفة أو الصنعة التي يزاولها. وكان أبي أطال الله في عمره يقول لي "تعلم أولدي الصنعة راه لما غنات تستر". والأم بدورها تقوم بتربية أبنائها وبناتها وتعلمهم قواعد الطبخ والأشغال المنزلية. لكن اليوم، وأمام واقعنا المر، نجد أن الأسرة وصلت إلى حالة من التفكك والتباعد والعزلة الاجتماعية، نتيجة التطورات السريعة التي حدثت في المجتمع، وكانت الأسرة ضحيتها الأولى. تغير طعم الحياة في هذا الزمن، زمن التكنولوجيا والسرعة، فلم يعد ذلك التلاحم الذي كان سائدا في أيام الزمن الجميل، ولم تعد العائلات تتبادل الزيارات، إلى أن وصل الأمر إلى أن بعض الأسر لا يعرف أولادها من هم أبناء عمهم وأبناء خالتهم. ومن البديهي ألا يكون هذا التغيير ناتجا من عدم، فلابد من وجود أسباب ودوافع أدت إلى هذا التطور؛ وكانت الهواتف الذكية هي السبب الرئيسي في التطور السلبي للأسرة. الهواتف أثرت بشكل كبير على العلاقات الأسرية، فصار الآباء يعانون في صمت وعلى طول الوقت من العزلة، لأن غالبية أوقاتهم يقضونه لوحدهم في غياب ذلك الجو العائلي الذي تتبادل فيه الآراء وتعالج فيه مشاكل الأبناء. فكل واحد يجلس في مكان وأمامه هاتفه الذكي يتواصل مع أصدقائه ويضحك لوحده مع شاشة هاتفه. وفي لحظة غياب الأب تجد الأم جالسة لوحدها لا تجد مع من تتكلم، فتشاهد التلفاز أو تقوم ببعض أشغال المنزل أو تنام. وإذا دخلت إلى أي منزل تجد الأب يرى التلفاز، والأم منهمكة في المطبخ، والأبناء كل واحد في غرفته يعيش عالمه ويتجول عبر العالم بواسطة هاتفه الذكي. والبنت التي من المفروض أن تساعد أمها في المطبخ بدورها في عالم آخر رفقة هاتفها، وعندما تناديها أمها لمساعدتها لا تسمعها إلا بعد مناداتها مرات عدة، وتجيبها بأنها مريضة أو لها تمارين يجب أن تنجزها. وتشير الإحصائيات إلى أن المرأة أكثر إدمانا على الهواتف الذكية من الرجل. وتزداد نسبة الإصابة بهذا الإدمان في صفوف الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و25 عاما. وقد أكدت دراسة بريطانية أن 70 بالمائة من النساء يجدن الهواتف الذكية أهم من أزواجهن. واللحظة الصعبة هي أثناء الوجبات اليومية، فتجد الأم أطال الله في عمرها تنادي على أبنائها، لكن لا أحد يسمعها، فتطلب من الأب أو أحد أفراد الأسرة الاتصال بهم في هواتفهم من أجل تناول وجبة الغداء أو العشاء. هذه ظاهرة تجدها في جميع الأسر المغربية؛ الاتصال إو إرسال رسائل نصية قصيرة (هبط تعشا أو أجي تعشا). أمام هذا الوضع تجد بعض الآباء يجبرون أبناءهم على الجلوس معهم وتبادل الحديث في ما بينهم، وترك الهواتف الذكية جانبا. حتى لا نكون أنانيين فلا يمكن أن ننكر مزايا الهواتف الذكية، لكن يجب استغلالها في إيجابياتها والابتعاد عن سلبياتها؛ وذلك بغية استرجاع ذلك الجو العائلي الذي يتواصل ويتحاور فيه الجميع (الصغير والكبير)؛ وبالتالي الرجوع إلى الزمن الجميل.