اتهم الكاتب والخبير الإعلامي ناصر الجيلاني بعض وسائل الإعلام العربية بدعم تنظيمات وجماعات إرهابية، وقال إن "دولة قطر، عبر ذراعها الإعلامي قناة "الجزيرة"، تعمل منذ سنوات على إشاعة الفوضى بالمنطقة في إطار ما يسمى ب"الفوضى الخلاقة". وأوضح الخبير المصري، الذي يشغل رئيس دعم العلاقات الأوروبية العربية، أن تغذية الإرهاب والتطرف يكمن من خلال بث مواد إعلامية تعمق الإحساس بالغضب لدى المواطن العربي، وتهدف إلى تفجير وتأجيج الصراعات الإثنية والدينية والمذهبية ودعم الحركات الانفصالية من بينها جبهة "البوليساريو"، حيث يتم تقديم هذه الوصفات الإعلامية في أقنعة الدفاع عن حقوق الإنسان. وأضاف الجيلاني أن قناة "الجزيرة" هي أول وسيلة إعلامية عربية قدمت إلى المتلقي العربي تنظيم القاعدة الإرهابي من خلال تسجيلات أسامة بلادن، التي كانت تبثها بين الفينة والأخرى. كما طبعت مع شخصيات إسرائيلية بحيث تعود المشاهد العربي على سماع وجهة نظر إسرائيلية في قضايا محسومة. جريدة هسبريس الإلكترونية التقت الباحث ناصر الجيلاني على هامش ندوة التهديدات الإرهابية والتحديات الأمنية في إفريقيا والشرق الأوسط التي عقدت بالرباط، وأجرت معه الحوار التالي: كيف تقرأ خريطة وسائل الإعلام الموجهة إلى المتلقي العربي؟ بداية، أحب أن أوضح أن العالم العربي اليوم أصبح في بؤرة الصراع الجيواستراتيجي العالمي. وبالتالي، فإن وجود المنطقة العربية في قلب هذا الصراع فرض نوعا من التكالب من قوى عالمية تستهدف المنطقة، وخصوصا منذ دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى العراق، ليتحول بعد ذلك الأمر إلى صراع أكبر بتدخل روسياوالصين. ونتيجة لهذا التركيز العالمي على المنطقة العربية، بات الإعلام يمثل جزءا أساسيا من الصراع والحرب. يكفي أن نقوم بعملية إغراق إعلامي للطرف الآخر ونقوم بخلخلة الوضع الداخلي لديه وتفجيره وتصبح حينها الأهداف محققة، خصوصا مع تكالب القوى العالمية وقوة الإعلام الموجه. مثلا الصين افتتحت قنوات إعلامية بالعربية للتعامل مع المواطن العربي، وروسيا أيضا، وإيران وتركيا وأغلب الدول الأوربية لديها قنوات موجهة إلى العرب؛ وهو ما يجعل المواطن في تناقض بين المعطيات المقدمة إليه. أشرتم في مداخلتكم بالمغرب إلى وجود قنوات إعلامية تسهم في تغذية الإرهاب، كيف ذلك؟ لدينا اليوم قوة عالمية ترغب في إشاعة الفوضى بالمنطقة في إطار خطة ما يسمى ب"الفوضى الخلاقة"، وهذه القوة تحتاج إلى أدوات مساعدة ومن ضمن هذه الوسائل دول داعمة للإرهاب. نجد مثلاً قطر وتركيا، وهما من بين الدول التي لديها رغبة حقيقية في فرض أجندة إرهابية على المنطقة لأسباب متعددة ترتكز أساسا على خدمة المصالح الضيقة. في هذا الاتجاه، هناك قناة "الجزيرة"، التي تبنت خطا تحريريا واضحا هو الضغط على الدول العربية وإشاعة الفوضى داخل العقل العربي، وضرب فكرة القومية العربية، وضرب الاقتصاد الوطني، وتعميق الإحساس بالغضب لدى المواطن العربي، وتفجير وتأجيج الصراعات الإثنية والطائفية والدينية والمذهبية بين المواطنين العرب. وكل هذه الوسائل تقدم في قالب الدفاع عن حقوق الإنسان ولكن بأقنعة خادعة. والخلاصة هي أنه عندما يقع كل هذا الارتداد والتخلخل في العقل العربي تكون النتيجة الطبيعية هي نمو الجماعات المتطرفة والإرهابية. لكن أستاذ ناصر، هل تعتقد أن هذا التوجه الإعلامي تسيّره جهات دولية؟ لا أعتقد أن دولة قطر هي مستقلة القرار، لأنه ليس من المعقول أن تقوم بكل هذه الفوضى وتتركها القوى العالمية في شأنها.. بالتأكيد، هناك جهات دولية تقدم الدعم، ولا يمكن أن تسمح دول كبرى بدويلة لا يتعدى عدد سكانها حي في المغرب أو مصر بأن تحدث كل هذه الجلبة في المنطقة. تقارير سابقة اتهمت قطر بدعم الحركات الانفصالية، من ضمنها جبهة البوليساريو. هل تتفق مع هذه الادعاءات؟ المتتبع بشكل علمي لخط تحرير قناة "الجزيرة" سيجد أنها بقيت لمدة محدودة حوالي 10 إلى 15 سنوات تنتهز فرصة تكلس الخطاب الإعلامي بتقديمها خطابا إعلاميا مغايرا عن الموجود في العالم العربي كان يبدو متحررا ومتقدما للاستحواذ على العقل العربي وتعاطفه؛ لكن بعد ذلك قدمت خطابا مغايرا. أعود بكم هنا إلى بدايات ظهور تنظيم القاعدة لنتساءل معكم: من كان يطرح للمواطن العربي وينتظر التسجيلات القادمة من أسامة بلادن؟ من الذي كان يقدم شخصيات إسرائيلية على قناة عربية بحيث يتعود المشاهد العربي على سماع وجهة نظر إسرائيلية في قضايا محسومة؟.. فكرة تقديم الرأي والرأي الآخر كانت في الحقيقة فكرة لتقديم الرأي الآخر وليس الرأي والرأي الآخر. بعد هذا التحول، شرعت القناة في تبني القضايا الإرهابية عبر اختراع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتقديمها لخطابات تبدو إيجابية ودينية لكن في الحقيقة هي داعمة للإرهاب، وبالتالي ليس غريبا أن تتعاطف قناة "الجزيرة" مع جبهة "البوليساريو" الانفصالية. أعود بكم إلى أحداث سيدي إفني في المغرب بعد وقوع احتقان داخلي، خرجت القناة وقالت: "لقد تظاهرت أكثر من 50 مدينة عن بكرة أبيها ضد السلطة"، بالله عليكم هل هذا كلام واقعي؟، أذكر أن النيابة العامة في المغرب كانت قد حرّكت دعوى قضائية ضد مكتب قناة "الجزيرة" بالرباط، وهذه خطة متعمدة لهز الاستقرار في المنطقة. اليوم، هناك من يقول إن دور شبكات التواصل الاجتماعي بات أكثر تأثيراً في تغذية الإرهاب؟ في العشر سنوات الأخيرة، تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي وطرحت واقعا جديدا تماما في إطار ما يعرف بPost Truth، أي الحقيقة الموجودة على الإنترنيت. هذه الفكرة قائمة على توفر الشبكات للجميع بدون استثناء، حيث يمكن لأي شخص أن ينتج كلاما ملفقا وينشره على هذه الوسائل؛ لكن محدودية تأثير ذلك ستكون محصورة بين الأصدقاء إلا إذا تم استخدام المحتوى نفسه من قبل قوة مخططة ومدبرة تقوم بنشر الخرافات والتلفيقات عبر "السوشال ميديا". وهذا طبعا يحتاج إلى تمويل، بحيث يتم تكرار وتنشيط الخبر الملفق في كل مكان حتى يعمم في الفضاء الأزرق. هل تعتقد أن وسائل إعلام في العالم العربي مسؤولة اليوم عن انتشار التطرف الديني؟ المؤسسات الإعلامية في العالم العربي يجب أن يكون لها دور مختلف عن نظيرتها في الغرب. أعيش في إيطاليا وأعرف المجتمع الغربي كيف يعيش. هناك المدرسة تقوم بدورها كاملا في التوجيه الفكري ونقل المعطيات المتخصصة البيئية والصحية، أي أن الطفل يكتسب مناعة معرفية في مراحله الدراسية، خصوصا أن التعليم إجباري إلى غاية 18 سنة، ولا مكانة للأمية، كما أن المؤسسات الحزبية تقوم بدورها في التأطير ونشر الثقافة والوعي السياسي، وهناك أنشطة رياضية وترفيهية وخدمات متنوعة وافرة؛ لكن في المجتمع العربي لدينا مؤسسات ضعيفة لا تقوم بدورها.. والنتيجة أن الكثير من وسائل الإعلام العربية نتيجة ضعف التمويل والإمكانات فهي تستسهل إنتاج مواد ملفقة ليس وراءها القدر الكاف من الدقة، وتعتمد كليا على وكالات الأنباء العالمية والأمريكية، وهذا شيء خطير لأن القوة اليوم يمتلكها من يقوم بصناعة المعلومة. لكن اعتماد وسائل إعلام عربية على نظيرتها الغربية له علاقة بطبيعة منسوب الديمقراطية في هذه البلدان والحق في الوصول إلى المعلومات. يبدو ما تقوله شعارا جميلا، لكن هل فعلا المعلومات الواردة من وكالات الأنباء العالمية هي انعكاس لعمل ديمقراطي؟ هل تطرح أكثر من وجهة نظر في جميع أعمالها؟ الجهة التي تمول هذه المؤسسات من الطبيعي أن تتحكم في الرسالة الإعلامية كما أن الصورة التي تأتي من الغرب ليست تعبيرا عن عمل ديمقراطي دائما. بالنسبة إلى الحق في الوصول إلى المعطيات، أتفق معك لأنه فعلا لدينا إشكال في هذا المجال. شخصيا، لا أتفق مع مقولة العمل الإعلامي بمفهومه الديمقراطي، لا أجد ذلك مثاليا. الديمقراطية هي أفضل ما وصل إليه الإنسان، حتى اليوم؛ لكنها ليست عملا مكتملا، لأن التصويت بالأغلبية لا يعني اتخاذ القرار السليم. أنتم رئيس جمعية دعم العلاقات الأوروبية العربية. كيف تنظر إلى تطور العلاقات بين الجانبين؟ التفكير القديم الاستعماري له باع طويل في الأوساط الثقافية، وكما قال المفكر إدوارد سعيد هناك فعلا نظرة استشراقية تجاه الدول العربية؛ لكن اليوم لم يعد هذا المنطق صحيحا إلى حد كبير، لأن كثيرين باتوا يدركون القيم الحقيقية الإنسانية بغض النظر عن تسويق الإسلاموفوبيا أو مواضيع من هذا القبيل. الجيل الجديد في أوروبا ليست لديه قناعات مثل هذه، بل يعتبر نفسه جيلا عالميا معولما. إذن، العلاقات بين الدول العربية والأوروبية ليست بمعنى قوي وضعيف أو مستعمِر ومستعمَر. مثلا، هناك شركات دولية تعمل في قطاع النفط في الدول العربية، لكن هي أيضا في حاجة إلينا ونحن كذلك في إطار نوع من التعاون المتبادل. في نهاية حوارنا هذا، ما هو تعليقكم على مبادرة الملك محمد السادس تجاه الجزائر؟ أرى أن فكرة دعوة الملك إلى إقامة حوار مباشر بين المغرب والجزائر يجب أن يكون أساسها الدعوة إلى حوار وتعاون حقيقي بين الدول العربية. عندما أنظر باعتباري مواطنا عربيا إلى تجربة اتحاد المغرب العربي وأنظر باعتباري مواطنا أوروبيا إلى تجربة الاتحاد الأوربي يتملكني حزن شديد على هذا الواقع المتردي. كان من المفترض أن تكون تجربتنا تعاونية؛ لكن خلافاتنا للأسف غلبت على واقعنا. خطوة العرض المغربي لإيجاد آلية سياسية للتعاون والتنسيق مع الجزائر خطوة أولى ممتازة جدا ونتمنى أن يستجيب الطرف الجزائري إليها وتكلل بالمزيد من آليات التنسيق بين الدول العربية. أختم كلامي بالقول إن فكرة القومية العربية لم تمت، قد يتغير شكلها لكن المواطن العربي يشعر تجاه أخيه بالكثير من عناصر الأخوة والصداقة وإمكانية التعاون، وهو أكثر مما يربط الأمم الأوروبية ببعضها البعض. وبالتالي لا يجب أن نبقى على هذا الوضع والاختلاف في القرن الحادي والعشرين.