صادق مجلس المستشارين بالمغرب (الغرفة الثانية للبرلمان)، يوم 24-07-2018، على القانون رقم 15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي، بعد ما سبق لمجلس النواب أن صادق عليه مند سنتين، وتحديدا بتاريخ 28-06-2016. وهو القانون الذي سبق لوزارة العدل أن أعدت مسودته سنة 2014 وطرحته للنقاش وتلقت بشأنه عدة مذكرات لجمعيات وهيئات مهتمة بشؤون العدالة، وتضمن العديد من المستجدات التي لم يسبق للمغرب أن عمل بها، إلا أن هذا القانون تأخرت المصادقة عليه بسبب انتهاء ولاية البرلمان ودخول البلاد فترة انتخابات سنة 2016 وما رافقها بعد ذلك من تأخر في تشكيل الحكومة وكذا كثرة الأولويات التشريعية. وبعد أن وقفنا في مقالين سابقين على نظرة عامة حول هذا القانون وما تضمنه من مؤسسات ومقتضيات جديدة، نقف في هذا المقال المختصر على القضايا المسكوت عنها فيه بطرق مختلفة، وهذه القضايا كثيرة، منها ما التزم المشرع الصمت التام تجاهه، ومنها ما تعامل معه بطريقة الإحالة على قوانين أخرى، ومنها سلك طريق التقييد بخصوصها. فما هي اذن أهم هذه القضايا؟ أهم القضايا المسكوت عنها في قانون التنظيم القضائي الجديد: سكت قانون التنظيم القضائي الجديد، بالشكل السابق بيانه قبله، عن قضايا عدة كان يجب الحسم أو التفصيل فيها، رغم أن هذا القانون تضاعفت مواده أربع مرات تقريبا مقارنة بالقانون الحالي المؤرخ في 15 -07-1974، وأهم هذه القضايا ما يلي: - المساعدة القضائية: اكتفت المادة السادسة من قانون التنظيم القضائي الجديد بإعادة نص الفصل 121 من الدستور الخاص بمجانية التقاضي لمن لا يتوفر على موارد كافية حرفيا والإحالة على القانون المنظم للمساعدة القضائية، مع أن هذا القانون لم يعد يساير تطور المجتمع انطلاقا من مؤشرات عدة، وبالتالي كان يمكن الحسم في موضوع المساعدة القضائية في قانون التنظيم القضائي أو على الأقل وضع معايير عامة في صلب هذا القانون باعتباره يشبه قوانين الإطار، ومن تم يحيل في بعض الشروط الأخرى التي لا علاقة لها بالمساس بالحقوق على القانون أو مجرد مرسوم. - تشكيل هيئات الحكم: نصت المادة العاشرة من قانون التنظيم القضائي على أن هيئات الحكم تتشكل وفقا لما يحده القانون، والمقصود هنا القضاء الفردي والجماعي. وإذا كان الفردي لن يطرح أي إشكال، فإن هناك غموضا يتعلق بالسماح بمشاركة قاض إضافي أو أكثر في هيئة الحكم؛ إذ لم تحدد هذه المادة من الذي سيضيف هذا القاضي الإضافي أو أكثر لهيئة الحكم، هل هو رئيس المحكمة أم الجمعية العامة التي تبقى هي صاحبة الصلاحية في تعيين هيئات الأحكام والجلسات وتحديد وقت انعقادها؛ ذلك أن صيغة المادة السابعة تفيد الظرفية، أي يمكن في أي وقت إضافة قاض أو أكثر وهذا أمر مخالف للقانون ومخالف لأهداف وجود الجمعية العامة للمحكمة التي من بينها إبعاد شبهة إشراك قضاة معينين في قضايا بعينها. وهنا أشير إلى أن بعض الأنظمة القضائية ابتكرت نظام التوزيع الالكتروني حتى في توزيع الملفات على القضاة داخل الهيئة المعينين بواسطة الجمعية العامة زيادة في الحرص. - لغة التقاضي: أكدت المادة 14 من قانون التنظيم القضائي على أن "لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام أمام المحاكم هي اللغة العربية، مع العمل على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا لأحكام الفصل 05 من الدستور"، وهي صياغة غير واضحة في قصدها بخصوص تفعيل اللغة الأمازيغية، فهل الخطاب موجه إلى المحاكم أم إلى السلطة التشريعية أم التنفيذية أم ماذا؟ عدم تحديد اختصاص لجنة التنسيق على صعيد المحاكم من أجل تدبير شؤونها المنصوص عليها في المادة 24 من قانون التنظيم القضائي. - الديمقراطية الداخلية للمحاكم: الديمقراطية الداخلية للمحاكم التي تمثلها الجمعية العامة تم المساس بها في قانون التنظيم القضائي بشكل كبير، فرغم إيجابيات تنظيم طريقة عقد اجتماعات الجمعية العامة وتحديد النصاب القانوني للانعقاد والتصويت واتخاد القرار، وهو أمر لم يكن منصوصا عليه في القانون الحالي لسنة 1974، لكنها من حيث المضمون أصبحت جمعية للمصادقة فقط بفعل إدخال عنصر جديد قبلي وهو مكتب المحكمة الذي تم تشكيله عمليا من أعضاء في معظمهم يشكلون امتدادا للإدارة القضائية (رئيس المحكمة). وبالتالي، سيكون من السهل عليها تمرير أي مشروع للمصادقة في الجمعية العامة، وحتى جدول الأعمال الذي يمكن أن تناقشه المجمعية العامة الذي نصت عليه المادة 34 من قانون التنظيم القضائي، ولو أنه جاء على سبيل المثال، فإن أغلبه نص على جدول أعمال كله بروتوكولي (عرض النشاط القضائي من طرف المسؤولين والبرنامج الثقافي و...) لا أقلّ ولا أكثر عوض مناقشة القضايا الحقيقية التي يمكن أن تعاني منها المحاكم بشكل دوري، وما أكثرها. - التعويض عن الخطأ القضائي: تم الاكتفاء بإعادة نص المادة 122 من الدستور حرفيا دون تفصيل، بحيث فضل قانون التنظيم القضائي الجديد الصمت عن الموضوع بشكل مقصود لكون إحدى مسودات التنظيم القضائي كانت تقترح إحالة الأمر إلى الشروط التي سوف يحددها القانون، وبالتالي يبقى السؤال معلقا، هل سوف ننتظر نصا ينظم هذا الموضوع من شأنه أن يحدد ماهية الخطأ القضائي وشروط رفع دعاوى التعويض عنه، أم سوف يتم الاكتفاء بالقواعد العامة التي يعتمد عليها القضاء حتى قبل دستور 2011. - حالة تنازع المصالح عند القضاة: نصت الفقرة الأخيرة من المادة 41 من قانون التنظيم القضائي الجديد على أنه "يمنع على القضاة النظر في أي قضية عند وجودهم في حالة تنازع المصالح"، ولكنها عبارة غامضة وتحتاج إلى تفصيل المقصود منها بشكل عام، ثم إحالتها على قانون المسطرة المدنية للتفصيل على شاكلة حالات تجريح ومخاصمة القضاة وحتى يكون المتقاضي والقاضي على بينة من الأمر. - القضاء المتخصص: القضاء المتخصص في المغرب بعد إقرار قانون التنظيم القضائي الجديد أصبحت له هوية مختلطة، ما بين محاكم مستقلة للقضاء الإداري والتجاري وما بين مجرد أقسام مدمجة في صلب المحاكم الابتدائية قد يعمل قضاتها في قضايا أخرى بالإضافة إلى القضايا المتخصصة، لكون المادة 47 نصت على أن قضاة المحكمة الابتدائية لا يمكنهم أن ينظروا في قضايا القسم المتخصص، ولكنها لم تمنع قضاة القسم المتخصص من البت في القضايا الأخرى توخيا للجودة والتخصص، وهذا من شأنه أن يؤثر على جودة الاجتهاد القضائي لهذه الأقسام، وكان يمكن التغلب على مشكلة البعد الجغرافي للمحاكم المتخصصة بخلق أقسام تتبع لها توخيا للوحدة وليست تابعة لمحاكم ابتدائية مثقلة أصلا بالقضايا، وبالتالي الحفاظ على تجربة القضاء المتخصص امتددت لأزيد من 25 سنة وانتجت اجتهادات قضائية متميزة أحيانا. - قضية تكافؤ الفرص بين القضاة في الوصول إلى مناصب المسؤولية داخل المحاكم: نصت المادتان 48 و71 من قانون التنظيم القضائي الجديد على أن رؤساء أقسام قضاة الأسرة ورؤساء أقسام القضاء المتخصص في القضاء التجاري والإداري يعينون (في المحاكم الابتدائية والاستئنافية) وفقا لنص المادة 21 من قانون التنظيمي رقم 13-106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. وبالرجوع إلى هذه المادة الأخيرة، نجدها تنص على ما يلي: "يعين المجلس، باقتراح من المسؤول القضائي بالمحكمة المعنية، كلا من: نائب رئيس محكمة أول درجة، والنائب الأول لوكيل الملك لديها. نائب الرئيس الأول لمحكمة استئناف، والنائب الأول للوكيل العام للملك لديها...". وبالتالي، يعتبر رؤساء الأقسام هؤلاء وفق هذه الإحالة بمثابة نواب لرئيس المحكمة يقترحون من قبله ليعينهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية (ولا ننسى أنهم أعضاء في مكتب المحكمة كما سبق القول). وعليه، نخلص إلى أن قانون التنظيم القضائي بخصوص هذه النقطة قد أعرض عن مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة في الوصول إلى مناصب المسؤولية داخل المحاكم، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي على مناخ العمل وظروفه. وقد خالف بالتالي مبدأ دستوريا يتجلى في اعتماد معيار تكافؤ الفرص في تولي المناصب العامة.