أجمع عدد من المهتمين بموضوع المنظومة البيئية والإيكولوجية على أن التغيرات المناخية التي عرفها الجنوب الشرقي للمغرب بشكل خاص، والمغرب عموما، منذ عقد ونصف العقد، تسببت في حدوث تغيرات خطيرة على المنظومة الجيولوجية والبيولوجية والمنظومة البيئية بشكل عام، موضحين أن المنظومة تواجه تهديدا بحدوث تغيير بيئي مفاجئ وخطير قد يتسبب في نهاية الحياة، إن لم تتخذ الإجراءات اللازمة لدرء هذا الخطر المترصد بالبيئة. لحسن رابح، الباحث المهتم بالتغيرات المناخية، لم يخفِ أن المنظومة البيئية والإيكولوجية للجنوب الشرقي للمغرب يمكن أن تصل إلى النهاية، خصوصا مع استمرار التناسل البشري وارتفاع معدلات الاستهلاك للموارد الطبيعية ووصول مستوى الإخلال بالبيئة والطبيعة مراحل متقدمة، موجها للإنسان بالدرجة الأولى أصابع الاتهام في هذا التدهور، لافتا إلى أن استغلال المفرط للموارد الطبيعية من قطع الأشجار والنباتات وصيد الوحيش وغياب برك مائية عوامل كلها تؤثر سلبيا على البيئة. مسؤول بالمندوبية الجهوية للمياه والغابات بالرشيدية كشف أن التغيرات المناخية التي يعرفها الجنوب الشرقي، على وجه الخصوص، تعدّ أهم تهديد بيئي يتعين على القطاعات الحكومية المتدخلة الإسراع في مواجهته خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى أن الدراسات التي أجريت في هذا الإطار بينت بوضوح أن الجنوب الشرقي يعتبر شديد الهشاشة حيال الانعكاسات المتوقعة لهذه الظاهرة. ولفت المسؤول ذاته، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته للعموم، نظرا إلى حساسية الموضوع، حسبه، إلى أن الانعكاسات المذكورة تتمثل بشكل خاص في ارتفاع معدلات الحرارة، وانخفاض كبير في معدل تساقطات الأمطار والثلوج، بالإضافة إلى حدة وتواتر الظواهر المناخية القصوى على غرار الجفاف طويل المدى وموجات الحر الشديدة. التأقلم مع التغيرات المناخية ميمون المزواري، باحث متخصص في المجال البيئي والإيكولوجي، أكد أن موضوع التغيرات المناخية وآثارها السلبية على المنظومة البيئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن تتدخل الجهات المختصة لعقد لقاءات وندوات من أجل الوصول إلى حلول في هذا الإطار. وأوضح ابن الرشيدية أن الجنوب الشرقي يمكن اعتباره في العقود المقبلة من بين المناطق التي ستصل فيها الحياة إلى نهايتها، بفعل هذه المظاهر السلبية واستمرار الإنسان في التخريب البيئي واستغلال غير عقلاني للموارد الطبيعية، وفق تعبيره. وذكر المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبا على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية وعلى الاقتصاد المحلي بصفة عامة، متوقعا أن تزيد التغيرات المناخية من الضغوطات الحالية على الفلاحين والمساحات المزروعة التي يستغلونها، كما أن عديدا من الأنشطة الفلاحية والنباتات "الخلاوية" قد لا يمكن لها في المستقبل أن تتأقلم مع هذه الظروف المناخية الصعبة. وعن الدور الذي تلعبه القطاعات الرسمية من أجل التأقلم مع التغيرات المناخية، أوضح مصطفى فوزي، عن الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أن الوكالة قامت في الثلاث سنوات الأخيرة بإنجاز العديد من المبادرات الهادفة إلى تشخيص تضرر المنظومات البيئية والقطاعات الاقتصادية من التغيرات المناخية في أقاليم الجنوب الشرقي، مستدركا أن هذه التدخلات رافقت وضع إستراتيجيات وخطط التأقلم مع هذه الظاهرة العالمية. وأضاف المتحدث أن هذه البرامج والمشاريع الأخرى التي تنجزها الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان تسهم في دعم الجهود المتعلقة بالتأقلم مع التغيرات المناخية، خصوصا في مجالات حماية البيئية والمحافظة على التنوع البيولوجي والمنظومات الطبيعية ومقاومة التصحر والعناية بتشجير الغابات واستغلال المستعملة المعالجة لتخفيف الضغط قدر الإمكان على الموارد المائية الطبيعية. منع الصيد وتشجيع تربية النحل وحسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية، خلال إعدادها لهذا الروبورتاج، من فعاليات مدنية وحقوقية، أكدت أن المرحلة الراهنة والجافة التي يتمر منها الجنوب الشرقي تستوجب من الدولة التدخل لمنع صيد الوحيش قصد حمايته والمساهمة في التكاثر لضمان التوازن البيئي، مشددين على أن الجفاف يقهر الطبيعة من جهة والعامل البشري أيضا من جهة؛ وهو مما ينذر بكارثة بيئية مستقبلا. والتمس عدد من هؤلاء الجمعويين ضرورة منع الصيد بالجنوب الشرقي لمدة عشر سنوات، من أجل إعادة انتشار الوحيش التي يعتبر أهم ركائز التوازن البيئي، وفق تعبيرهم، مشددين على أن مطلبهم هذا جاء بعد إجرائهم دراسة وبحث في جميع الجبال الواقعة بالجنوب الشرقي والتي كانت بالأمس القريب مأوى لعدد كبير من أنواع الوحيش والطيور. لحسن بيبيش، جمعوي من منطقة اكنيون بإقليم تنغير، أكد أن الصيد العشوائي للطيور والوحيش، خصوصا بجبال صاغرو، من أهم الأسباب المؤدية إلى تدهور المنظومة البيئية والإيكولوجية، موجها سهام الانتقاد إلى المياه والغابات كونها لا تراقب قطاعها الغابوي وتسمح لأصحاب النفوذ بالصيد ليل نهار وبدون الحصول على رخص، مستدركا أن "شباب صاغروا واكنيون بصفة عامة مستعدون هذا الموسم التصدي لهذه الظاهرة، ولو جاء الصياد بالترخيص، من أجل حماية ما تبقى من الوحيش والطيور"، وفق تعبيره. من جهته، قال الناشط الحقوقي إدريس فخر الدين إنه لا يمكن لاثنان أن يختلفا حول أن المنظومة البيئية بالجنوب الشرقي عموما متضررة بشكل كبير، منتقدا صمت المسؤولين في هذا المجال وعدم تحركهم لإيجاد حلول ملائمة قصد وضع حد لهذه الزاهرة الخطيرة، مشيرا إلى أن قطاع النحل يعتبر من بين القطاعات المساهمة في البيئة، ملتمسا تشجيع الناشطين فيه ومواكبتهم عبر برامج طموحة وهادفة. وأشار فخر الدين إلى أن قطاع تربية النحل في عدد من مناطق الجنوب الشرقي شهد عدة مشاكل تتمثل في تراجع كميات العسل ووفاة عدد كبير من النحل في عدد من المناطق، بسبب التخريب الذي لحق الأعشاب والنباتات الجبلية من قبل الإنسان، أمام صمت غير مسؤول وغير مفهوم من قبل الجهات المختصة. الرأي نفسه أكده داود غرغيز، مربي النحل بضواحي اغبالو نكردوس، الذي قال إن مربيي النحل يتوقعون أن تكون السنوات المقبلة الأسوأ، خصوصا في وفاة النحل وتراجع كميات العسل، مرجعا ذلك إلى التغيرات المناخية وقلة التساقطات المطرية، والسماح لبعض المقاولات بقطع الأعشاب والنباتات التي تقتات منها النحل. وطالب المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، الجهات المسؤولة عن تسليم رخص استغلال النباتات والأعشاب الجبلية لفائدة بعض المقاولات بالتدخل وعدم تسليم هذه الرخص للحفاظ على المنظومة، مشيرا إلى أنه "لا يعقل أن تبيع الجماعة أعشابا ونباتات مقابل دراهم معدودة دون مراعاة حاجيات المنطقة لها أولا". ملتمسا "من وزارة الداخلية التدخل عبر دورية لمنع تسليم هذه الرخص لمدة لا تقل عن عشر سنوات"، وفق تعبيره. إحداث سدود وبرك مائية مخاطر التغيرات المناخية وتراجع معدل تساقطات ثلجية عوامل كلها جعلت المئات من المواطنين ممن يتوفرون على إمكانات مادية الرحيل قصد الاستقرار بالمدن الداخلية، هروبا من شبح العطش، فيما الباقون يعلقون الأمل على الدولة من أجل إنشاء سدود وبرك مائية. موجان احدادو، فلاح بضواحي النيف، قال إن "مناطق الجنوب الشرقي لا يمكن حل مشاكل ندرة المياه بها بدون سدود"، موضحا "أن على الدولة أن تسهر على تنفيذ مخطط الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يعول على السدود لضمان الاكتفاء الذاتي من المياه الزراعية والشروب"، منتقدا "بطء الاشغال في بعض السدود التي يتم إنجازها مؤخرا، بالرغم من شبح الجفاف الذي يهدد البشر والبيئة"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث أن الدولة يجب أن لا تستمع لبعض التعرضات التي تجدها في بعض السدود، وأن تضع مصلحة المواطن والوطن فوق كل اعتبار، موضحا أنه لا يمكن تلبية رغبة حفنة من المواطنين مقابل وقف أشغال مشروع سيستفيد منه ملايين المواطنين على المديين المتوسط والبعيد، مختتما "أنصح الدولة بإعطاء الأهمية للسدود الكبرى والتلية أكثر من أي موضوع آخر من أجل إنقاذ المغرب من شبح العطش". مسؤول بكتابة الدولة المكلفة بالماء أكد أن توجيهات الملك محمد السادس كلها تصب في إنشاء السدود وقطاع الماء. وأوضح المصدر ذاته أن شرفات أفيلال، المسؤولة الحكومية المكلفة بقطاع الماء، قامت وتقوم منذ مدة بزيارة مجموعة من المناطق وأشغال بعض السدود قصد الإسراع في تشغيلها لصالح المواطنين، مشيرا إلى أن الوزارة ستقوم في غضون الأشهر المقبلة بإطلاق عشرات الدراسات الخاصة بالسدود الكبرى والمتوسطة.