عشقت الكلمة الأصيلة قبل اللحن، وحفظت قصائد وموازين الملحون في سن لا يتجاوز 13 سنة، وساهمت في إحياء سهرات وتكريم لرجال الدولة. لم يكن مسار الفنانة المغربية سناء مرحتي مفروشا بالورود، تسلحت بالصبر والمثابرة وصارعت من أجل البقاء على درب الملحون وسط ألوان موسيقية كبرى، فحفرت اسمها بين عمالقة فن الملحون المغربي، لتتوج هذا المسار الصامت بوسام ملكي. في حوار مع هسبريس، تتحدث أيقونة الملحون النسائي سناء مرحتي عن تجربتها في فن الملحون، وغياب النساء عن هذا اللون التراثي. بعد سنوات طويلة، طرحت مؤخرا أغنية "أحنا جيناك".. لماذا هذا الغياب؟ هذا الغياب يخص طرح أغان خاصة بي، لقد اشتغلت على عدد من الأغاني لكن لم أستطع طرحها إلى اليوم، لأنّني كنت دائمة التفكير في الفارق الذي يمكن أن يحدثه أي عمل فنّي سأطرحه. أغنية "أحنا جيناك" أحس بأنها نجحت فنيّا، أما جماهيريا فهذا واقع آخر ما دام النجاح أصبح يقاس بعدد المشاهدات والمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي. نعود إلى بدايتك الفنية، كيف تفسرين سر اهتمامك بفن الملحون؟ هذه العلاقة ليست وليدة اليوم، أنا تربيت على القصائد الزجلية لجدي، وعند محاولة وضع خطواتي الأولى في المجال الفني يمكن القول إن اختيار فن الملحون فرض عليّ من طرف والدي للاطمئنان عليّ ما دام كان له أصدقاء مقربون في هذا المجال، خاصة أنّ الجميع يعلم الصعوبات التّي يمكن أن تواجهها أي فتاة في الوسط الفني. هل هذا يعني أنّك وجدت سندا لمواصلة المسار الفني؟ على العكس تماما، لم يكن طريقي أبدا مفروشا بالورود، بدأت فن الملحون في سن 13 سنة، وأحييت سهرات فنية وخيرية بدون مقابل مادي، وكنت من بين الفنانات الأوائل اللواتي اخترن فن الملحون، واستطعت أن أثبت نفسي بإمكانياتي الشخصية فقط، في الوقت الذي فكرت فيه بالتعاقد مع شركة إنتاج تمّ استغلالي من طرفها، أنتجت لي ستة أقراص مدمجة لفنّ الملحون مقابل مبلغ زهيد أخجل من ذكره، لكن تحليت بصبر كبير من أجل المحافظة على هذا الموروث الثقافي الذي يزخر به بلدنا. ألم تغريك الشهرة والمال لتغيير مسارك نحو الأغنية الشبابية؟ التغيير نحو لون موسيقي آخر أو التخلي عن فن الملحون سيكون بمثابة البحث عن السهولة، وأنا لم أبحث عن ذلك منذ بداية مسيرتي الفنية، ولست مجبرة على الانسياق وراء حملة معينة. صحيح أنني لم أحظ بشهرة كبيرة على غرار فناني جيلي الذين اختاروا مسار الأغنية الشبابية بإيقاعات شرقية أو شعبية، لكن فن الملحون تظل مكانته سامية لدى متذوقي كلماته وألحانه، وهذا المسار اشتغلت عليه طيلة عشرين سنة ولا أستطيع التخلي عنه اليوم. هل تعتقدين أن التعاقد مع شركات الإنتاج يعيق مسار الفنان؟ مع الأسف الشديد، الوسط الفني أصبحت تتحكم فيه لغة الأرقام ونسب المشاهدة المحققة على موقع "يوتيوب"، صاحب شركة الإنتاج دائما يبحث في الفنان عن نجوميته وليس فنه، من خلال تجربتي السابقة لا يمكنني الاشتغال بشكل مقيد، ما استطعت تحقيقه إلى اليوم، وإن كان بسيطا، فأنا راضية عنه. في مقابل ذلك، أنا أشتغل على توثيق قصائد الملحون وألحانه "القياسات"، لأنّ شيوخ الملحون يرحلون تباعا، ومع رحيلهم أصبح هذا الفن مهددا بالزوال. فن الملحون له أغراض شعرية كبيرة وتحدث عن الاستعمار والحياة اليومية للمغاربة.