بالموازاة مع وضع لوائح الاستقالة الجماعية لدى المديريات الجهوية للصحة، استْغنى أطباء المملكة مُؤقتاً عن البذلة الرسمية المعتادة المعروفة بلونها الأبيض، حيثُ سادَ السَّواد في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية، تنفيذاً لدعوة النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام إلى جعل اليوم الأربعاء 28 نونبر الجاري "يوم حداد احتجاجاً على وضعية أصحاب البذلة البيضاء". وعلى غير العادة، استقبلَ الأطباء المداومُون صباح اليوم بمستشفى مولاي عبد الله بمدينة سلا المواطنين وهم يرتدون لباساً أسود أثار الفضولُ، بينما التأم عشرات الأطباء في وقفة احتجاجية أمام بوابة المستشفى، استنكرَوا من خلالها ما أضحَى يكابدُه الطبيب من معاناة ومشاكل "أوصلتْ القطاع إلى مرحلة السكتة القلبية". وفي مدنِ وجدة وفاس وطنجة وتمارة ومراكش وتطوان، توشَّحت المستشفيات الاقليمية بالسواد بعدما قرّر أطباء القطاع العام الاستجابة إلى النداء الذي أطلقته النقابة المستقلة، احتجاجاً على رداءة "القطاع الذي يعيشُ على وقع أزمة هيكلية أوصلته إلى مرحلة السكتة القلبية، فصار لا يستجيبُ لتطلعات المواطنين ويعاني أعطاباً واختلالات بنوية عميقة ومزمنة". ويرفضُ المحتجون "التهييج الذي تقوم به الحكومة تجاه القطاع الصحي عوض الانكباب على تنزيل حلول عملية لإخراج المنظومة الصحية من قاعة الإنعاش وإنقاذها من السكتة القلبية"، مؤكدين أن "علاج الأعطاب المزمنة للقطاع مشروط بالحكامة الجيدة والتمويل الكافي والمستدام للمؤسسات الصحية ولأنظمة التغطية الصحية". عبد القادر الزرهوني، عضو اللجنة الإدارية للنقابة المستقلة لأطباء قطاع العام، قال إن "الشكل الرَّمزي الذي نظمه الأطباء المغاربة يأتي بعد سلسلة من الوقفات الاحتجاجية ضدَّ تهاون الحكومة في الاستجابة لمطالبنا المشروعة التي صادقت عليها وزارة الصحة في آخر اجتماع رسمي معها"، مضيفاً أن "الطبيب يريدُ تحويل الرقم الاسْتِدلالي 509 كاملاً كمدخل للمُعادلةِ". وحول ظروف عمل الأطباء، أورد المسؤول النقابي أنها "كارثية وتفتقرُ إلى المهنية، خاصة في المستشفيات والمراكز الجامعية؛ فالمواطن غير راض على طريقة الاستقبال وطول المواعيد، بالإضافة إلى تردي البنية التحتية في العديد من المستشفيات والمؤسسات الصحية، وهي عبارة عن مبان قديمة متهالكة في كثير من الحالات". من جانب آخر، قالت مريم مصدقين، طبيبة بالمشفى الإقليمي بسلا عضو النقابة المستقلة لأطباء قطاع العام، إن "الوقفة الاحتجاجية تدخل ضمن مسلسل نضالات النقابة ضدَّ تعنت الحكومة التي لا تريدُ الاستجابة لمطالبنا المتعلقة بحماية كرامة الطبيب وتحسين ظروف العمل، بالإضافة إلى تخويل الرقم الاستدلالي المؤشر 509، كمدخل لمعادلة شهادة الدكتوراه في الطب مع الدكتوراه الوطنية، وإحداث درجتين فوق درجة خارج الإطار". واعتبرت الطبيبة، التي قضتْ أزيد من 27 سنة في المصالح الاستشفائية، أن "مطالب الأطباء جد مشروعة؛ بالنظر إلى الخصاص الكبير الذي يعرفه القطاع"، مشيرة إلى أن "الوضعية كارثية ولا تبشر بالخير نظراً إلى الضغط الذي يشتغلُ فيه الطبيب"، قبل أن تلفت إلى أن "الأطباء سيستمرون في نضالاتهم حتى تحقيق المطالب". وتنتقدُ النقابة الوطنية ما اعتبرته "استمرار صمت الحكومة المغربية أمام دعوات الجسم الطبي العمومي بكافة أطيافه لتدخلها العاجل لإنقاذ قطاع الصحة الذي أصبح مصدراً للتوترات الاجتماعية والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للأطباء، التي أهملت لسنوات طويلة". وقررت النقابة عقد لقاءات متعددة مع الفرق البرلمانية والجمعيات الحقوقية بسبب "غياب أي استجابة حكومية للملف المطلبي"، مشددة على مقاطعة حملة الصحة المدرسية ل "غياب الحد الأدنى من المعايير الطبية والإدارية"، ثم استمرار مقاطعة جميع الأعمال الإدارية غير الطبية، فضلا عن ضرورة إجراء بحث ميداني حول رغبة الأطباء في الهجرة الجماعية. وطلبت النقابة ذاتها توضيحات من وزارة الصحة بخصوص مصادر الأرقام التي تستعملها في الإحصائيات، رغم مقاطعة الغالبية الساحقة للأطباء للتقارير الدورية والسجلات، نتيجة "الوضعية الكارثية للمستشفيات الصحية، التي تعاني من الخصاص الحاد في الأطر الطبية ونقص المعدات البيوطبية"، مستغربة تحميل الطبيب مسؤولية تردي خدمات المؤسسات الصحية.