دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَقَالَةٌ فِي فَلْسَفَةِ السَّفْسَطَة.الوَهْمُ الكَبِيرُ أَوَ هِيَ لُعْبَةُ الشَّيْطَانِ؟
نشر في هسبريس يوم 18 - 07 - 2018

رَجَعَ سِّي مُبَارَكُ إِلَى بَيْتِهِ مُبَكِّرًا عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ، اِسْتَقْبَلْتُهُ زَوْجَتُهُ وَسَأَلَتْ:
- "أَلَمْ تَجِدْ اليَوْمَ أيضاً عَمَلًا "؟ سَأَلْتْ وَهِيَ تُزَوِّدُ اِبْنَتَهَما الكُبْرَى الوَاقِعَةَ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَوَالِدِهِمَا، بِقَلِيلٍ مِنْ خُبْزٍ تَحْملُهُ مَعَهَا إِلَى المَدْرَسَةِ الَّتِي سَتَقْضِي فِيهَا بَقِيَّةَ نَهَارِهَا..
- أَجَابَهَا سِّي مُبَارَكُ: "اليَوْمَ كَالبَارِحَةِ لَا عَمَل". رَانَ صَمْتٌ عَمِيقٌ عَلَى المَشْهَدِ لِبِضْعِ دَقَائِقَ. ثُمَّ قَالَ سي مُبَارَك لِزَوْجَتِه: " لَلاَّ الضَّاوْيَا.... تَعْرِفِينَ... "قَاطَعَتْه زَوْجَتُهُ وَهِيَ تَعْرِفُ أَنَّ كَلِمَةً " لَلاَّ " لَا يَسْتَعْمِلُهَا سِّي مُبَارَكُ إِلَّا إِذَا تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِشَيْءٍ ذِي أَهَمِّيَّةٍ كُبْرَى: "غِيرْ قُولْ أَلحْبِيبْ"..
- "كُنْتُ اِشْتَرَيْتُ لَكِ ادْبَاَلَجْ دَذْهَبْ " قَبْلَ عَامَيْنِ....
- " نْعامْ اللهْ يَعْطِيكْ الْخِيرْ"
- تَعْرِفِينَ أَنَّ العَمَلَ يَأْتِي وَيَذْهَبُ، و"لِّي جَابْ الفلُوسْ البَارَحْ يِجِبْهُمْ غَدَّا"... وَسَكَتْ. قَالَتْ زَوْجَتُه: "وَمَاذَا أَيْضًا؟ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ؟"
- أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ جِهَازَ "الِّتِّلفِزْيونْ" أَصْبَحَ مِنْ العتاقة بِمَكَانٍ، وَأَنْ نَصِفَ أَلْوَانِهِ أَصْبَحْتْ سَوْدَاءَ وَالنِّصْفَ الآخَرَ هُوَ إِمَّا أَصْفَرٌ فَاقِعٌ أَوْ أَزْرَقٌ قَاتِمٌ. وَتَعْرِفِينَ مَا يَنْتَظِرُهُ الناسُ جَمِيعًا. "فَاللّهْ يْخَلّيكْ نْبِيعُ اذْهِيَّبْ وَنَشْرِوْ تِلِفِزْيُون جْدِيدْ". لَمْ تَتَفَوَّهْ لَلَّا الضَّاوْيَا بِكَلِمَةٍ، وَمَرَّ بِسُرْعَةٍ فِي دِمَاغِهَا مَا عَلَيْهمْ مِنْ دُيُونٍ ومن اِحْتِيَاجَاتِ بَنَاتِهِمَا المُتَعَدِّدَةِ وَالكِرَاءِ وَمَصْرُوفَاتِ المَدْرَسَةِ وَالمَاءِ وَالضَّوْءِ ووووو. تَعْرِفُ لَلَّا الضَّاوْيَا أَنَّ زَوْجَهَا إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ. وَرَجَعَتْ إِلَى حِكْمَتِهَا، وَفَضَّلْتْ أَنْ تَتَجَنَّبَ كُلَّ أَسْبَابِ "تَهْرِيسْ الرَّاسْ" وَرَفْع "ضَغْط الدَّمِ" وَ"اِرْتِفَاع السُّكَّرِ" بِأَنْ قَالَتْ لَسِّي مُبَارَك: "إِليَّ تَتْشُوفْ".
اِزْدَانَ البَيْتُ المُتَوَاضِعُ بِجِهَازِ تِلِفِزْيُونٍ مِنْ آخَرُ مَا صَنَعَتْ "سأمسونْﮔ". وَجَاءَ اليَوْمُ المَوْعُودُ. مُنْذُ بَدْءِ المُباراة والسِّي مُبَارَكُ أَمَامَ الجِهَازِ. يَهْتَزُّ، يُدَخِّنُ، يَفْتَرِسُ "بَنَاتِ القَرْعِ" المُمَلَّحَةِ، يَسْكُبُ كَأْسَ الشَّايِ عَلَى اللِّحَافِ، يَنْهَرُ البَنَاتِ إِذَا مَا أَبْدَيْنَ رَأْيًا فِي ذَاكَ أَوْ هَذَا مِمَّنْ يَتَحَرَّكُ طُولَ وَعَرْضَ الشَّاشَةِ، وَيَصْعَقُ صَعْقَ المَجْنُون إِذَا مَا تَكَدَّسَتْ الأَجْسَامُ وَاِخْتَلَطَتْ الأَقْدَامُ، وَيُرَدِّدُ كُلَّ لَحْظَةٍ: "عَشْرِينْ عامْ ما تَفَّرْطُوها" إِيَّاكُمْ اليَوْمَ. "أَيْوَهْ، اليَمِينْ اليَمِينْ، خَلْفَكَ خَلْفَك، ضَيْعَتَهَا يَا عَدُوَّ اللهِ، وَاوْ، تَمَهَّلْ تَمَهَّلْ، حِمَارْ بِغْلْ، هَذَا الذي يَتَحَكَّمُ فِي الأَمْرِ. آَيْ.... فَعَلَهَا عَدُوُّ اللهِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الوَقْتِ إِلَّا قَلِيلٌ". يَتَعَذَّبُ السي مُبَارَكُ وَعَيْنَاهُ مَشْدُودَتَانِ بِخُيُوطِ الضَّوْءِ المُنْسَكب عَلَى الزُّجَاجِ الصقيل. وَيَتَحَرَّكُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً. يُدَخِّنُ يَشْرَبُ مَرَّةً الشَّايَ وَأُخْرَى القَهْوَةَ،،، تَمُرُّ الدَّقَائِقُ سِرَاعًا وَهُوَ يُحَاوِلُ حَفْرَهَا عَلَى مِينَاء ساعَتِهِ لِكَيْ تَتَجَمَّدَ. لَا تَتَجَمَّدُ الدَّقَائِقُ... يَقْفِزُ مُشِيرَا ساعَتِهِ قَفْزَ تِلْكَ المَلْعُونَة الَّتِي عَذَّبَتْهُ. ويَتَردَّد الصَّفِيرُ فِي أُذْنَيْه ثَقِيلًا حاداً مُؤْلِمًا، يُعْلِنُ مَوْتَ رَغْبَتِهِ فِي حِضْنِ البِدَايَةِ ويُسَجَّلُ الهدفُ في شَبَكَةِ فريقه. وَمَا دَرَى السي مُبَارَكَ، كَيْفَ حَمَلَ حَجَرَةَ التَّيَمُّمِ الكَبِيرَةِ الَّتِي وَرِثَهَا عَنْ جَدِّهِ، وَقَذَفَ بِهَا بِنْتَ "سامْسُونْݣ" بِمَا أوتِيَه مِنْ قُوَّةِ المَهْزُومِ، حَيْثُ زَعَقَ المُّذيعُ زَعْقَةَ كَلْبٍ دَهَسَتْهُ سَيَّارَةٌ فِي غَفْلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَحَيْثُ اِنْسَكَبَ لَوْنُ الشَّاشَةِ خَلْفَ الزُّجَاجِ دُونَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ أَثَراً. "أُوَلِ فْلُوسْ ادْبَالْجْ" صَاحَتْ للا الضاويا بَعْدَ أَنْ اِنْطَفَأَ ضَوْءُ "سامْسُونْݣ".
فِي شَبِيهٍ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الحَرَكَاتِ الهِسْتِيرِيَّةِ الَّتِي عَاشَهَا السِّي مُبَارَكُ، وَفِي أَفْعَالٍ شَبِيهَةٍ بِأَفْعَالِهِ، فِي مَكَانِ "سوقِ الكُرة"، كَانَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، يُعِدُّ العُدَّةَ لِلذَّهَابِ إِلَى اللِّقَاءِ الكَبِيرِ المُنْتَظَر. مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ فَرْدٍ مِنْ أُسْرَتِهِ بِأَنَّ "الجُنُونَ الحُمْر" سَيَفْعَلُونَهَا. وَأَنَّ اليَوْمَ آتٍ لَا مَحَالَةَ. تَزَيِّنَ زِينَتَهُ الَّتِي هِيَ مِنْ طُقُوسِ حُضُورِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الحَفْلِ، وَوَضَعَ بَعْضَ أَصْبَاغٍ عَلَى وَجْهِهِ هِيَ مِنْ أَلْوَانِ عَلَمِ بَلَدِهِ، وَشَرِبَ بَعْضَ شَرَابٍ. قَالَ لُزَوْجَتِه: "لاَ بُدَّ أَنْ نَنْتَصِرَ". ضَحِكَتْ الزَّوْجَةُ وَدَعَتْ لِفَرِيقِهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ.
دَاخِلَ الفَضَاءِ الكَبِير المَلِيء بَشَراً المَلِيء صُدَاعاً المَلِيء تَحَفُّزًا. تَتَرَبَّعُ "الجَلْدَةُ المُنْتَفِخَةُ بِالهَوَاءِ" عَلَى نُقْطَةٍ بَيْضَاءَ رُسِمَتْ عَلَى العُشْبِ..... وَامْتَدَّتْ القَدَمُ إِلَى القَدَمِ، وَتَحَرَّكَتْ الأَجْسَادُ وَتَمَدَّدَ خَطَوُهَا بِعُنْفٍ وَقُوَّةٍ عَلَى مَدى خَمْسٍ وَثَمَانِينَ دَقِيقَةً....، مِنْ يَمِينٍ إِلَى شِمَالٍ وَمِنْ شِمَالٍ إِلَى يَمِينٍ... خِلَالَ هَذِهِ الدَّقَائِقِ المُتَرَاصَّةِ، كَانَتْ الأَعْيُنُ شَاخِصَةً تَتْبَعُ "الجَلْدَةَ"، وَكَانَتْ هَذِهِ تَجُرُّ خَلْفَهَا هَذِهِ الأَعْيُنَ بِعُنْفٍ، وَتَسْتَلُّ الصَّعيقَ مِنْ الحَنَاجِرِ بِعُنْفٍ. كَانَتْ هَذِهِ "الجَلْدَةُ" تَقْبَسُ النَّارَ فِي آلَافِ الأَجْسَامِ المُتَراصَّةِ المُكَدَّسَةِ: يَسَارٌ بِأَحَمَّرَ وَأَزْرَقٍ. وَشِمَالٌ بِأَبَيَضَ وَأَخْضَرٍ. وَمِنْ حِينٍ لِحِينٍ، كَانَ لَهِيبُ النَّارِ يَزْدَادُ وَيَزْدَادُ. يَتَحَوَّلُ مَارْكْ هَدَسْنَ إِلَى قُنْبُلَةِ غَضَبٍ ويصيح: مَا عَدَلَتْ "الجَلْدَةُ"، وَيَهُزُّ يَدَهُ الغَلِيظَةَ ويَكِزُ بِهَا صَاحِبَه عَدُوَّهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ. وَتَتَحَوَّلُ القَضِيَّةُ إِلَى سَيَّارَةِ إِسْعَافٍ وَسَيَّارَةِ شُرْطَةٍ. وَيَتْبَعُ هَذَا مُلَابَسَاتٌ وَأَحْدَاثٌ. لَقَدْ اِنْقَلَبَتْ "الجَلْدَةُ" إِلَى رُمْحِ قَتَلَ بِهِ مَارْكْ هَدَسْنُ صَاحِبَهُ عَدُوَّهُ، وَسَيَقْضِي المُودِّعُ زَوْجَتَهُ على أَمَلِ اللِّقاء القَريبِ، بَقِيَّةَ عُمْرِهِ فِي سَرَادِيبِ الظَّلَامِ.
وَتَظَلُّ "الجَلْدَةُ" تَتَدَحْرَجُ عَلَى الأَرْضِ بَيْنَ قَدَمٍ وَقَدَمٍ، يَتَحَوَّلُ السِّبَابُ إِلَى عِرَاكٍ، وَالعِرَاكُ إِلَى مَعَارِكَ. يَهْتَزُّ حَائِطٌ بَشَرِيٌّ مِنْ شِمَالِهِ لِيَسْقُطَ عَلَى يَمِينِهِ.. عَلَى رَأْسِ التَّاسِعِ وَالثَّمَانِينَ دَقِيقَةً، تتكوم "الجَلْدَةُ" وَتُصْبِحُ نَاراً مُلْتَهِبَةً تَحْرِقُ الشُّباكَ. يَمْتَدُّ الحَرِيقُ إِلَى الصُّفُوفِ المُتَرَاصَّةِ المُكَدَّسَةِ، يَتَحَوَّلُ الصُّعاقُ المُشَوَّشُ الحُرُوفِ إِلَى سِبَابٍ وَاضِح المَعَالِمِ،... فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا هَذَا "الهَيْكَلِ الخرافي" الَّذِي أَقَامُوهُ لِيَشْهَدَ أَعْرَاسَ كَوْمَةِ "جِلْدٍ وَهَوَاءٍ"، رَجُلٌ فِي الخَمْسِينَ مِنْ عُمْرِهِ، مُنْذُ كَانَ وَهُوَ يَرْحَلُ فِي رِكَابِ فَرِيقِهِ الَّذِي جَاءَ اليَوْمَ لِيَشْهَدَ تَحْقِيقَ "مُعْجِزَةِ" فَوْزِهِ بِالكَأْسِ. يتجَمَّدُ تسكن "الجَلْدَةُ" فسيحَ الشِّباكِ. يَشْعُرُ الخمسينيُّ بِالقَلْبِ يَنْتَفِضُ بِقُوَّةٍ بَيْنَ الضُّلُوعِ، يَصًّعَدُ الأَلَمُ فِي الصَّدْرِ، يَصْفَرُّ اللَّوْنُ، يَتَقَاطَرُ العَرَقُ، تتراخى عَضَلاتُ القَلْبِ وينطفئ الرجلُ.
وَتَظَلُّ "الجلْدَةُ" تَمْخَرُ عُبَابَ الرِّيحِ،.... لَوْنٌ أَزْرَقُ مِنْ شِمَالٍ، وَلَوْنً اِبْيَض مِنْ يَمِينٍ، أَقْدَامٌ بِلَى أَجْسَامٍ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ: رَفْسٌ وَقَفْزٌ وَدَفْعٌ وَقَذْفٌ وَصَعْقُ وتَماوجٌ وَشَتْمٌ وَعناقٌ ٌ: خُيُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ بِهَا يُنْسَجُ قَمِيصُ هَذَا "السُّوقِ" الخُرَافِيِّ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنْ أَوْهَامٍ، وَسَرَقُوا بِهِ أَمْوَالًا قد تُعِيلُ أُمَمًا، بِأَوْهَامٍ، وَبَاعُوا بِهِ أَفْرَادًا لَا هُمْ فِي العِلْمِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي الحِكْمَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي السِّيَاسِةِ فِي شَيْءٍ، بِأَمْوَالِ أَوْهَامٍ، وَاِسْتَنْزَفُوا أُمَمًا وَعْدًا بِإِقَامَةِ "السُّوقِ" بِين ظُهْرانَيْهم بِأَوْهَامٍ.
تَنْفَلِتُ شَرَارَةٌ مِنْ "الجَلْدَةِ"، وَمِنْ نَارِ الشِّبَاكِ لِتُحْرِقَ عَلَمَ أُمَّةٍ صَنَعْتْ كُلَّ جَيْشِهَا مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ عَلَيهِ، وتَنْتَقِلُ الشَّرَارَةُ لتُحْرِقَ عَلَمَ الجِهَةِ المُقَابَلَةَ أيضاً. وَتَزْحَفُ النَّارُ لِتُحَرِقَ كُلَّ مَا تَجِدُهُ فِي طَرِيقِهَا بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ. يَنْتَقِلُ السِّبَابُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ جُورْجْ وَعِيسَى، ويَصيرُ غَمْغَماتٍ بَيْنَ سَفِيرَيْنِ، ويتحول تَهْدِيدَاتٍ بَيْنَ رَئِيسَيْنِ ثم تَحَرَّشٌ بَيْنَ طَائِرَاتٍ وَدَبَّابَاتٍ. تَجْذِبُ "الجَلْدَةُ" ملاييرَ الأَعْيُنِ، وَزعَقَاتِ ملايير الحَنَاجِرِ، وَسَواعِدَ ملايير الأَجساد. وَيَخْتَلِطُ السَّوَادُ القَاتِمُ بالْأحْمَرِ الْقَانِي، وَتَعُمُّ أَحْوَالُ الكُرْهِ مُدُنًا وَدُولَا، وَتُعْلَنُ حَالَةُ الطَّوَارِئِ فِي عِمَارَةِ مَجْمَعِ الأُمَمِ، وَيَنْعَقِدُ المَجْلِسُ، وَيُرَفَعُ الﭬِيتُو، وَتَتَحَزَّبُ الأَحْزَابُ، وَتُقَاطِعُ دُولٌ دُوَلاً أُخْرَى، وَيَجْتَمِعُ مَجْلِسُ الأَمْنِ لِيَطْلُبَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَنْ يَلْعَنُوا الشَّيْطَانَ.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَحَرَّكَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَالَ فِي نَفْسِه: يَا لِي منْ مَاكَرٍ! فَيَدِي هِيَ الَّتِي رِفْعَتْ "التيمُومة=الحجرة" لِكَسْرِ "سأمسونݣ" اِّلسِّي مُبَارَك. وَقَبْضَةُ يَدي هِيَ الَّتِي قَتَلْت صَاحِبَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، وَيَدِي هِيَ الَّتِي أَسْكَتَتْ قَلَّبَ الرَّجُلُ الخمسيني، وَنَفَسِي هُوَ الَّذِي نَفَخَ فِي أَمْوَاجِ القَوْمِ الهَائِجَةِ فِي المُدَرَّجَاتِ لِيُسْقِطَ بَعْضَهَا عَلى بَعْضٍ، وَمَكْرِي هُوَ الَّذِي أَشْعَلَ الحُرُوبَ بَيْنَ أُمَمٍ وَأَمم، وَأَنَا نَخَّاسُ تِلْكَ السُّوقِ الَّتِي فِيهَا تَفَنَّنُوا فِي اِسْتِثْمَارِ الرِّبَى الكُرَوي، وَالَّتِي فِيهَا اُكْبُرُوا سُلْطَةَ الفَسَادِ، وَالَّتِي بَاعُوا فِيهَا بَشَرًا عُمْلَةً مُزَيَّفَةً ووو.عَادَ الشَّيْطَانُ إِلىِ وَعْيِهِ فَجْأَةٍ وَسَأَلَ:أَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ أنا كُلَّ هَذَا؟ "لاَلَ مَا نَقْدَرْ عَلَ هَذْ الشِّ". مَا أَظُنُّ أَيُّهَا الإِنْسَان الَّذِي غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ وَهْمُك، أنْ أكُونَ قادِراً علَى كُلِّ هذا، فَأَنْتَ الَّذِي بَرَعَتْ فِي صُنْعِ الأَوْهَامِ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَا وَأَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَاكَ، وَبَيْنَهُمَا "جَلْدَةٌ" تَتَلَكَّأُ بَيْنَ الأَقْدَامِ لِتَسْكُنَ "جِنَانَ" شَبَكَةٍ مِنْ خَيْطٍ. وَبَعْدُ!!!؟؟؟؟؟؟ وبعْدُ تَهْتَزُّ أُمَّةٌ كُلُّها فِي هِسْتِيرِيا بِالمَلَايِين تَزْعَقُ تَصِيحُ تَرْقُصُ رَقْصَ الأَهْوَجِ.... وَتَتْبَعُهَا أُمَمٌ أُخْرَى لَا هِيَ بِ"لفَرُّوجِ" وَلَا بِ"لْحَلُّوفِ", تُشَارِكُهَا سَكْرَةَ الحُمْقِ دُونَ أَنْ يُعْرَفَ لِمَاذَا وَمَاذَا يَعْنِي أَنْ تُسْكَنَ "جَلْدَةٌ" مَلِيئَةٌ هَوَاء" فَسِيحٍ شِبَاكٍ مِنْ خَيْطٍ. وَيُفْتَحُ قَصْرٌ شَامِخٌ لِاِسْتِقْبَالِ "أَبْطَالٍ" اِنْتَصَرُوا عَلَى "جَلْدَةٍ" وَأَدْخَلُوهَا عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنْفِهَا "شِجِنَ الخَيْطِ". كِبَارٌ مِنْ أَعْلَامٍ "يَجْرُونَ" مِنْ أَجْلِ قَهْرِ شَيَاطِينِ المَرَضِ وَتَرْوِيضِ مَارِدِ الطَّبِيعَةِ ووو، لَمْ يَدْخُلُوا قَصْرَ القَيْصَرِ المُنْتَشِي بِالاِنْتِصَارِ عَلَى "الجَلْدَةِ". أُسْكْ أيُّها الشَّيْطانُ، فلَمْ يَعُدْ التَّفْكيرُ بالرُّؤوسِ وإنَّما بالأَقْدامِ... وَيَبْقَى الجُوعُ وَالفَقْرُ وَالمَرَضُ وَالظُّلْمُ وَالاِسْتِبْدَادُ وَمَلَايِينُ المَحْرومينَ والمُهَجَّرينَ والمُهَاجِرينَ..... وَبَعْدُ !!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
*أستاذ فخري بجامعة محمد الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.