عادت الدعوات إلى إطلاق الرصاص على الجانحين من طرف عناصر الأمن لتطفو على سطح النقاش العمومي، بعد بثّ مقطع "فيديو" صُوِّر في مدينة فاس، يظهر فيه جانح وهو يلوّح بسلاح أبيض، عبارة عن سيف، في وجه عدد من أفراد الشرطة الذين كانوا حاملين مسدّسات، لكنهم لم يبادروا إلى إطلاق الرصاص لشلِّ حركته. تعامُل عناصر الشرطة مع "جانح فاس" خلّف ردودَ فعل متباينة من طرف عدد من المواطنين المغاربة؛ ففيما اعتبر بعضهم أنّه كان مناسبا، نظرا لأنّ الحق في الحياة من الحقوق الأساسية التي يكفلها دستور المملكة، انتقد آخرون "البرودة" التي تعاملت بها الأمنيون مع الجانح، معتبرين أنّه كان عليهم أن يطلقوا عليه الرصاص، لأنه كان يشكّل خطرا على أرواحهم، وعلى أرواح المواطنين الذين كانوا في مسرح الحادث. وسارع نشطاء إلى إطلاق حملة على موقع "فيسبوك"، تحت وسم "الشعب يريد إطلاق النار على المجرمين.. أيها الشرطي لا رحمة مع المجرم، من أجل سلامة أختك وأمك وابنك وبنتك". ولاقت هذه الحملة تأييدا من طرف عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أنّ الحل الوحيد لمواجهة موجة الإجرام في المملكة هو إطلاق الرصاص على الجانحين. يتساءل سمير معلقا على حادثة تهديد جانحِ فاس لعناصر الشرطة: "واحد هاز جوج سيوفا، مروع حوما كاملة، أكثر من عشرة رجال أمن مسلحين، ويوجهون أسلحتهم نحوه، وهو لازال يعربد ويهاجم في كل اتجاه ويهدد رجال الأمن..وا بزاف على هاد التساهل تاني، واش داك السلاح عاطينوليكوم ديكور؟..أشمن هيبة بقات عند البوليس حتى في علاقتهم مع باقي الجانحين، وخصوصا في حي مثل ذاك لي نسب الإجرام فيه قياسية؟". مؤيّدو إطلاق الرصاص على الجانحين علّلوا موقفهم بكون عناصر الأمن تعمد إلى ذلك حتى في الدول الديمقراطية. لكنّ هذا الطرحَ لاقى معارضة من طرف عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يروْن أنَّ عناصر الشرطة يجب أن تتفادى إطلاق النار ما أمكن، وأن تعمد إلى نهج تدابير أخرى لشلّ حركة الجانحين، دون المس بحقهم في الحياة، وأنْ يكون إطلاق الرصاص الحي "آخر دواء". في هذا الإطار، يقول الناشط الحقوقي عزيز إدامين إنّ ممارسة الدولة ل"العنف المشروع" من أجل حماية وضمان الأمن في المجتمع يجب أن يكون مقيّدا بشروط، مبرزا أنَّ عناصر الأمن يمكنها أن تستخدم سلاحها الوظيفي من أجل شلِّ حركة أي جانح خارج القانون وغير مسيطر عليه، بشكل تديريجي، يبدأ بإطلاق النار في الهواء، من أجل تخويفه، وإذ لم تثمر هذه العملية أي نتيجة يتم إطلاق النار في اتجاه الرِّجْل أو اليد أو أي مكان لشلّ حركته دون قتله. واعتبر إدامين، في تصريح لهسبريس، أنَّ تصرف عناصر الأمن في حادثة فاس بعدم إطلاقها الرصاص على الجانح كان في محله، وأنها تحلّت ب"ضبطِ نفس راقٍ". وفي المقابل انتقد إدامين ردود نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا أنّ عناصر الأمن كان عليها أن تطلق الرصاص، ومنهم من طالب باستهداف الرأس مباشرة، معتبرا أنّ هذا الرأي "غير سليم". واستطرد الناشط الحقوقي بأنَّ عناصر الأمن التي كانت في مسرح الواقعة تملك وحدها تقدير كيفية التعامل مع الجانح، معتبرا أنَّ تقدير الأمنيين استعمال نوع من التهدئة مع التحكم في وضعية الجانح أعطى نتائجه، دون استعمال الرصاص. وأكد إدامين أنّ الرصاص الحي ليس الحل الوحيد لمواجهة الجانحين، وأنّ هناك حلولا أخرى، كاستعمال أجهزة شَلّ الحركة، مثل الصعقة الكهربائية أو "الكريموجين"؛ "بينما تصويب الرصاص في اتجاه الرأس لا يتمّ إلا في حالات نادرة، يكون فيها رجُل الأمن مهدَّدا في حياته أو سلامته الجسدية"، محذرا من التماهي مع منطق "الأمن أولا ثم الحقوق"، كما حذّر من "أن تقودنا العاطفة إلى توقيع شيك على بياض للجهاز الأمني". وفي مقابل الدعوات المنادية بإطلاق الرصاص على الجانحين، ثمة أصوات أخرى ترى أنَّ الحدَّ من الإجرام يقتضي مقاربة وقائية؛ ومن بين هؤلاء سعيد، الذي يرى أنَّ "إطلاق النار لن يُجدي نفعا"، معتبرا أنّ "ظاهرة الإجرام لا يمكن محاصرتها لا بالسجن ولا بالرصاص، بل بتوفير العمل للشباب وتحسين ظروفهم ومد يد العون لهم والاستماع إلى مشاكلهم وبناء مؤسسات للتكوين...".