يعتبر الحق في السكن من أهم الحقوق الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، إلى جانب الحق في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، والحماية من الفقر والبطالة وغوائل الشيخوخة، والحق في مستوى معيشي لائق. وتعد مشكلة السكن في الدول العربية من أكثر المشاكل المعقدة التي يعاني منها المواطن العربي، حيث أوضحت الدراسات التي أجراها المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60 % من سكان المدن في الوطن العربي يقطنون بمنازل مؤجرة أو في مناطق سكن غير منظمة وغير مؤهلة للعيش الصحي والتي يطلق عليها "العشوائيات أو السكن الصفيحي". وبالمغرب تتزايد حدة هاته المعاناة بسبب ارتفاع منسوب الفقر والهشاشة وأمام غياب السياسات والمخططات العامة للدولة في هذا المجال للتخفيف من هاته الحدة، مقابل انتهاج السلطات الحاكمة لسياسة الأرض المحروقة بتواطؤ مع مافيات العقار، بهدم الأحياء الصفيحية على رؤوس ساكنيها دون سابق إشعار ودون احترام للقواعد القانونية المتعارف عليها في هذا الشأن، ناهيك عن غياب أي بديل سكني اقتصادي أو اجتماعي لضحايا هاته الأحياء السكنية غير اللائقة. إن كل المهجرين من هاته الأحياء الصفيحية يرحلون إلى أحياء هامشية تبعد عن مقرات عملهم، ولا تتوفر على شروط السكن اللائق كما نصت عليها المواثيق الدولية في التعليق العام رقم 4 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي حددت عناصر الحق في السكن اللائق في توافر أمن الحيازة القانونية بشكل يضمن لهم الحماية من الإخلاء القسري والمضايقة والتهديدات الأخرى، والقدرة على تحمل التكاليف حتى لا تؤثر التكاليف الشخصية أو الأسرية المرتبطة بالسكن على تهديد تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى أو الانتقاص منها، إلى جانب صلاحية السكن بشكل يوفر الحماية من البرد والرطوبة والحرارة والمطر والريح أو غير ذلك من المخاطر التي تهدد الصحة والمخاطر الهيكلية ونواقل الأمراض، إلى جانب توافر الخدمات والمرافق والهياكل الأساسية. ولعل أهم معيار للسكن اللائق حسب المادة نفسها هو أن يكون في موقع يتيح إمكانية الاستفادة من خيارات العمل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الطفل وغير ذلك من المرافق الاجتماعية وألا يكون مبنياً في موقع ملوث أو في موقع قريب جداً من مصادر تلوث. وبرجوعنا إلى المكان الذي رحل إليه هؤلاء المهجرين نجده يبعد عن مقرات عملهم بعشرات الكيلومترات وأنه لا يتوفر على بنية تحتية تليق بالسكن من طرقات ومدارس ومستشفيات ووسائل نقل وماء وكهرباء وتدفئة ومراكز عمل، مما يخالف مقتضيات المادة أعلاه، ويتناقض مع مقتضيات المادة 31 من الدستور المغربي التي تنص وجوبا على الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية أن تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتسيير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في السكن اللائق إلى جانب الشغل وولوج الوظائف العمومية والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة وعلى التنمية المستدامة وعلى العلاج والعناية الصحية، والحصول على تعليم عصري. نجده أيضا مخالفا لمقتضيات المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تنص على أحقية كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق. نجده كذلك لا يتوافق مع ما نصت عليه المادة 14 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تلزم الدول الأطراف الموقعة التأكد من حصول المرأة على حقها في التمتع بظروف معيشية ملائمة، ولا سيما فيما يتعلق بالإسكان والمرافق الصحية والإمداد بالكهرباء والماء والنقل والمواصلات. نرصد أيضا مخالفته للمادة 27 من اتفاقية حقوق الطفل التي تفرض بأن تتخذ الدول الأطراف، وفقا لظروفها الوطنية وفى حدود إمكاناتها، التدابير الملائمة من أجل مساعدة الوالدين وغيرهما من الأشخاص المسؤولين عن الطفل على إعمال هذا الحق وتقدم عند الضرورة المساعدة المادية وبرامج الدعم، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والكساء والإسكان. ترى كم عدد الأطفال الذين شردوا بسبب هاته الممارسات اللا إنسانية وسيحرمون من حقهم في الدراسة؟ كم عدد الأطفال والنساء والشيوخ الذين ارتجفت قلوبهم خوفا ورعبا من تلك الإنزالات الأمنية التي عمدت إلى هدم سقوف وحيطان بيوتهم أمام أعينهم بدعوى تعليمات عليا، دون أن تأخذهم رأفة بالمرأة الحامل والأم النافس التي لم يمر على وضع وليدها أربعة أيام ولا بالشيخ المريض بالقلب الذي لا يستطيع التنفس إلا بالهواء الاصطناعي؟ ترى متى سيتنفس هذا الوطن نسيم الحرية، ومتى سيتعقل من يهمهم الأمر قبل فوات الأوان؟ *محام باحث في القانون الدولي الإنساني