سبق لي أن نشرت مقالا يحمل عنوان "الأمن والأخلاق: أية علاقة؟"، ومن أهم الأمور التي تناولتها فيه أهمية الأخلاق داخل العمل الأمني من خلال التحلي بأخلاقيات المهنة واحترامها. لكن ما نراه اليوم مؤسف جدا، إذ تداول بعض موظفي الأمن عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وهم يرتدون الزي الرسمي، يعبرون عن بعض التظلمات التي يعانون منها، بدون احترام لأخلاقيات المهنة المتمثلة أساسا في واجب التحفظ وضمان السر المهني، وبالتالي فهي تشكل في عموميتها إخلالا مهنيا لكونها تمس الوظيفة الشرطية وتخل بسمعتها. المديرية العامة الأمن الوطني تسعى دائما إلى الارتقاء بالعمل الشرطي والعمل على تحسين صورتها بانفتاحها على محيطها الخارجي، بغية الوصول إلى أرقى الممارسات المهنية والإنسانية في التعامل مع المواطنين والحفاظ على أمنهم وحماية ممتلكاتهم، بما يتماشى ومقتضيات العصرنة، في ظل تطبيق القانون وأخلاقيات المهنة. لا بأس أن نعرف ما معنى أخلاقيات المهنة، فهي كل السلوكيات والمواصفات والمواقف والقيم الأخلاقية والمعرفية التي يجب أن يتحلّى بها رجل الأمن أثناء مزاولة مهامه وخارج أوقات عمله. وتتمثل هذه الأخلاقيات في التحلي بالأخلاق النبيلة، والاستجابة لنداء الواجب والعمل بنجاعة وفعالية في مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة، وحفظ النظام، وحماية أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، والإخلاص لمقدسات البلاد، وكذا التحلي بالضمير المهني الذي أساسه الأخلاق، والالتزام بكتمان السر المهني الذي يعتبر واجبا أخلاقيا وقانونيا، والحفاظ على شرف المهنة وسمعتها وتفعيل دورها الإشعاعي بالمساهمة في الرفع من أداء المرفق العام. وهذا ما نصت عليه المادة 14 (ظهير شريف رقم 213-09-1 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير2010) يتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني ، ج.ر، بتاريخ 1 مارس 2010) "الامتناع عن ممارسة أي عمل أو تصرف أو سلوك من شأنه المس بوقار الوظيفة أو الإخلال بسمعتها". وباستقرائنا للمادة أعلاه يتضح لنا بجلاء أن الشرطي يمنع عليه القيام بجميع الأعمال أو التصرفات أو السلوكات التي من شأنها المس بوقار المهنة أو الإخلال بسمعتها، كما شاهدنا في فيديوهات الشرطيين المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. فطبيعة مهنة الشرطة تمنع مثل هاته التصرفات، إذ إن هناك إجراءات إدارية يمكن للشرطي اتباعها حتى يصل إلى مبتغاه، دون تشويه سمعة مؤسسة يشهد لها الجميع بالدور الريادي الذي تقوم به في حماية الوطن والمواطنين. وتماشيا مع ما هو مسود في المواثيق الدولية، ومع التطور الذي يعرفه المغرب على جميع المستويات، بادرت المديرية العامة للأمن الوطني إلى إصدار مدونة قواعد سلوك موظفي الأمن الوطني كإطار لأخلاقيات المهنة الشرطية، التي من شأنها الارتقاء بمستوى الجودة، وتطوير الأداء الأمني، وخدمة المواطنين. وتعد مدونة قواعد سلوك موظفي الأمن الوطني إطارا عاما يجب على رجال الأمن التقيد به والعمل بمقتضاه؛ فهي مدونة تلقي الضوء على المعايير والأخلاق والقيم التي يجب أن يتحلى بها الشرطي أثناء أداء واجباته من جهة، ومن جهة ثانية فهي قواعد ستسهم لا محالة على نحو فاعل في الارتقاء بمستوى جودة المرفق الأمني والرقي به. وتهدف هذه المدونة بالأساس إلى نشر القيم والمبادئ والأخلاق المهنية لدى رجال الشرطة وتعزيزها والالتزام بها. وأمام هذه التظلمات التي يعاني منها هؤلاء أعطى السيد المدير العام للأمن الوطني تعليماته لكافة الأميين، سواء على مستوى المركزي واللامركزي، من أجل الاهتمام بقضايا ومشاكل الموظفين وإعطاء عناية مهمة لطلباتهم وملتمساتهم وتظلماتهم، كما يحثهم على وجوب تفعيل وتبسيط آليات التظلم الإداري، وتسريع آجال البت في مختلف الطلبات الإدارية، مع الحرص على إجراء الأبحاث الضرورية في كافة التظلمات الصادرة عن الموظفين. وذكر بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني أن جميع التظلمات الصادرة عن موظفي الشرطة تخضع لأبحاث وتحقيقات معمقة، لتحديد المسؤوليات بشكل دقيق، غير أن التظلمات التي يثبت أنها تتضمن اتهامات زائفة أو مغلوطة فإنها ستخضع للمساطر القضائية والتدابير التأديبية المقررة قانونا. وبما أن المديرية العامة للأمن الوطني عليها واجبات تجاه موظفيها من خلال الاهتمام بهم وبمشاكلهم، فحتى على موظفي الأمن واجبات بالالتزام بمبادئ الانضباط الوظيفي وضمان احترام السر المهني والتقيد بواجب التحفظ. *باحث في سلك الماستر