أصدرت جماعة العدل والاحسان وثيقة تبرز ما أسمتها ب "الأسباب الدستورية والسياسية والقانونية لمقاطعة الانتخابات"، معتبرة بأنّ الإطار السياسي والدستوري والقانوني لمحطّة 25 نونبر "يفرغها من أيّ محتوى ديمقراطي، ويجعل وظيفتها الأساس تزيين صورة النظام السياسي وإلهاء النخب والشعب بلعبة انتخابية لا أثر لها في القرار السياسي، ولا اعتبار لها في امتلاك السلطة". وفي محاولة لتعليل خيار المقاطعة الذي اتخذته الجماعة، وقرّرت الدعوة إليه، تمّ التطرّق ضمن ذات الوثيقة إلى الإطار الدستوري والسياسي باعتبار النسق الذي يؤطر انتخابات 25 نونبر شاهدا ل "اختلالات بنيوية فظيعة". وذكرت الجماعة بسلط الملك المهمّة المرتبطة بالبرلمان من أجل حلّه أو إصدار الأمر بتنفيذ القانون ومخاطبة البرلمانيين وتشكيل لجان تقصي الحقائق وافتتاح الدورة التشريعية وطلب قراءة جديدة لمشاريع ومقترحات القوانين، زيادة على ممارسة الملك للتشريع الواسع في المجالات الدينية والعسكرية والأمنية والثوابت الدستورية. كما ورد ضمن وثيقة العدل والاحسان: "للملك سلط مهمة فيما يتعلق بالحكومة، فبالإضافة إلى تعيين رئيس الحكومة ورئاسة المجلس الوزاري، يعين أعضاء الحكومة.. وله أن يعفيهم أو يعفي بعضهم بمبادرة منه أو باقتراح من رئيس الحكومة، ومن الضروري أن ترفع إليه مداولات المجلس الحكومي. وللملك، أيضا، سلط مهمة فيما يتعلق بالقضاء، فبالإضافة إلى رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتعيينه لغالبية أعضائه، فهو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، وله أن يطلب من المجلس الأعلى للسلطة القضائية آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء، والأحكام القضائية تصدر وتنفذ باسمه، وموافقته ضرورية لتعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية". وأردف في ذات السياق: "للملك سلط مهمة فيما يتعلق بالدستور، بحيث تمكنه صفة الحَكم الأسمى، وصفة الساهر على احترام الدستور، من إمكانات كبيرة للتأويل الدستوري، وله أن يراجع الدستور بصفة فردية، ويعرض مشروع المراجعة على استفتاء شعبي، كما له حق عرض مراجعة بعض مقتضيات الدستور، بمقتضى ظهير، على البرلمان بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية الذي يعينه، ويصادق البرلمان ولا يناقش، بأغلبية ثلثي الأعضاء على ذلك". كما عللت جماعة العدل والإحسان موقفها الداعي لمقاطعة انتخابات 25 نونبر بمزيد من الصلاحيات التي يتوفر عليها الملك، خصوصا ترأسه للمجلس الوزاري، و المجلس الأعلى للأمن، و المجلس العلمي الأعلى، و المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا تعيينه لرئيس الحكومة، وأعضاء الحكومة، والشاغلين لوظائف عسكرية، وأكثر من نصف أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس المحكمة الدستورية، ونصف المكونين للمحكمة الدستورية، ورئيس المجلس الأعلى للحسابات، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وكون الملك أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يعتمد السفراء ولديه يعتمد السفراء، ويوقع على المعاهدات ويصادق على بعضها بشكل منفرد، وله ممارسة حق العفو، وله إعلان حالة الاستثناء بظهير، وله إعلان حالة الحصار بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، وله إحالة القوانين والاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، ويرفع إليه التقرير السنوي لمجلس الأعلى للحسابات. وأردف ضمن الوثيقة ذاتها: "لا يزال الدستور الحالي يعتمد ثنائية التمثيل، حيث لا يشكل البرلمان، بما ينفق عليه من أموال وما يستغرقه تشكيله من هدر للزمن السياسي، إلا مجالا للتمثيل الأدنى، أما التمثيل الأسمى فهو محتكر من قبل الملك".. هذا قبل أن تتساءل العدل والاحسان: "بعد هذه الصلاحيات الواسعة للملك نتساءل: هل بقي للانتخابات من معنى؟ وهل تشكل الانتخابات فعلا آلية للتداول على السلطة؟". وبالتطرق للمستوى السياسي تورد الجماعة بأنّ المناخ السياسي الذي تجري فيه انتخابات 25 نونبر "يعد مقياسا أساسيا لمدى ديمقراطية تلك الانتخابات ومدى تنافسيتها.. وسط مناخ استبدادي.. به اختلالات كبرى منها إقصاء ممنهج للجزء الأكبر من الشعب، ولقواه السياسية الحية، من خلال الإصرار على إجراء انتخابات شكلية لا تستجيب لأدنى معايير الديمقراطية.. وإجراء الانتخابات في جو يكرس الشك والريبة وفقدان الثقة باستمرار الاعتقال السياسي، واستمرار الاختطافات، والاعتداء على الحقوقيين، وسط ملفات الفساد ومحاكمات الرأي.. واستمرار الأساليب المخزنية القديمة من قتل لشهداء بالحسيمة وصفرو وآسفي وبني بوعياش.. وتضييق على أرزاق معتقلي العدل والإحسان السابقين ومعتقلين سياسيين سابقين ونشطاء نقابيين وناشطين في حركة 20 فبراير من شخصيات اقتصادية معارضة.. وقمع احتجاجات سلمية منها دينامية حركة 20 فبراير والأئمة والمعطلين والطلبة. كما انتقدت الجماعة استمرار كبت حرية الصحافة ومحاكمة الصحفيين واعتقالهم، وإرباك المشهد الحزبي بتحالفات "مخزنية مصطنعة للحفاظ على التوازنات بالشكل الذي يريده النظام"، و استعمال ورقة الانتخابات "ملهاة ووسيلة للالتفاف على الاحتجاجات الشعبية الداعية إلى إسقاط الاستبداد والفساد والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، مع الإسراع في تنظيمها ل "التهرب من المسؤولية وتوريط الفائزين في التعامل مع الحراك الشعبي".. هذا قبل أن تعتبر العدل والاحسان بأن الإعلام الرسمي يتعرض ل "تسخير واستعمال مشبوه لتسويق الرأي الواحد وتسفيه الرأي المخالف"، وأن امخزن "يرفض حق مقاطعة الانتخابات الذي تكفله كل الديمقراطيات، ويرهب الداعين إليه.." وسط "الهيمنة الكلية لوزارة الداخلية، التابعة مباشرة للقصر، على إعداد كافة مشاريع القوانين والمراسيم والقرارات المتعلقة بالانتخابات، بعيدا عن الحكومة التي لم يكن لها إلا دور شكلي". واسترسلت وثيقة التعليل الصادرة عن العدل والاحسان باعتبارها أن "الاستعجال، والارتباك، والتخبط" قد تمّ "في فرض أجندة سياسية والإعداد لانتخابات سابقة لأوانها"، موردة صدور مرسوم يحدد تاريخ الانتخابات قبل صدور ظهير حل مجلس النواب، وتعديل العديد من مواد القانون المتعلق باللوائح الانتخابية ومرسومه التطبيقي بعد صدورهما بحوالي شهر، وبرمجة القانون المالي في الدورة التشريعية الاستثنائية، ثم سحبه بشكل مفاجئ، ثم برمجته في الدورة الخريفية، ثم تجميده.. وزادت بأنّ هناك "إصرارا على إجراء الانتخابات في ظل استمرار نفس مفسدي الانتخابات ونفس أساليب وأشكال الفساد السابقة". أمّا في الشف المتطرق للإطار القانوني والتنظيمي قالت العدل والاحسان بأن "الصياغة العامة والفضفاضة لعدد من النصوص القانونية تفتح الباب على مصراعيه لكل تأويل فاسد، ومنها على سبيل المثال المادة 2 من القانون التنظيمي لمجلس النواب والمتعلقة بمبادئ التقطيع الانتخابي، والمادة 4 من القرار المتعلق بضمان التعددية السياسية في وسائل الاتصال السمعي البصري.. إضافة لطول بعض المواد والفقرات بشكل لا يتناسب مع الصيغة القانونية من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.. وتقنين ما هو غير قانوني تحت مسمى: أحكام انتقالية؛ كحال الفقرة 2 من المادة 5 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب والتي تنص على ألا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب، برسم الدائرة الانتخابية الوطنية، كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم نفس الدائرة الانتخابية.. لكن المادة 97 تستثني تطبيق هذه المقتضيات على انتخابات أعضاء مجلس النواب المقبل..". وأبدت الجماعة استياءها أيضا من خضوع المجلس الدستوري لإكراه الزمن السياسي، معتبرة بأن ذلك جعل المجلس يستند كثيرا إلى السلطة التقديرية للمشرع، وإلى الاستثناء بدل القاعدة العامة، واعتماد تقنية حذف بعض الفقرات فقط تجنبا لإرجاع القوانين إلى مجلس النواب. وبخصوص "مستوى المضامين" قالت وثيقة العدل والإحسان إن "الرفع غير المبرر لعدد النواب، ليصل إلى 395 نائبا، سيكلف أموال الشعب، وأن العبرة ليست بعدد النواب وإنما بحضورهم وجديتهم وكفاءتهم وبمدى ما يتمتعون به من سلطة تشريعية ورقابية وتقييمية".. وزادت: "عدم مراجعة نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي، على أساس أكبر بقيّة، لم يحقق الأهداف المسطرة له عند إقراره سنة 2002 بغية محاربة الفساد الانتخابي وتقوية الأحزاب السياسية وضمان التصويت على أساس البرامج.. كما أنّ الاكتفاء بمراجعة جزئية للوائح الانتخابية يعني استمرار الكثير من الاختلالات التي عرفتها هذه اللوائح في الانتخابات السابقة.. وتحكم وزارة الداخلية في الخريطة السياسية من خلال انفرادها بإحداث الدوائر الانتخابية بمقتضى مرسوم وبعيدا عن كل رقابة بعدية.. وكذا تمطيط التحكم إلى تحديد رموز الأحزاب السياسية وشكل ورقة التصويت.. وتعيين العمال لرؤساء وأعضاء مكاتب التصويت ورؤساء وأعضاء المكاتب المركزية، وتحديد أماكن إقامة مكاتب التصويت وأماكن إقامة المكاتب المركزية.. وتأشير رجال الإدارة الترابية المعيّنة على أغلفة المكاتب المركزية التي تضم محاضر التصويت، ويأمرون بحملها إلى مقرات العمالات أو الأقاليم قصد تسليمها إلى رئيس لجنة الإحصاء". وكذلك عبرت الجماعة عن رفضها تهميش المغاربة المقيمين بالخارج برفض السماح لهم بالتصويت والترشيح في دوائر انتخابية في المهجر، والاستعاضة عن ذلك بإمكانية الترشيح فقط على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية الوطنية، وبإمكانية التصويت عن طريق الوكالة.. معتبرة بأنّ المعطى "يناقض في الجوهر مبدأ شخصية التصويت".. كما انتقدت "عرقلة ترشيح المستقلين عبر رفع عدد التوقيعات الواجب الحصول عليها، بالنسبة للائحة المحلية، إلى 200 توقيع بدل ال100 المعمول بها في السابق، منها 20 % من التوقيعات لمنتخبي الجهة التابعة لها الدائرة الانتخابية المعنية، وإلزامية الحصول على 500 توقيع لمنتخبين بالنسبة للائحة الوطنية، على ألاّ يقل عدد الموقعين في كل جهة عن 5% من عدد التوقيعات المطلوبة". واعتبرت الجماعة بأن المشهد الحزبي يعرف بلقنة عبر " الاستمرار في اعتماد نفس نمط الاقتراع السابق باعتماد عتبة محلية متدنية (6%) والتراجع من عتبة 6% إلى 3% بالنسبة للائحة الوطنية".. وأردفت بأنّ "جعل أجل الطعن في قرار رفض الترشيح لا يتجاوز يوما واحدا من تاريخ تبليغ الرفض يعني، عمليا، التضييق على حق الترشيح الذي يعد أحد الحقوق الديمقراطية الأساسية إلى جانب حق التصويت".. وأنّ "الاستغناء، فيما يخص فرز الأصوات، عن مساعدة الفاحصين، والاكتفاء برؤساء وأعضاء مكاتب التصويت المعينين من قبل العامل في المكاتب التي يقل عدد الناخبين بها عن 200 ناخب، مع العلم أن أغلب مكاتب التصويت بالعالم القروي يقل عدد الناخبين بها عن ذلك العدد، قد تستغله وزارة الداخلية أسوأ استغلال".. كما استاءت الجماعة من منح الأولوية في وظائف الأحزاب السياسية، حسب القانون الجديد، لتأطير المواطنين وتكوينهم وتعزيز الانخراط في الحياة الوطنية، معلقة بذلك بكون الوظيفة الأساسية للأحزاب هي "تطبيق برامجها حين وصولها إلى الحكم".. وزادت بأنّ اعتماد صيغة "يساهم" و"يشارك"، بالنسبة للحزب السياسي، يطرح سؤالا منطقيا.. "مع من يساهم؟، ومع من يشارك؟، رغم أن الحزب السياسي، في الأنظمة الديمقراطية، هو القناة الرئيسية لتعبير المواطنين عن آرائهم، وهو الممارس الأول للسلطة". وعبّرت وثيقة العدل والاحسان عن كون "صياغة مسوغات عامة، وفضفاضة، لإبطال الأحزاب السياسية، تسمح بالتأويل في كل الاتجاهات" إضافة ل "تحكم وزارة الداخلية في تحديد كيفيات توزيع الدعم السنوي الممنوح للأحزاب السياسية، وطرق صرفه".. كما صرّحت الجماعة بوجود تناقض وجوهر الاقتراع اللائحي باعتماد 81 دائرة من أصل 92 بمقاعد لا تتجاوز ال4، زيادة على "غياب الانسجام المجالي بدمج المجال الحضري والقروي في العديد من الدوائر الانتخابية، وذلك بهدف التقليص من إمكانية فوز بعض الأحزاب السياسية من جهة، ولتجنب تسجيل نسب مشاركة ضعيفة في المجال الحضري من جهة أخرى". وأضيف أيضا بأنّ تقليص الآجال فيما يتعلق بمدة إيداع اللائحة الانتخابية المؤقتة، وقائمة التشطيبات، وجدول الطلبات المرفوضة، وآجال تبليغ قرارات الرفض من قبل اللجان الإدارية، وتقليص مدة إيداع الجدول التعديلي المؤقت والنهائي، وتقليص آجال الطعن في قرارات اللجان الإدارية، يمس بشكل غير مباشر حقي التصويت والترشح.. إضافة للتفاوت الديموغرافي الكبير بين الدوائر الانتخابية والذي يجعل المقعد الواحد يمثل حوالي عشرين ألف مواطن في بعض الدوائر في حيم يمثل المقعد الواحد مائة ألف نسمة في دوائر أخرى.. وانتقدت الجماعة أيضا "جعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رغم عدم توفر شرطي الاستقلالية والحياد فيه، متحكما في الملاحظة الوطنية والدولية للانتخابات"، زيادة على "عدم تحديد السقف الأعلى للتبرعات لفائدة المرشحين بشكل يسمح تحكم ذوي المال في توجهات المرشحين".