إلى وقت قريب، كانت الأمهات المغربيات يولين اهتماماً كبيراً لجلود الأضاحي ولا يلجأن إلى رميها على قارعة الطريق أو قرب المساجد؛ بل يتم الاحتفاظ بها والإعداد لتحويلها إلى "هيضورة" كأثاث في الصالون التقليدي، خصوصاً في القرى المغربية. أما اليوم، فقد تغيرت العادات في المغرب، حتى أصبحت "الهيضورة" شبه غائبة عن أثاث المغاربة في صالوناتهم التقليدية، فلم تعد النسوة يقمن بإعداد جلود الأضاحي ولم تنتقل العادة إلى الجيل الجديد من النساء ليصبح هذا التراث في عداد التاريخ فقط. وحسب خديجة آيت خيار، المنحدرة من نواحي مدينة تازة وهي إحدى النسوة التي كانت متخصصة في إعداد الهيضورة، فإن هذه العملية تتطلب جُهداً ووقتاً كبيرين قد يصل إلى عشرة أيام، حيث يغسل الجلد بالماء والصابون لإزالة ما لصق بها من أوساخ في اليوم الأول من عيد الأضحى. وبعد أن يتم نشر "الهيضورة" لتتخلص من كل بلل، تستعمل النسوة الملح ليصبح الجلد أكثر صلابة، ثم يتم طليه بخليط يضم قليلاً من الدقيق مع الملح إضافة مسحوق حجر الشبة، أو زاريف كما يطلق عليه بالأمازيغية، ثم ينشر من جديد تحت أشعة الشمس ثم حكها بالاستعانة بحجر لإزالة كل الشوائب الملتصقة. وحسب خديجة آيت خيار، فإن هذه العملية تتطلب مجهوداً كبيراً، وتُضيف قائلةً: "لم يعد أحد يعتني بجلد الأضحية بعدما كانت في السابق شبه مقدسة ويحرم رميها. لقد تخلى الناس على هذه العادة القديمة، فقد كان سائداً أن يتم التصدق بالجلد أو إعداده كهيضورة لأثاث المنزل، لكن اليوم أصبح الجلد يجاور الأزبال في القمامات مع الأسف". ولقد كانت لهذه العادة القديمة فوائد جمة، إضافة إلى عادات أخرى مارسها المغاربة وكان شعارها تثمين كل شيء في حياتهم اليومية؛ فإعداد الهيضورة من جهة يعتبر تثميناً للأضحية، ومن جهة أخرى تجنب تراكم نفايات العيد التي تؤرق بال الجماعات الترابية وشركات النظافة نظراً للعدد الكبير من الجلود الملقاة في الشوارع والتي تتميز بتعفنها السريع. ويلجأ عدد من الشباب إلى المبادرة لجمعها طواعية في الأحياء ونقلها فيما بعد إلى دار الدباغ، هناك يتم بيعها بثمن بخس لا يتجاوز العشرة دراهم للواحدة في أحسن الأحوال، ليستغلها حرفيو الصناعة التقليدية الجلدية خصوصاً في مدينة فاس التي تشتهر بهذه الحرفة. وأصبحت جلود الأضاحي تقض مضجع المسؤولين عن الشأن المحلي في كل مدن المغرب، خصوصاً مع غياب خطط لجمعها وبيعها، ويصطدم هذا الأمر باعتقاد الكثير بأن بيع جلد الأضحية حرام، فيما يختار آخرون وهبها لمالية المسجد لتصبح متراكمة في الشوارع بشكل مزعج. ونظراً لما لها من أهمية في الصناعة الجلدية، فقد كان لزاماً على القطاع الحكومي المعني أن يضع برنامجا وطنيا وجهويا لمعالجة تراكم الجلود في الشوارع التي تتسبب في انبعاث الروائح بشكل فضيع. ويربط كثيرون اختفاء الهيضورة وتراجع قيمتها داخل منازل المغاربة بتوفر البديل المتنوع في الأسواق بأثمان مناسبة تدفع النسوة إلى اقتنائها لتجنب تعب إعداد الهيضورة؛ لكن هناك أيضاً دافع صحي يجعل العديد ينفر منها، خصوصًا الذين يعانون من الحساسية سواء الصغار أو الكبار إن تحول عادات المغاربة تجاه جلود الأضاحي يضيع ملايين الدراهم؛ فقد أفادت إحصائيات الجامعة المغربية للصناعات الجلدية بأن هذه المناسبة الدينية تعرف ضياع ما يزيد عن 75 مليون درهم في يوم واحد، بسبب الطريقة العشوائية التي يتعامل بها المغاربة مع "هيضورة" الأضحية التي يمكن أن تضيع في ظرف أيام معدودة لتصبح نفاية ستحرق في النهاية. وإذا قدرنا أن الطلب على الأضاحي يصل إلى حوالي خمسة ملايين رأس، حسب أرقام وزارة الفلاحة، لهذه السنة، فإن الأمر يمثل نسبة مهمة من المادة الأولية لحرفيي الصناعة التقليدية، الذين يسهرون في أوراش الدباغة على تحويلها إلى جلد صالح ثم صناعة تقليدية تباع بأثمنة باهظة في بعض الأحيان.