تحول قضاء العطلة الصيفية في أرض الوطن بالنسبة لمغتربين جزائريين إلى ما يشبه الكابوس السنوي؛ بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السفر جوا وبحرا، ما جعل الكثير منهم يحجمون عن العودة أو تغيير الوجهة نحو تونس والمغرب أو أوروبا. لوحظ ارتفاع أسعار تذاكر السفر إلى الجزائر صيفا، اعتبارا من سنة 2008، أي بعد عامين من تدشين مطار العاصمة الدولي هواري بومدين، وارتفاع حجم حركة المسافرين. وبتبني ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عام 2005 انتهت ما تسمى ب"العشرية السوداء"، وهي سنوات العنف بين الدول وجماعات مسلحة في تسعينيات القرن الماضي. وساهم استتباب الأمن بالجزائر في دفع المهاجرين، وخاصة في فرنسا، للعودة صيفا إلى بلدهم، لقضاء العطلة وسط الأهل والأصدقاء. تهديد بمقاطعة وبرزت مطالب للجاليات الجزائرية في الخارج تنادي بخفض أسعار تذاكر السفر، خاصة لشركات الطيران، لتمكين المغتربين من العودة إلى وطنهم، لقضاء عطلة الصيف بين الأهل والأحباب. ودعت جمعية جزائريو الضفتين (ضفتا البحر الأبيض المتوسط)، ومقرها باريس، وزارة النقل إلى التدخل العاجل لضبط أسعار الرحلات الجوية، التي "جن جنونها"، وفق بيان للجمعية. وهددت الجمعية (غير حكومية) بمقاطعة الخطوط الجوية الجزائرية وبقية الشركات التي تسير رحلات إلى الجزائر. وأضافت أنه يوجد شبه اتفاق غير معلن بين الخطوط الجوية الجزائرية وشركات الطيران الأجنبية، التي تسير رحلات إلى الجزائر، للإبقاء على أسعار التذاكر في مستوى مرتفع للغاية. وتابعت أنه من غير المعقول أن يبلغ سعر رحلة باريس- الجزائر 800 يورو (ذهابا وإيابا)، بينما يمكن السفر من باريس إلى نيويورك، بداية من 450 يورو ذهابا وإيابا، وإلى الصين بداية من 550 يورو. وتتراوح سعر تذكرة هذه الرحلة في بقية العام بين 180 و500 يورو. وتساءلت الجمعية إن كان سعر التذكرة يبلغ في العطلة الصيفية 800 يورو للفرد الواحد، فما بالك بالعائلة المكونة من أربعة أو خمسة أفراد ؟ ووشددت على أن السلطات الجزائرية مطالبة بالتدخل لمعالجة هذا المشكل، أو أن المغتربين سيقاطعون شركات الطيران التي تسير رحلات إلى الجزائر. لا نية لتخفيضات النائب عن الجالية الجزائرية في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، نور الدين بلمداح، قدم في يونيو الماضي، طلبا للسلطات لتخفيض تذاكر السفر على الجوية الجزائرية والشركة الحكومية للنقل البحري للركاب، وخاصة للعائلات. وسبق لوزير النقل، عبد الغني زعلان، أن صرح بأن أسعار تذاكر الخطوط الجوية غير قابلة للمراجعة حاليا، بالنظر إلى وضع الشركة المالي الهش. وتستحوذ الخطوط الجزائرية على 95 بالمائة من حركة الملاحة الجوية الداخلية، إضافة إلى شركة طيران "الطاسيلي" الحكومية، المملوكة كليا لشركة المحروقات (الوقود) "سوناطراك". ومنذ سنوات، تعاني "الجوية الجزائرية" متاعب مالية. واستفادت الشركة، في مارس الماضي، من إعادة جدولة ديونها لدى بنوك دائنة، ضمن عملية لتجديد أسطولها انطلقت عام 2013، حيث تم تمديد آجال التسديد حتى 2021. وتسير الخطوط الجزائرية، المملوكة كليا للدولة، رحلات لنحو 43 وجهة دولية، إضافة إلى 32 وجهة داخلية، وتمتلك أسطولا من 59 طائرة، ونحو تسعة آلاف و600 موظف. وأعلن المدير التجاري للخطوط، زهير هواوي، في 26 يوليوز المنقضي، أنه لا يوجد مجال لتخفيض أسعار تذاكر الشركة، واعتبر أنها تنافسية مقارنة بالشركات الأجنبية، وخاصة الفرنسية. وقال هواوي، على هامش انطلاق أول فوج للحجاج الجزائريين إلى البقاع المقدسة: "لا تنتظروا تخفيضات في أسعار التذاكر، وخاصة في العطلة الصيفية". أسعار صادمة وهناك قرابة خمسة ملايين جزائري في فرنسا وحدها، ونحو سبعة ملايين في بقية دول العالم، وفق تقديرات غير رسمية. وقال نائب الجالية الجزائرية عن أوروبا وأمريكا، نور الدين بلمداح، إن "مستوى أسعار تذاكر السفر صيفا نحو الجزائر لا يشجع إطلاقا على قضاء العطلة داخل أرض الوطن". وأضاف بلمداح، في تصريح للأناضول، أن "الأسعار المطبقة حاليا بين وجهات أوروبية والجزائر تفوق بكثير وجهات أخرى طويلة المدة، على غرار باريس- نيويورك أو باريس- بكين". وتابع: "اتصل بي مهاجر مقيم في مدينة ميلانو الايطالية وهو مصدوم بعد أن وجد سعر التذكرة 680 يورو إلى الجزائر العاصمة". وأوضح أنه طلب من الرئيس التنفيذي للخطوط الجزائرية اعتماد تخفيضات على تذاكر السفر للمغتربين، فرد عليه بأنه لا وجود لمخطط من هذا القبيل. هوة بين الجزائر والمهاجرين فيما دعا نائب الجالية الجزائرية عن فرنسا، سمير شعابنة، إلى "فتح السماء الجزائرية للمنافسة حتى تكون هناك أسعار في المتناول". وأضاف شعابنة، في تصريح للأناضول، أنه "تم تقديم مقترحات بأسعار في المتناول إلى الحكومة الجزائرية، لكن الوعود تكررت وبقيت مجرد حبر على ورق". وحذر من أن "بقاء أسعار تذاكر السفر الجوية والبحرية في مستويات خيالية سيزيد من الهوة بين المهاجرين الجزائريين، وخاصة من الأجيال الصاعدة، وأرض أجدادهم". وزاد بأن "المغاربة والتونسيون في فرنسا لهم إمكانية السفر بأسعار معقولة، بينما يجد الجزائريون صعوبات كبيرة خلال كل صيف للعودة إلى أرض أجدادهم". وشدد على أن "اعتماد أسعار نقل جوي وبحري معقولة سيجعل المهاجر الجزائري يأتي خمس أو ست مرات سنويا إلى بلده، ما سيساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وخاصة شركات الطيران". وختم شعابنة بالتلميح إلى "وجود ما يشبه اتفاقا بين الخطوط الجوية الجزائرية والشركات الأجنبية، التي تسير رحلات إلى الجزائر، للإبقاء على أسعار التذاكر في مستويات خيالية". *وكالة أنباء الأناضول