كشفت نتائج دراسة أنجزها المرصد الوطني للتنمية البشرية أن نظام المساعدة الطبية "راميد" أدى إلى ضغط قوي على المستشفيات العمومية في المملكة، وأثر على جودة خدماتها، وتسبب في تآكل آلياها وإصابتها بأعطاب متكررة. واعتمد المرصد في تقييمه لهذا النظام على وضعية الحسابات المالية للمستشفيات الجهوية في مدن الرباط وفاس وبني ملال وسيدي قاسم، إضافة إلى نتائج بحث أنجز داخل المركزين الاستشفائيين الجامعيين بفاس والرباط، ولدى المستفيدين والأطر الطبية. وقالت الدراسة إن نظام المساعدة الطبية "راميد" حد من عدم المساواة الاجتماعية في الخدمات والرعاية الصحية؛ إذ ساهم بنسبة 50 في المائة في تطور التغطية الصحية الإجبارية في المغرب، بانتقالها سنة 2015 إلى 46.7 في المائة من الساكنة المغربية مقابل 33.7 في المائة فقط سنة 2010. لكن المرصد الوطني للتنمية البشرية وقف على انخفاض معدلات الزيارات الطبية للمستفيدين من نظام "راميد" في وضعية الفقر من 75 في المائة إلى 64.8 في المائة، ومن 70.2 في المائة إلى 60 في المائة بالنسبة للمستفيدين من "راميد" في وضعية هشاشة، إضافة إلى إشكالية تمويله. وعزا المرصد النقص في فعالية نظام "راميد" إلى زيادة التكاليف غير المباشرة، من النقل والإقامة والمرافقة، المرتبطة بحالات الانتظار التي يُعاني منها المرضى الذين غالباً ما يكونون غير مطلعين على المساطر المتبعة في مختلف المؤسسات الصحية، إضافة إلى الأداءات المباشرة. ضغط قوي على المستشفيات وتفيد خلاصات الدراسة بأن تعميم نظام "راميد" أدى بشكل غير مباشر إلى ضغط قوي على خدمات المستشفيات العمومية؛ الأمر الذي كانت له عواقب سلبية ومتوقعة على تنظيم العلاجات وجودتها، سواء على المستفيدين من النظام أو على غيرهم من المرضى على حد سواء. كما أدت الزيادة في الطلب على الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية إلى الرفع من المجهودات المطلوبة من العاملين مقابل عدم تسجيل مواردها البشرية أو المالية أي زيادات ملحوظة، وهو ما يزيد من خطر الخصاص في الأدوية ومختلف المواد المستهلكة. أكثر من ذلك، فقد خلص التقييم الذي أعده المرصد الوطني للتنمية البشرية إلى أن نظام "راميد" اقترن باستخدام مكثف للمعدات الطبية في المستشفيات العمومية، مما أدى إلى سرعة تآكلها وإصابتها بأعطال متكررة، وبالتالي توقف المنصات التقنية في غياب نظام صيانة ملائم. وبسبب هذه الوضعية، وبفعل انخفاض توجه المرضى القادرين على الأداء إلى المستشفيات العمومية، أصبحت مواردها الخاصة تُعاني، في الوقت الذي ارتفع فيه نشاطها بسبب تدفق المرضى المستفيدين من نظام المساعدة الطبية "راميد"، الذي أقره المغرب قبل سنوات. وتفيد معطيات الدراسة بأن "العبء الفعلي الذي تتحمله المستشفيات لا تتم تغطيته كما كان مخططاً له من قبل صندوق خارجي، ولا من خلال منحة الاستغلال المخولة للمستشفيات، لتجد هذه الأخيرة نفسها مضطرة لاستهلاك الموارد الخاصة على حساب ميزانيتها الاستثمارية". ويتجلى من الدراسة أيضاً أن نظام "راميد" لا يأخذ بعين الاعتبار الساكنة الأكثر فقراً، لأنه يعتمد آلية استهداف تشوبها جملة من نقاط الضعف؛ ذلك أن حوالي 27 في المائة فقط من الأسر التي تعيش تحت عتبة الفقر النسبي، وفق أرقام سنة 2015، وحوالي 11.4 في المائة من الأسر المنتمية للخمس الخامس ذات الدخل الأكثر ارتفاعاً، تستفيد فعلاً من "راميد". ما العمل؟ يقترح المرصد الوطني للتنمية البشرية، وهو مؤسسة عمومية، اتخاذ تدابير استعجالية لفائدة نظام "راميد"، منها تحقيق استقرار وتأمين للموارد المالية المخصصة للنظام عبر إدراج إيراداتها في بند من الميزانية، وإنشاء هيئة تدبيرية للاستجابة لمبادئ الحكامة، وتنفيذ سياسة التسعير والتسديد التي يحددها المشرع. كما أوصى المرصد بتحسين تنظيم الخدمات وفقاً لمقاربة مندمجة عبر تكييف العرض الصحي لكل جهة بشكل أفضل مع خصوصياتها، وتوفير التكنولوجيا الحديثة ووسائل نقل فعالة، من أجل التغلب على الإكراهات المادية المرتبطة بالعزلة الجغرافية. ومن توصيات المرصد أيضا، تحسين معايير التأهيل للاستفادة من نظام "راميد" لضمان الولوج إليه بشكل عادل مع منحه الدينامية الضرورية عبر إحداث السجل الاجتماعي الوحيد، ووضع نظام مندمج وفعال للمعلومات والإدارة الصحية لتتبع وتقييم تطور الأهداف المنوطة بالنظام.