كثيرة هي العوامل التي أدت إلى الاحتقان الاجتماعي بالمغرب، وأججت الحراكات الاحتجاجية التي طبعت مرحلة ما بعد "الربيع العربي". لكن هناك خطرا حقيقيا يتهدد ما تبقى من الاستقرار الهش للمغرب؛ فبالإضافة إلى حجم الهشاشة الذي يعرفه الوضع الاجتماعي بالبلد، نجد أن الطبقة المتوسطة، والتي تعد صمام أمان وضابطا اجتماعيا ومحركا للاقتصاد، باعتبارها القوة الأولى المنتجة والمستهلكة والمؤدية للضرائب في آن واحد، تتآكل شيئا فشيئا، وبدأت في الانحدار نحو مساحة الفقر، في ظل تأزم واشتداد الوضعية الاقتصادية لبلدنا. هناك مؤشر واحد فقط كاف لينذر بقرب تفجر أزمة اقتصادية واجتماعية أخطر من التي عرفها المغرب إبان مرحلة التقويم الهيكلي في ثمانينيات القرن الماضي، ألا وهو المستوى المرتفع لمديونية الأسر Surendettement الذي بلغ نسبة 30% من الناتج الداخلي الإجمالي، بزيادة نسبة 4.4% في 2017 مقارنة بسنة 2016 (64% قروض عقارية، 36% قروض الاستهلاك...)؛ في حين لا تتعدى هذه النسبة 23% في أغلب الدول الأوروبية المتقدمة. هذا المؤشر، وإن أشارت إليه تقارير بنك المغرب السنوية، إلا أنها لا تتطرق عن علم أو عن جهل للمخاطر المرتبطة به وانعكاساته الوخيمة على اقتصاد المغرب على المدى المتوسط والبعيد. وإذا أضفنا إلى ذلك معطى تصنيف المغرب ضمن أكثر الدول مديونية في العالم، إذ حل حسب تقرير مؤسسة ماكينزي 2015 في المرتبة 29 عالميا، وفي الرتبة الأولى إفريقيا وعربيا بنسبة دين عام (الحكومي والشركات والأسر) بلغت 136% من ناتجه الداخلي الخام؛ وبصرف النظر عن علاقة الدين بخلق القيمة المضافة باعتباره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في ظل النظام الاقتصادي النيوليبرالي (الهش هيكليا) الذي يحكم العالم، إذ بلغت نسبة الدين العام العالمي 317.8% من الناتج الإجمالي العالمي/ وهو رقم قياسي مخيف سأحاول التفصيل في تداعياته في مقال آخر، فإن استفحال المديونية مع تدهور القدرة الشرائية لدى الطبقة المتوسطة في المغرب - حيث لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات السوق وقدرة الاستهلاك بسبب ارتفاع الأسعار، ما يضطرها إلى اللجوء إلى الاقتراض لتغطية العجز - سيؤدي حتما إلى انقراضها، وغيابها سيؤدي إلى انهيار كلي للمجتمع وتوسيع دائرة الفقر؛ وهو ما سيؤدي إلى فتح باب المجهول في وجه المغرب. ولا نعرف ما يكون بعد ذلك لا سمح الله. المطلوب هو اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل دعم القدرة الشرائية، أهمها الرفع من الأجور، ووضع حد ل"السيبة" التي يعرفها سوق قروض الاستهلاك. أما خروج البلد من أزمته الاقتصادية المزمنة فيتطلب إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، أولها وضع خطة من أجل تقليص التبعية الاقتصادية لصندوق النقد والبنك الدوليين في أفق تحقيق الاستقلال التام عن هذه المؤسسات وفرض سيادة اقتصادية للمملكة. المصادر: • تقرير بنك المغرب: http://www.bkam.ma/Publications-statistiques-et-recherche/Publications-institutionnelles/Rapport-annuel-sur-la-supervision-bancaire/Rapport-annuel-sur-la-supervision-bancaire-exercice-2017 • تقرير معهد المالية الدولية: https://www.iif.com/publication/global-debt-monitor/global-debt-monitor-july-2018 • تقرير مؤسسة ماكنزي : https://www.mckinsey.com/featured-insights/employment-and-growth/debt-and-not-much-deleveraging