"أتحدر من ضواحي بولمان حيث تربيت وسط أسرة قروية فقيرة. كانت فرحتي عارمة بعد أن تقدم لخطبتي، قبل عشر سنوات، شاب من إيموزار كندر، تزوجته على سنة الله ورسوله، وانتقلت للعيش معه إلى هذه المدينة، وأملي أن أكون أسرة وأعيش في كنف زوجي حياة سعيدة، قبل أن ترميني الأقدار إلى هذا الكهف الذي آويت إليه منذ شهرين". هكذا لخصت زهرة أفقير قصتها التي حكتها لهسبريس داخل الكهف، الذي تقيم فيه بحي المشاشة وسط عاصمة التفاح، رفقة أبنائها الثلاثة: فاطمة الزهراء (11 سنة)، وكريم (9 سنوات)، وآية ذات السنتين والنصف. الحاجَة في الخلاء "لقد تبخرت كل أحلامي بعد أن وجدت نفسي أعيش وسط دوامة من المشاكل الزوجية؛ فزوجي كان يرفض البحث عن عمل، كما أن أسرته كانت تعاملني بقسوة"، تقول زهرة أفقير (32 سنة)، مضيفة: "رغم المشاكل والفقر فقد تقبلت العيش وسط هذه الظروف، وبادرت إلى البحث عن عمل في الحقول لمساعدة زوجي على تحمل تكاليف الحياة، لكن ذلك لم يزده إلا عنادا؛ طلقني فوجدت نفسي أعيش مع أطفالي في هذا الكهف المخيف". أفرشة وأغطية متسخة ومبللة، وأوان متواضعة هنا وهناك، ورائحة الرطوبة تخنق المكان. هذا هو حال الكهف، الذي يؤوي زهرة وأطفالها الثلاثة، وهي أينما تحركت داخل هذا الجحر يمسك بيديها وبتلابيبها ولداها الصغيران كريم وآية، فيما تفضل فاطمة الزهراء، الابنة البكر التي تتابع دراستها بالمستوى الرابع ابتدائي، البقاء واقفة بباب الكهف هاربة من هذا "البيت" الذي يكسوه الفقر، متطلعة إلى عالم أرحب وأرحم. "تزوجت وأنا ابنة 22 سنة من العمر قبل أن يفاجئني زوجي برفع دعوى الطلاق منه، فما كان علي سوى الاعتماد على نفسي والبحث عن بيت أعيش فيه مع أبنائي. استعطفت الناس فلم أجد إلا صاحبة هذا الكهف التي رأفت بحالي وسمحت لي بالعيش فيه"، تروي أفقير، التي صرحت لهسبريس أن الفقر الذي تتخبط فيه لا يسمح لها بإيجار بيت يحفظ كرامتها. "جاري هو من وفر لي هذا المصباح للإنارة، بينما أضطر إلى التنقل بعيدا لجلب الماء من العين"، تضيف زهرة، التي تابعت سرد معاناتها قائلة: "لا يوجد مرحاض داخل الكهف. نقضي حاجتنا في الخلاء، ويضطر أبنائي، لأجل ذلك، إلى التنقل إلى الحقول تحت قساوة البرد الشديد. إنهم يعانون كثيرا". العيش مع القوارض ووفق ما أوضحته الأم زهرة، فقد اختارت العيش في هذا الكهف بعد أن تعذر عليها العودة للإقامة مع أسرتها الموجودة ببولمان بسبب معاناة والديها من الفقر، وعدم قدرتهما على التكفل بها وبأبنائها الثلاثة، مبرزة أن طليقها تنكر لواجبه بالنفقة على أبنائه الذين يعانون، زيادة على التفكك الأسري، من البرد وتسرب المياه من سقف وجدران الكهف، والخوف من القوارض التي تهاجم المكان ليلا. "مؤخرا، استفاق ابني صارخا مذعورا، وعندما أنرت المصباح، اكتشفت أنه تعرض لعضة جرذ كبير على مستوى وجنته"، تحكي الأم زهرة، التي تعاني وعائلتها من القوارض، مشيرة إلى أثر أنياب ذلك القارض، الذي لا يزال على وجه صغيرها، الذي رغم تعرضه لهذا المكروه، لم تحمله إلى المستشفى لقلة حيلتها وقصر يدها، وهي التي أكدت أن أبناءها يعانون، إضافة إلى هجوم القوارض، من الحساسية باستمرار بسبب الرطوبة العالية والروائح الكريهة التي تسيطر على الكهف. وإذا كانت زهرة بالكاد تحصل على طعام لأبنائها من بيع "البقولة"، التي تجمعها من حقول التفاح الموجودة بهوامش مدينة إيموزار كندر ودعم بعض المحسنين، فإن ظروفها الاجتماعية القاسية فرضت عليها إيقاف متابعة ابنها كريم لدراسته الابتدائية، فيما كانت ابنتها فاطمة الزهراء أكثر حظا منه، حيث ما زالت تواصل تعليمها بفضل تكفل أحد المحسنين بتوفير ما تحتاجه من مستلزمات دراسية عند الدخول المدرسي. "الكتب والأدوات المدرسية غالية جدا، لا يمكنني توفيرها لأبنائي الذين لا أريد أن أحرمهم من حقهم في متابعة دراستهم"، تقول الأم زهرة، مشيرة إلى أن ابنتها فاطمة الزهراء، التي تحلم بأن تصبح طبيبة، وعدتها بأن توفر لها بيتا جميلا، إذا ما تحقق مرادها، ينسيها آلامها ومعاناتها داخل هذا الكهف الذي تعيش رعبا متواصلا بداخله خوفا من انهياره في أي لحظة. للتواصل مع الأم زهرة أفقير، رقم هاتفها الشخصي هو: 0642112141