1. دعوى المقال: "أبدا ما كان الدين عند الإخوان منهج حياة وقضية، بل مطية توسلوا بها لتحقيق مآرب دنيوية". 2. تجليات الدعوى إن المتتبع لخطاب الإخوان في السياسة، وبخاصة خطاب إخوان العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة لولايتين، لا محالة يلمح أنه خطاب برأسين متناقضين، رأس لاهوتي ورأس ناسوتي-شيطاني-وتتجلى هذه الازدواجية من خلال مقارنة خطاب الإخوان أيام المعارضة بممارساتهم اليوم، إبان ترأس الحكومة، حيث انقلبوا على مختلف مقولات التغيير والدين التي روجوا لها قبل الحكم، وتنكروا لها بعده، ليفسحوا المجال أمام ممارسة دنيوية –شيطانية-مناقضة لمقولات خطابهم اللاهوتي الذي بشروا به وحشدوا له الجماهير المخدرة والمطبلة في الأسواق والمساجد والمنازل والساحات. وإذا رمنا التدليل على هذه الممارسات الشيطانية في تدبير الشأن العام، يكفينا التمثيل بالآفات الآتية: 1. آفة تعظيم الذات والتعصب: ونلمحها مباشرة عند تفكيك الخطاب الإسلاموي الذي يتخذ الشعبوية آلية من آليات الإقناع والتأثير في الجماهير، وبخاصة ذات المستوى التعليمي المحدود، كما تتبين لنا آفة تعظيم الذات وتضخم أنا الزعامات الإسلاموية من خلال إحصاء الضمائر الموظفة في خطاباتهم، حيث طغيان ضمير المتكلم، وإن شئت قلت (أنا الزعيم)، ونحن الجماعة- وإن شئت قلت (الحزب الإلهي)- مع إضمار ضمائر المخاطب، والتقليل من شأن المخاطبين، سواء أكانوا جمهورا، أم خصما سياسيا، مع عن شرعنة المواقف والاختيارات اللاشعبية التي انتهجوها والاحتجاج لها بنصوص ووقائع من دائرة الدين الإسلامي، في اعتداء سافر على السياقات التاريخية والتداولية التي أفرزتها، وخير ممثل لهذه الزعامة في صفوف العدالة والتنمية رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، ويتيم المدلكة حين قال: "أنا وزير ولست مواطنا". 2. آفة تحقير أعمال الغير: تجلت بشكل واضح للمتتبع لتحولات خطاب الإسلام السياسي بالمغرب عند خروج حزب العدالة والتنمية من دائرة المعارضة إلى سَعة رئاسة الحكومة، حيث ألفينا الوزراء الإخوان في كل مناسبة يجنحون إلى تحقير أعمال الغير–الحكومات السابقة والخصوم السياسيين الجدد "الأصالة والمعاصرة مثلا"-والتقليل من قيمتها/هم بدعوى أنها لم ترق إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي وآماله، ولا يخفى ما في هذا الادعاء من دلالة على التسلط واعتقاد الانفراد بالصواب في التدبير، وتشكيك في النوايا، وغصب لأعمال الغير وإلغاء لحق الاختلاف في تدبير الشأن العام، الذي هو فعل تشاركي قوامه التكامل لا التفاضل الإيديولوجي والتجزيئ الذي يراهن عليه الإخوان في خطابهم اللاهوتي، وتقسيم الناس إلى أخيار وأشرار. 3. آفة التهويل: من الممارسات الشيطانية التي يلجأ إليها الإسلاموي آفة التهويل متى أحس بضمور شعبيته، واحتجاج الجماهير الشعبية على تدبيره اللاشعبي، فيعمل ليل نهار بمعية مريديه، أو ما اصطلح عليهم اليوم في مجالنا التداولي بالكتائب الإلكترونية بخاصة-إلى تلميع صورته عبر آفة التهويل التي يعتبرها آلية للتأثير وكسب التعاطف، فيصور نفسه وجماعته بأنه القائد/الحزب المنقذ من الضلال، كما فعل الرئيس السابق عبد الإله بنكيران عندما نسب فضل استقرار المغرب إبان الربيع العربي إلى العدالة والتنمية ورجالاتها، فضلا عن توجيه رسائل ملغومة مفادها أن لا بديل لتدبير المرحلة سوى حزب العدالة والتنمية، واللجوء إلى خطاب التهديد بغد كارثي من شأنه وأد مفهوم الاستثناء المغربي، إذا ما تم التدخل في العملية الاقتراعية، من قبل الدولة أو الخصوم السياسيين. فهذه الآفات غيض من فيض الممارسات الشيطانية لإخوان السياسة بالمغرب، وخير ممثل لها في مجالنا التداولي الحكومة الملتحية بقيادة العدالة والتنمية التي ثارت على كل مقولات التغيير وتحسين الأوضاع الاجتماعية التي بشرت بها في تجمهراتها الخطابية قبل تقلد زمام الحكم، واكتفت بتحسين أوضاع وزرائها ومريديها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى الجنسية، مما ينم عن مفارقة عجيبة يعيشها إخوان المغرب، مفارقة يزدوج فيها الخطاب اللاهوتي بالممارسة الشيطانية في تحد سافر للعقل والمنطق، هذه الازدواجية التي لا محالة ستفتح المجال أمام تجربة نقيضة منفصلة كليا عن الدين، قوامها المعارضة الجذرية للأسس التي قامت عليها التجربة الإخوانية في المغرب خاصة، والوطن العربي عامة. *كاتب وباحث في تحليل الخطاب