ما زالت واقعة ترحيل إسبانيا ل116 مهاجرا ينحدرون من دول إفريقية إلى المغرب وقبول الأخير بذلك تستأثر باهتمام الجميع، سواء في إسبانيا أو في المغرب، وتثير الكثير من الانتقادات على جميع الأصعدة السياسية والقانونية والحقوقية والإعلامية. وفي خضم هذا النقاش، انكب المحاميان والخبيران في الهجرة الدولية وحركية الأفراد عبر الوطنية وقوانين الهجرة من الجامعة الأوروبية بمدريد وجامعة سرقسطة بإسبانيا الأستاذ Hipolito Granero Sanchez إيبوليتو جرانيرو سانشيز، محامي بفالنسيا/ إسبانيا، والأستاذ صبري الحو المحامي بمكناس/المغرب، التعليق على الفعل بالترحيل وعلى الإطار القانوني المعتمد عليه اتفاقية مدريد 13 فبراير 1992 من زاوية قانونية محضة، وعلاقته بحقوق وحريات الأشخاص الخاضعين للترحيل. **** تبدو الاتفاقية الموقعة من طرف المغرب وإسبانيا بمدريد في 13 مارس 1992 موزعة على ثلاثة أبواب؛ الأول مخصص للترحيل، والثاني للعبور من أجل الترحيل، وباب ثالث تضمن مقتضيات مختلفة. ومن حيث المبدأ فإن الاتفاقيات الدولية يتم تطبيقها بالأولوية على القانون بما فيه القانون العضوي؛ منها القانون المتعلق بحقوق وحريات المهاجرين واندماجهم الاجتماعي، الذي يضمن للمهاجرين عن مجموعة من الحقوق والحريات منها منع الارجاع والترحيل، والطرد الجماعي، وحق المساعدة القانونية. وقد نصت الاتفاقية الثنائية بين المغرب وإسبانيا على ضرورة مراعاة ارتباط إحدى الدولتين أثناء تطبيق الاتفاق وعدم تنفيذ بالإرجاع والترحيل إذا كانت الدولة الطالبة أو المطلوبة مرتبطة بالتزام آخر يمنعه وناتج عن اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف؛ وهو ما يحد من هذا التطبيق، لأن إسبانيا انضمت إلى اتفاقيات لها علاقة بحقوق هؤلاء الأشخاص منها اتفاقية جنيف 1952 المتعلقة باللجوء، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1950، إضافة إلى كون الدستور الإسباني لسنة 1978 ينص على ضمان المؤازرة القانونية كحق أساسي. ومن ثم، فإن إسبانيا لم تراع، أثناء تطبيقها للاتفاق بينها وبين المغرب، للالتزام المبدئي بعدم الترحيل المقيد بمراعاة مصير الخاضعين للترحيل، وأن السرعة التي اتخذ بها القرار يجعل الشك يحوم حتى على احترام الإجراءات والشروط القيود المشار إليها في الاتفاق نفسه؛ لأنه يستلزم وقتا طويلا، الشيء الذي يستحيل استنفاذه في ساعات ولعدد مثير يربو على 116 مهاجرا. لقد تم توقيع الاتفاق في عهد الحكومة الاشتراكية بقيادة فيليبي كونزاليس ووقعه عن إسبانيا وزير الداخلية آنذاك خوسي لويس كوركويرا كوسطا، وفي عهد الراحل الملك الحسن الثاني بواسطة وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري، وهذا الاتفاق يهم حركية الأفراد والمرور وترحيل الأجانب الذين يدخلون إلى إقليم إحدى الدولتين بطريقة غير نظامية. أولا: شكليات جوهرية في طلب الترحيل إن قبول طلب الترحيل مشروط بشكليات مرتبطة باستعمال الحق في الترحيل داخل أجل معين، وكذا التعريف بهوية الشخص الخاضع للترحيل، وتقديم دليل اتخاذ الدولة المطلوبة نقطة للعبور إلى الأخرى، وعدم تناقض الطلب وحالات محددة حصرا في الاتفاقيات، بالإضافة إلى عدم وجود التزام مانع على عاتق الدولتين أو هما معا، وهو قيد يمكن إدراجه في الموانع الشكلية الموضوعية. وهكذا، فإن المادة الأولى من هذا الاتفاق تسمح للدولتين بإجراء عملية الترحيل من إقليم إحداهما إلى الأخرى، وحدد أجل عشرة أيام من تاريخ الدخول الفعلي وغير الشرعي للأجنبي من دول الغير إليها ونقطة العبور بنيتها في إجراء الترحيل، وهو أجل مسقط للطلب في حالة عدم احترامه. بالإضافة إلى تقديم الدليل والحجة من كون الدخول غير الشرعي تم من إقليم الدولة المراد تنفيذ الترحيل إليها، أي من المغرب في إطار النازلة الحالية. وقد اشترط الاتفاق شكليات وإجراءات أخرى جوهرية متعلقة بتقديم كل المستندات والوثائق التي تحدد وتعرف بهوية المواطن الأجنبي المراد تنفيذ الترحيل في مواجهته، وتعزيز الطلب بتقرير متعلق بظروف وطريقة دخول الأجنبي موضوع طلب الترحيل بطريقة غير شرعية الى اقليم الدولة طالبة الترحيل، أي إسبانيا. وتضمنت المادة الثالثة من اتفاق 1992 بين المغرب وإسبانيا أسبابا وحالات لا يقبل فيها إجراء الترحيل، ولا ندري كيف تم التحقق من عدم وجود أي من المرحلين ضمن تلك الحالات في زمن قياسي لم يتعد ليلة واحدة ولعدد غفير من المهاجرين، وهو قرينة على كون الطرفين ضربا صفحا عن فحص وامتحان ذلك لصالح الفورية في الترحيل. ثانيا: الشروط الشكلية والموضوعية والتزام مراعاة حقوق وحريات المهاجر إن المادة التاسعة من الاتفاق تجعل فعل الترحيل من واجب الدولتين، وفقا للمادة 9 مراعاة وبالأولوية بباقي التزاماتهما والتي تنتج عن اتفاقيات أخرى ثنائية ومتعددة الأطراف. وللتذكير، فإن القانون الإسباني يمنع عليها الترحيل خارج رقابة القضاء المؤهل الوحيد لفحص شرعية تلك القرارات، ويمنع قانونها الوطني الطرد الجماعي طبقا للمادة 57 من قانون حقوق وحريات الأجانب واندماجهم الاجتماعي. كما أن إسبانيا كانت محل إدانة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 3 أكتوبر 2017 على إثر فعل مماثل، الإرجاع الفوري على المياه الدافئة لمهاجرين إلى المغرب قبالة مليلية، واعتبرت المحكمة نفسها أن ذلك الفعل مخالف للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ وهو ما يكيف فعلها احتقارا للقضاء الأوروبي. كما أن إسبانيا لم تقدر الخطر الذي يواجهه المرحلين للمغرب، لأن المغرب ولئن سوى وضعية مجموعة من المهاجرين فوق إقليمه، فإن القانون المغربي ب"دخول وإقامة الأجانب بالمغرب والهجرة غير الشرعية" لا يزال يعاقب في المادة 50 منه بالحبس على كل من هاجر من المغرب بطريقة غير قانونية وخارج نقط العبور المعتادة والقانونية". وقد وقع المغرب بدوره وانضم وصادق ونشر مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات علاقة بحقوق وحريات الأشخاص يجب مراعاتها بغض النظر عن وضعهم الإداري، منها اتفاقية جنيف لسنة 1951 المرتبطة باللجوء. هذه الاتفاقية تعطي الأولوية لصيانة واحترام سعي المهاجر اللاجئ إلى الحماية على مبدأ السيادة، وبينهما يتدخل القانون الدولي للهجرة والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي التزم المغرب في ديباجة دستوره بحمايته والعمل والتعاون مع الأسرة الدولية لتطويره. ويعتبر المغرب من أوائل الدول التي وقعت وصادقت على اتفاقية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990، بل وتقلد مغربي لجنتها لسنوات، وهي اتفاقية تمنع الترحيل الجماعي، بالإضافة إلى الاتفاقية الدولية بحقوق الأطفال لسنة 1989 التي تمنع الترحيل خارج مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، عندما يتعلق الأمر بمهاجرين قاصرين. ناهيكم عن التزام المغرب بمقتضى اتفاقيات الشرعية الدولية، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان بضمان مجموعة من الحقوق منها حق المؤازرة القانونية وحق اللجوء إلى القضاء في إطار طعون فعلية وحقيقية، وهي الحقوق التي شارك وأسهم في خرقها مع إسبانيا بقبوله الفوري بترحيل مهاجرين دون الاستفادة ولا استنفاد تلك الحقوق. وهذه الاتفاقيات الدولية أصبحت قانونا يجب تنفيذه بالأولوية على القانون الوطني، طبقا لدستور الفاتح من يوليوز 2011 الذي يجعل الاتفاقيات الدولية المنشورة تسمو على القانون الوطني؛ وهو ما يجعل الفعل بقبول الترحيل والقانون الإطار لسنة 1992 بين المغرب وإسبانيا مخالفا للقانون الدولي وينتهك حقوق وحريات المهاجرين في التنقل والتنقل من أجل الحماية، واختيار بلد الإقامة وعدم الترحيل ومنع الطرد الجماعي، والحق في المساعدة القانونية الحقيقية والضمانة والمراقبة القضائية بغض النظر عن الوضع الإداري للشخص المهاجر.