أسئلة على هامش الملتقى الأورو متوسطي للقادة الشباب احتضنت مدينة الصويرة بداية أكتوبر الجاري أشغال الدورة الرابعة للمنتدى الأورو-متوسطي للقادة الشباب الذي تنظمه السفارة الفرنسية بالمغرب لفائدة أكثر من 300 شاب وشابة من مختلف بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط الذين يشكل منهم الشباب المغربي الحصة الأكبر والعدد المهم، حيث يشكل هذا الحدث فرصة مهمة للتأمل ولاستحضار عدد من الأسئلة المهمة والاستفسارات الجوهرية التي تهمنا كشباب مغاربة على المستوىَ الداخلي، أي في العلاقة مع بضعنا البعض، ثم على المستوى الخارجي، أي في علاقتنا مع نظرائنا الشباب من مختلف بلدان البحر الأبيض المتوسط، الذين نملك معهم من المُشترك ما يجعلنا نلحّ على ضرورة الاستثمار في هاته الهوية المشتركة، هوية الجغرافيا، التي تعتبر مدخلاً مهما وعنصراً فقرياً في الدراسات التي تقوم عليها الشعوب من أجل تحديد مكامن القوى والنقص. في أفق تصميم النموذج الحضاري والتنموي المناسب لها. وقد ناقش المنتدىَ هاته السنة موضوعاً جوهرياً أعطى فيه كافة المتدخلين-مشكورين-الوقت الكافي لتحليله ومناقشته من مختلف التفاصيل وزوايا الرؤى، حيث إنه موضوع يبدو بشكل سطحي ترفاً فكرياً أو نقاشاً ثانويا، لكنه في الحقيقة يشكل أساسا لدراسة تحركات الشعوب الجماعية والحضارية عبر الزمان والمكان، وهو إشكال النّقل --La Transmission حيث تطرقت أغلب فقرات المنتدىَ الفكرية من موائد مستديرة وورشات وندوات إلى مختلف تفاصيله: نقل المعلومة - نقل المعرفة - نقل النص الديني - نقل الرغبة في النجاح والالتزام بالفكرة والمشروع ... وبالتماهي مع ذلك، ينبغي أن نطرح سؤالا كبيرا يهمنا على المستوى الداخلي كشباب مغاربة: كيف استطاع شباب الأمس أن ينقلوا مشروعهم المجتمعي إلى شباب اليوم؟ وهل نجح شباب الأمس في أن يكونوا تصوراً كافياً حول شباب اليوم من شأنه أن يساعدهم على الفهم الدقيق والكافي لشباب اليوم؟ وهل استطاع هؤلاء القياديون في الأحزاب السياسية والجمعيات ومؤسسات الدولة وهؤلاء الوزراء والكتاب والسياسيون بشكل عام أن ينقلوا نفس الجو والمناخ العام الذي كان سائداً بالمغرب سنوات الخمسينات والستينات وأن يحملوا إلينا الدينامية الفكرية والثقافية والحضارية والمعرفية نفسها التي يجمع أغلبنا على أنها كانت أكثر نجاعة من دينامية اليوم على الرغم من أننا في قرن التقنية والتطور؟ وبناء على ذلك، فالسؤال الأهم الذي يطرح نفسه بشكل متناسق مع السؤال الأول: هل يملك هؤلاء تصوراً حقيقياً حول شباب اليوم؟ هل يستطيعون بفضل هذا التصور أن يجيبوا على أسئلة هذا الشباب المتعطش للنجاح والعمل والثقافة والفنون والقيادة والذي يملك بداخله طاقة حارقة يمكنها بكل تأكيد أن تشكل وقوداً صديقاً للبيئة الوطنية مساهما في نجاح الوطن ومحركاً فعالاً لعجلته، كما يمكنها بكل تأكيد وبكل أسف أن تكون ناراً حارقة للأخضر واليابس إذا استمر هذا التصور الذي يملكه هؤلاء حول شباب المغرب، وإذا استمر هذا "النقل" لهذا التصور في التناوب على صياغة السياسات العمومية والاستراتيجيات الموجهة للشباب؟ كما لا يمكن أن نتناول موضوع الشباب بالمناقشة والتحليل دون أن نستحضر المؤسسة الدستورية الموكل إليها تمثيل الشباب والترافع من أجله، وهي المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي، هاته المؤسسة التي نص عليها دستور 2011 ولم تخرج إلى الوجود بل ظلت حبيسة النص الدستوري وحبيسة المنتديات واللقاءات الدراسية التي لا تخرج بدورها إلا ببيان أو ميثاق. هذا المجلس الذي ينبغي أن تكون الضرورة لقيامه وتأسيسه ضرورة وطنية ملحة، وقضية وطنية لا تقل أهمية عن القضايا الوطنية الأخرىَ التي يجمع المغاربة على أولويتها وقدسيتها، ينبغي أن يقوم على أساس صلب وأن تتشكل هيئاته من الكفاءات الحقيقية، وألا يقوم تأسيسه على مبدأ تقسيم الغنائم بين الأحزاب والجمعيات والمنظمات، وألا تكون العضوية فيه مبنية على الأنساب شأنه شأن كافة السياسيات العمومية والاستراتيجيات الحكومية التي ينبغي أن تقوم سياساتها على أساس تقني اجتماعي لا فكري إيديولوجي يقصي فئة على حساب فئة ويهمش شابا على حساب شاب آخر في غياب لمعيار الاستحقاق والكفاءة وفي إحضار جاهل لاعتبارات الإيديولوجيا والتيار والفكرة والحزب والجماعة. وما نعيبه على المؤسسات الدستورية وعلى الحكومة نعيبه أيضاً على المجالس المنتخبة، التي تشكو مع الأسف الشديد من ضعف كبير في مشاريعها وسياساتها المحلية الموجهة للشباب والتي من المفروض أن تكون الآلية الأولىَ التي ينبغي أن تستقبل الشاب في إطار سياسات للقرب قادرة على أن تجعل الشاب المغربي يشعر بأن بلده يحترمه ويستوعبه شأنه شأن نظرائه الشباب من مختلف مناطق العالم. إننا اليوم لفي حاجة ملحة ونحن نختتم المبادرات تلو المبادرات والمنتديات تلو المنتديات التي يفتح فيها الباب على مصراعيه لكل الشباب بمختلف توجهاته وتلاوينه، ليعبر عن نفسه وعن تطلعاته وأحلامه وطموحاته وتصوره الخاص لمغرب اليوم ومغرب الغد، وأن نفهم بشكل قوي أننا ما زلنا لا نمتلك تصوراً حقيقيا حول هذا الشباب الرائع والمتنوع الذي يحمل في صفوفه تنوعا كبيراً؛ ففيه المغني والمهندس والفنان التشكيلي والطبيب والممرض والشرطي والعسكري والبائع والحرفي والمرشد الديني والإمام والقارئ، هذا التنوع الذي يفرض علينا أن نشمله بكامل اهتمامنا واحترامنا، وأن نبني عليه تصوراتنا وسياساتنا بكل احترام لذكاء هذا الشباب واختلافه والذي يفرض بشكل عاجل ومستعجل أن نوقف نقل وانتقال أي تصور آخر غير مناسب له على الاستمرار.