في الوقت الذي يعيش إقليم تنغير ظروفا مناخية صعبة بسبب موجة الحرارة، التي تجتاحه، مؤخرا، على غرار باقي مناطق الجنوب الشرقي، تعاني ساكنة مجموعة من الجماعات الترابية بثلاث دوائر (بومالن دادس، تنغير والنيف) أزمة الماء الصالح للشرب، نظرا إلى نضوب الآبار والثقوب المائية، التي كانت حتى الأمس القريب مصدر الساكنة من الماء. أزمة الماء الصالح للشرب، التي يمر بها إقليم تنغير هذه السنة، لم يشهدها من قبل، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية، عبر المندوبية الإقليمية للإنعاش الوطني بإقليم تنغير، إلى تخصيص اعتمادات مالية من أجل تزويد الساكنة بهذه المادة الحيوية بواسطة الصهاريج المتنقلة، في إطار برنامج محاربة الجفاف، لتجاوز هذه المرحلة في انتظار بداية موسم التساقطات المطرية. ورغم التدخلات التي قامت بها وزارة الداخلية والمندوبية الإقليمية للإنعاش الوطني بتنغير، فإن سكان عدد من الجماعات الترابية، خصوصا جماعة إكنيون، يطالبون بضرورة حل أزمة الماء الشروب، والبحث عن حلول تقي المنطقة من شبح العطش على المديين المتوسط والبعيد، معتبرين أن توزيع المياه بواسطة الصهاريج لا يمكن أن يحل الأزمة. ثورة تنتظر الاشتعال هل كتب على أبناء الجنوب الشرقي العيش في السجن بسبب الماء؟ سؤال طرحه عسو اميمون، من دائرة النيف بإقليم تنغير، الذي استحضر الاحتجاجات التي عرفها إقليم زاكورة السنة الماضية بسبب أزمة المياه الصالحة للشرب، مضيفا أن إقليم تنغير قد يخطو خطوات مماثلة لإقليم زاكورة في هذا الشأن، إن لم تتدارك الجهات المسؤولة الخصاص المهول في هذه المادة الحيوية. وأوضح عسو لجريدة هسبريس أنه يعرف أن أزمة الماء بإقليم تنغير تعود هذه السنة بالأساس إلى التغيرات المناخية وتراجع التساقطات المطرية، قبل أن يستدرك أن على الدولة البحث عن حلول آنية لإنقاذ الساكنة من شبح العطش، والعمل على إعداد خطة عمل على المدى المتوسط كحفر الآبار والثقوب الاستكشافية، في انتظار بناء سدود تلية وكبرى بالإقليم، مضيفا أن هذه الأخيرة هي الحل الذي يمكن أن ينقذ المنطقة من العطش على المدى البعيد. ولم يخف عدد من سكان جماعة إكنيون، في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس، أن تتسبب أزمة الماء الشروب في مظاهرات واحتجاجات لمطالبة الجهات المسؤولة بضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة المستفحلة، في ظل تراجع معدلات تساقطات الأمطار السنوية، والاستنزاف المتزايد للمياه الجوفية، داعين الوزارة الوصية على قطاع الماء إلى إعطاء هذا الموضوع كل ما يستحقه من أهمية، وتنفيذ توجيهات الملك محمد السادس، التي جاء بها في خطاب العرش الأخير. وأضافوا أن المنطقة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى بالعطش وهجرة الإنسان، مما يستوجب تدخلا عاجلا وآنيا لإعادة الأمور إلى نصابها، وفق تعبيرهم. في المقابل، كشف أحمد آيت بهادي، من ساكنة جماعة إكنيون، أن مجموعة من الآبار تم إغلاقها بالجماعة لأسباب مجهولة، رغم أنه صرفت عليها ميزانية كبيرة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وطالب وزارة الداخلية بإيفاد لجنة مركزية للبحث في مجموعة من المشاريع المائية، التي تم تمويلها من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم تنغير، وخصوصا جماعة إكنيون، للتأكد من سلامتها، مشيرا إلى أن هناك مشاريع مائية أخرى انطلقت بها الأشغال منذ سنوات ولم تكتمل بعد، أمام صمت مسؤولي المبادرة الوطنية، وفق تعبيره. الإنعاش الوطني يوزع 250 طنا يوميا من المياه وحسب المعطيات الرسمية، التي حصلت عليها جريدة هسبريس الالكترونية، حول حصة إقليم تنغير من برنامج محاربة آثار الجفاف من طرف وزارة الداخلية وعبر الإنعاش الوطني، فقد بلغ عدد الدواوير المستفيدة من توزيع الماء الشروب بواسطة الصهاريج بإقليم تنغير حوالي 65 دوارا، موزعة على ست جماعات تنتمي إلى ثلاثة دواوير، هي تنغير، بومالن دادس والنيف. وبلغ عدد الدواوير بجماعة إكنيون المستفيدة من الماء الشروب عبر الصهاريج 38 دوارا، بنسبة 12000 نسمة، فيما بلغ عدد الدواوير المستفيدة بجماعات النيف ومصيص وأحصيا 21 دوارا، بنسبة 11 ألف نسمة، وبلغ عدد الدواوير المستفيدة بجماعات تغزوت نايت عطا وواكليم بدائرة تنغير ستة دواوير، بنسبة 2000 نسمة، أي أن حوالي 26 ألف نسمة بإقليم تنغير هي التي تستفيد من الماء الشروب بواسطة الصهاريج. وتضيف المعطيات ذاتها أن وزارة الداخلية تقوم يوميا بتوزيع حوالي 250 طنا من الماء الصالح للشرب على الدواوير المعنية بالأزمة، مشيرة إلى أن 100 طن يتم توزيعها على دائرة تنغير، و100 طن على دواوير جماعة إكنيون، و50 طنا على جماعتي تغزوت نايت عطا وواكليم، أي حوالي تسعة لترات ونصف للفرد الواحد في ظرف 24 ساعة. لا مفر من السدود خطاب العرش الأخير، الذي ألقاه الملك محمد السادس من الحسيمة، لم ينس تسليط الضوء على موضوع الماء، والمشاكل التي تعانيها الساكنة في هذا الجانب، حيث قال الملك في خطابه: "إن حرصنا على النهوض بالأوضاع الاجتماعية، ورفع التحديات الاقتصادية، لا يعادله إلا عملنا على الحفاظ على الموارد الاستراتيجية لبلادنا وتثمينها، وفي مقدمتها الماء، اعتبارا لدوره الرئيسي في التنمية والاستقرار"، مضيفا أن "المخطط الوطني للماء يجب أن يعالج مختلف الإشكالات المرتبطة بالموارد المائية خلال الثلاثين سنة القادمة". كما أن الحكومة والمؤسسات المختصة مطالبة باتخاذ تدابير استعجالية، وتعبئة كل الوسائل لمعالجة الحالات الطارئة، المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح للشرب، وتوفير مياه سقي المواشي، خاصة في فصل الصيف، يضيف الملك، مشيرا إلى أنه "لهذه الغاية، ما فتئنا نؤكد على ضرورة مواصلة سياسة بناء السدود، التي يعد المغرب رائدا فيها. وقد حرصت على السير على هذا النهج، حيث تم بناء ثلاثين سدا من مختلف الأحجام خلال الثماني عشرة سنة الماضية". خطاب اعتبره عدد من المتتبعين للشأن العام بإقليم تنغير، خطة طريق للمسؤولين المعنيين قصد إعداد مخطط إقليمي خاص بالماء، والإسراع بإيجاد حلول عاجلة من أجل تدارك الخصاص والنقص المهول في الموارد المائية، مؤكدين أن السدود تعتبر الحل الوحيد لتجاوز الأزمة. وطالبوا السلطات المختصة بعدم التساهل مع بعض الأشخاص، الذين يحاولون عرقلة بناء السدود، باعتبارها مصدر المادة الحيوية ومصدر التنمية، وفق تعبيرهم. ولم يخف صالح موجان، وهو فاعل جمعوي بتنغير، تخوفه من هذه الأزمة التي يمر بها إقليم تنغير، مشيرا إلى أن الطبيعة تعتبر السبب الأول في المشكل، إضافة إلى العامل البشري، الذي يستنزف المياه بطريقة غير قانونية، ولا يراعي حاجيات المنطقة من هذه المادة. وطالب بضرورة الإسراع ببناء السدود، ومنع البناء في المناطق التي تعرف أزمة الماء، ومراقبة استغلال هذه المادة. وأضاف موجان، في تصريح لهسبريس، أنه لا يمكن الاختلاف حول الدور الذي يلعبه الماء في حياة البشر والشجر والحيوانات، موضحا أن "إثارة موضوع الماء في خطاب العرش دليل على أن البلاد تعرف أزمة ماء، كما هو دليل على حرص قائد البلاد على العمل لتجاوز الأزمة في الأعوام القادمة". وأضاف أنه يجب العمل على بناء سدود كثيرة ومهيكلة بإقليمي تنغير وزاكورة. اختلالات في توزيع الماء في حديثهم مع جريدة هسبريس الالكترونية، أكد عدد من أبناء جماعة إكنيون أن ساكنة المنطقة تؤدي فاتورتين على الماء الصالح للشرب، مشيرين إلى أن الإنعاش الوطني يؤدي فاتورة الماء الذي يتم إفراغه في الصهاريج، فيما تؤدي الساكنة فاتورة الماء الذي يأتيها من الصنابير، وهو الإجراء الذي أكدوا أنه يجب أن يتوقف إلى أجل لاحق. وقال داود أومرصيد، في تصريح مقتضب لجريدة هسبريس الالكترونية، إن بعض الأشخاص بمركز إكنيون ونواحيه لا يؤدون فاتورة استهلاكهم الشهري للماء، وأن "أشخاصا آخرين يأخذون الماء وراء العداد"، مضيفا أن هذه الاختلالات تتحمل فيها الجماعة والجهات المسؤولة المسؤولية. وأكد أن الماء يجب أداء فاتورته من قبل الجميع أو إعفاء الجميع من الأداء. ومن أجل أخذ تعليق مدير وكالة الحوض المائي لكير زيز غريس، في موضوع أزمة الماء والإجراءات المرتقب إجراؤها من قبل الوكالة لتجاوز الأزمة، حاولت هسبريس الاتصال به منذ بداية الأسبوع الجاري إلى غاية صباح الجمعة، إلا أن هاتفه ظل يرن دون مجيب.