يوسف أيت أقديم يكتب: هل تٌنذر إدانة مارين لوبان بنهاية الديمقراطية في فرنسا؟    الجيش الملكي يرفع التحدي أمام بيراميدز المصري في ربع نهائي الأبطال    أكثر من 1500 شخص يستفيدون من عفو ملكي بمناسبة عيد الفطر    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بداية أبريل    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط ويتقبل التهاني بهذه المناسبة السعيدة    مسيرة حاشدة في طنجة تُحيي عيد الفطر تضامناً مع غزة    الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بعد أشهر من التوتر    أكثر من 122 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر رمضان للعام 1446    العفو الملكي يشمل عبد القادر بلعيرج بعد 17 عامًا من السجن بتهمة الإرهاب    الجيش يختتم الاستعدادات في القاهرة    منتخب الفتيان يستعد لمواجهة زامبيا    أكثر من 122 مليون مسلم اعتمروا بالحرمين الشريفين في شهر رمضان    عامل إقليم بولمان يؤدي صلاة عيد الفطر وسط حشود كبيرة من المصلين بمصلى ميسور    اختتام فعاليات الدورة الرابعة لملتقى تجويد وحفظ القرآن الكريم في اكزناية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    بعد إدانتها.. التجمع الوطني الفرنسي يطلق عريضة لدعم لوبان    الطقس غدا الثلاثاء.. سحب كثيفة وأمطار متفرقة    ارتفاع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 18.5 مليون في 2024    الجزائر ترضخ للضغوط الفرنسية وتنهي أزمتها مع باريس    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    الإمارات تقضي بإعدام قتلة "كوغان"    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    طواسينُ الخير    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يطيح بأوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَقَالَةٌ فِي فَلْسَفَةِ السَّفْسَطَة.الوَهْمُ الكَبِيرُ أَوَ هِيَ لُعْبَةُ الشَّيْطَانِ؟
نشر في هسبريس يوم 18 - 07 - 2018

رَجَعَ سِّي مُبَارَكُ إِلَى بَيْتِهِ مُبَكِّرًا عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ، اِسْتَقْبَلْتُهُ زَوْجَتُهُ وَسَأَلَتْ:
- "أَلَمْ تَجِدْ اليَوْمَ أيضاً عَمَلًا "؟ سَأَلْتْ وَهِيَ تُزَوِّدُ اِبْنَتَهَما الكُبْرَى الوَاقِعَةَ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَوَالِدِهِمَا، بِقَلِيلٍ مِنْ خُبْزٍ تَحْملُهُ مَعَهَا إِلَى المَدْرَسَةِ الَّتِي سَتَقْضِي فِيهَا بَقِيَّةَ نَهَارِهَا..
- أَجَابَهَا سِّي مُبَارَكُ: "اليَوْمَ كَالبَارِحَةِ لَا عَمَل". رَانَ صَمْتٌ عَمِيقٌ عَلَى المَشْهَدِ لِبِضْعِ دَقَائِقَ. ثُمَّ قَالَ سي مُبَارَك لِزَوْجَتِه: " لَلاَّ الضَّاوْيَا.... تَعْرِفِينَ... "قَاطَعَتْه زَوْجَتُهُ وَهِيَ تَعْرِفُ أَنَّ كَلِمَةً " لَلاَّ " لَا يَسْتَعْمِلُهَا سِّي مُبَارَكُ إِلَّا إِذَا تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِشَيْءٍ ذِي أَهَمِّيَّةٍ كُبْرَى: "غِيرْ قُولْ أَلحْبِيبْ"..
- "كُنْتُ اِشْتَرَيْتُ لَكِ ادْبَاَلَجْ دَذْهَبْ " قَبْلَ عَامَيْنِ....
- " نْعامْ اللهْ يَعْطِيكْ الْخِيرْ"
- تَعْرِفِينَ أَنَّ العَمَلَ يَأْتِي وَيَذْهَبُ، و"لِّي جَابْ الفلُوسْ البَارَحْ يِجِبْهُمْ غَدَّا"... وَسَكَتْ. قَالَتْ زَوْجَتُه: "وَمَاذَا أَيْضًا؟ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ؟"
- أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ جِهَازَ "الِّتِّلفِزْيونْ" أَصْبَحَ مِنْ العتاقة بِمَكَانٍ، وَأَنْ نَصِفَ أَلْوَانِهِ أَصْبَحْتْ سَوْدَاءَ وَالنِّصْفَ الآخَرَ هُوَ إِمَّا أَصْفَرٌ فَاقِعٌ أَوْ أَزْرَقٌ قَاتِمٌ. وَتَعْرِفِينَ مَا يَنْتَظِرُهُ الناسُ جَمِيعًا. "فَاللّهْ يْخَلّيكْ نْبِيعُ اذْهِيَّبْ وَنَشْرِوْ تِلِفِزْيُون جْدِيدْ". لَمْ تَتَفَوَّهْ لَلَّا الضَّاوْيَا بِكَلِمَةٍ، وَمَرَّ بِسُرْعَةٍ فِي دِمَاغِهَا مَا عَلَيْهمْ مِنْ دُيُونٍ ومن اِحْتِيَاجَاتِ بَنَاتِهِمَا المُتَعَدِّدَةِ وَالكِرَاءِ وَمَصْرُوفَاتِ المَدْرَسَةِ وَالمَاءِ وَالضَّوْءِ ووووو. تَعْرِفُ لَلَّا الضَّاوْيَا أَنَّ زَوْجَهَا إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ. وَرَجَعَتْ إِلَى حِكْمَتِهَا، وَفَضَّلْتْ أَنْ تَتَجَنَّبَ كُلَّ أَسْبَابِ "تَهْرِيسْ الرَّاسْ" وَرَفْع "ضَغْط الدَّمِ" وَ"اِرْتِفَاع السُّكَّرِ" بِأَنْ قَالَتْ لَسِّي مُبَارَك: "إِليَّ تَتْشُوفْ".
اِزْدَانَ البَيْتُ المُتَوَاضِعُ بِجِهَازِ تِلِفِزْيُونٍ مِنْ آخَرُ مَا صَنَعَتْ "سأمسونْﮔ". وَجَاءَ اليَوْمُ المَوْعُودُ. مُنْذُ بَدْءِ المُباراة والسِّي مُبَارَكُ أَمَامَ الجِهَازِ. يَهْتَزُّ، يُدَخِّنُ، يَفْتَرِسُ "بَنَاتِ القَرْعِ" المُمَلَّحَةِ، يَسْكُبُ كَأْسَ الشَّايِ عَلَى اللِّحَافِ، يَنْهَرُ البَنَاتِ إِذَا مَا أَبْدَيْنَ رَأْيًا فِي ذَاكَ أَوْ هَذَا مِمَّنْ يَتَحَرَّكُ طُولَ وَعَرْضَ الشَّاشَةِ، وَيَصْعَقُ صَعْقَ المَجْنُون إِذَا مَا تَكَدَّسَتْ الأَجْسَامُ وَاِخْتَلَطَتْ الأَقْدَامُ، وَيُرَدِّدُ كُلَّ لَحْظَةٍ: "عَشْرِينْ عامْ ما تَفَّرْطُوها" إِيَّاكُمْ اليَوْمَ. "أَيْوَهْ، اليَمِينْ اليَمِينْ، خَلْفَكَ خَلْفَك، ضَيْعَتَهَا يَا عَدُوَّ اللهِ، وَاوْ، تَمَهَّلْ تَمَهَّلْ، حِمَارْ بِغْلْ، هَذَا الذي يَتَحَكَّمُ فِي الأَمْرِ. آَيْ.... فَعَلَهَا عَدُوُّ اللهِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الوَقْتِ إِلَّا قَلِيلٌ". يَتَعَذَّبُ السي مُبَارَكُ وَعَيْنَاهُ مَشْدُودَتَانِ بِخُيُوطِ الضَّوْءِ المُنْسَكب عَلَى الزُّجَاجِ الصقيل. وَيَتَحَرَّكُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً. يُدَخِّنُ يَشْرَبُ مَرَّةً الشَّايَ وَأُخْرَى القَهْوَةَ،،، تَمُرُّ الدَّقَائِقُ سِرَاعًا وَهُوَ يُحَاوِلُ حَفْرَهَا عَلَى مِينَاء ساعَتِهِ لِكَيْ تَتَجَمَّدَ. لَا تَتَجَمَّدُ الدَّقَائِقُ... يَقْفِزُ مُشِيرَا ساعَتِهِ قَفْزَ تِلْكَ المَلْعُونَة الَّتِي عَذَّبَتْهُ. ويَتَردَّد الصَّفِيرُ فِي أُذْنَيْه ثَقِيلًا حاداً مُؤْلِمًا، يُعْلِنُ مَوْتَ رَغْبَتِهِ فِي حِضْنِ البِدَايَةِ ويُسَجَّلُ الهدفُ في شَبَكَةِ فريقه. وَمَا دَرَى السي مُبَارَكَ، كَيْفَ حَمَلَ حَجَرَةَ التَّيَمُّمِ الكَبِيرَةِ الَّتِي وَرِثَهَا عَنْ جَدِّهِ، وَقَذَفَ بِهَا بِنْتَ "سامْسُونْݣ" بِمَا أوتِيَه مِنْ قُوَّةِ المَهْزُومِ، حَيْثُ زَعَقَ المُّذيعُ زَعْقَةَ كَلْبٍ دَهَسَتْهُ سَيَّارَةٌ فِي غَفْلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَحَيْثُ اِنْسَكَبَ لَوْنُ الشَّاشَةِ خَلْفَ الزُّجَاجِ دُونَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ أَثَراً. "أُوَلِ فْلُوسْ ادْبَالْجْ" صَاحَتْ للا الضاويا بَعْدَ أَنْ اِنْطَفَأَ ضَوْءُ "سامْسُونْݣ".
فِي شَبِيهٍ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الحَرَكَاتِ الهِسْتِيرِيَّةِ الَّتِي عَاشَهَا السِّي مُبَارَكُ، وَفِي أَفْعَالٍ شَبِيهَةٍ بِأَفْعَالِهِ، فِي مَكَانِ "سوقِ الكُرة"، كَانَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، يُعِدُّ العُدَّةَ لِلذَّهَابِ إِلَى اللِّقَاءِ الكَبِيرِ المُنْتَظَر. مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ فَرْدٍ مِنْ أُسْرَتِهِ بِأَنَّ "الجُنُونَ الحُمْر" سَيَفْعَلُونَهَا. وَأَنَّ اليَوْمَ آتٍ لَا مَحَالَةَ. تَزَيِّنَ زِينَتَهُ الَّتِي هِيَ مِنْ طُقُوسِ حُضُورِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الحَفْلِ، وَوَضَعَ بَعْضَ أَصْبَاغٍ عَلَى وَجْهِهِ هِيَ مِنْ أَلْوَانِ عَلَمِ بَلَدِهِ، وَشَرِبَ بَعْضَ شَرَابٍ. قَالَ لُزَوْجَتِه: "لاَ بُدَّ أَنْ نَنْتَصِرَ". ضَحِكَتْ الزَّوْجَةُ وَدَعَتْ لِفَرِيقِهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ.
دَاخِلَ الفَضَاءِ الكَبِير المَلِيء بَشَراً المَلِيء صُدَاعاً المَلِيء تَحَفُّزًا. تَتَرَبَّعُ "الجَلْدَةُ المُنْتَفِخَةُ بِالهَوَاءِ" عَلَى نُقْطَةٍ بَيْضَاءَ رُسِمَتْ عَلَى العُشْبِ..... وَامْتَدَّتْ القَدَمُ إِلَى القَدَمِ، وَتَحَرَّكَتْ الأَجْسَادُ وَتَمَدَّدَ خَطَوُهَا بِعُنْفٍ وَقُوَّةٍ عَلَى مَدى خَمْسٍ وَثَمَانِينَ دَقِيقَةً....، مِنْ يَمِينٍ إِلَى شِمَالٍ وَمِنْ شِمَالٍ إِلَى يَمِينٍ... خِلَالَ هَذِهِ الدَّقَائِقِ المُتَرَاصَّةِ، كَانَتْ الأَعْيُنُ شَاخِصَةً تَتْبَعُ "الجَلْدَةَ"، وَكَانَتْ هَذِهِ تَجُرُّ خَلْفَهَا هَذِهِ الأَعْيُنَ بِعُنْفٍ، وَتَسْتَلُّ الصَّعيقَ مِنْ الحَنَاجِرِ بِعُنْفٍ. كَانَتْ هَذِهِ "الجَلْدَةُ" تَقْبَسُ النَّارَ فِي آلَافِ الأَجْسَامِ المُتَراصَّةِ المُكَدَّسَةِ: يَسَارٌ بِأَحَمَّرَ وَأَزْرَقٍ. وَشِمَالٌ بِأَبَيَضَ وَأَخْضَرٍ. وَمِنْ حِينٍ لِحِينٍ، كَانَ لَهِيبُ النَّارِ يَزْدَادُ وَيَزْدَادُ. يَتَحَوَّلُ مَارْكْ هَدَسْنَ إِلَى قُنْبُلَةِ غَضَبٍ ويصيح: مَا عَدَلَتْ "الجَلْدَةُ"، وَيَهُزُّ يَدَهُ الغَلِيظَةَ ويَكِزُ بِهَا صَاحِبَه عَدُوَّهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ. وَتَتَحَوَّلُ القَضِيَّةُ إِلَى سَيَّارَةِ إِسْعَافٍ وَسَيَّارَةِ شُرْطَةٍ. وَيَتْبَعُ هَذَا مُلَابَسَاتٌ وَأَحْدَاثٌ. لَقَدْ اِنْقَلَبَتْ "الجَلْدَةُ" إِلَى رُمْحِ قَتَلَ بِهِ مَارْكْ هَدَسْنُ صَاحِبَهُ عَدُوَّهُ، وَسَيَقْضِي المُودِّعُ زَوْجَتَهُ على أَمَلِ اللِّقاء القَريبِ، بَقِيَّةَ عُمْرِهِ فِي سَرَادِيبِ الظَّلَامِ.
وَتَظَلُّ "الجَلْدَةُ" تَتَدَحْرَجُ عَلَى الأَرْضِ بَيْنَ قَدَمٍ وَقَدَمٍ، يَتَحَوَّلُ السِّبَابُ إِلَى عِرَاكٍ، وَالعِرَاكُ إِلَى مَعَارِكَ. يَهْتَزُّ حَائِطٌ بَشَرِيٌّ مِنْ شِمَالِهِ لِيَسْقُطَ عَلَى يَمِينِهِ.. عَلَى رَأْسِ التَّاسِعِ وَالثَّمَانِينَ دَقِيقَةً، تتكوم "الجَلْدَةُ" وَتُصْبِحُ نَاراً مُلْتَهِبَةً تَحْرِقُ الشُّباكَ. يَمْتَدُّ الحَرِيقُ إِلَى الصُّفُوفِ المُتَرَاصَّةِ المُكَدَّسَةِ، يَتَحَوَّلُ الصُّعاقُ المُشَوَّشُ الحُرُوفِ إِلَى سِبَابٍ وَاضِح المَعَالِمِ،... فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا هَذَا "الهَيْكَلِ الخرافي" الَّذِي أَقَامُوهُ لِيَشْهَدَ أَعْرَاسَ كَوْمَةِ "جِلْدٍ وَهَوَاءٍ"، رَجُلٌ فِي الخَمْسِينَ مِنْ عُمْرِهِ، مُنْذُ كَانَ وَهُوَ يَرْحَلُ فِي رِكَابِ فَرِيقِهِ الَّذِي جَاءَ اليَوْمَ لِيَشْهَدَ تَحْقِيقَ "مُعْجِزَةِ" فَوْزِهِ بِالكَأْسِ. يتجَمَّدُ تسكن "الجَلْدَةُ" فسيحَ الشِّباكِ. يَشْعُرُ الخمسينيُّ بِالقَلْبِ يَنْتَفِضُ بِقُوَّةٍ بَيْنَ الضُّلُوعِ، يَصًّعَدُ الأَلَمُ فِي الصَّدْرِ، يَصْفَرُّ اللَّوْنُ، يَتَقَاطَرُ العَرَقُ، تتراخى عَضَلاتُ القَلْبِ وينطفئ الرجلُ.
وَتَظَلُّ "الجلْدَةُ" تَمْخَرُ عُبَابَ الرِّيحِ،.... لَوْنٌ أَزْرَقُ مِنْ شِمَالٍ، وَلَوْنً اِبْيَض مِنْ يَمِينٍ، أَقْدَامٌ بِلَى أَجْسَامٍ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ: رَفْسٌ وَقَفْزٌ وَدَفْعٌ وَقَذْفٌ وَصَعْقُ وتَماوجٌ وَشَتْمٌ وَعناقٌ ٌ: خُيُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ بِهَا يُنْسَجُ قَمِيصُ هَذَا "السُّوقِ" الخُرَافِيِّ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنْ أَوْهَامٍ، وَسَرَقُوا بِهِ أَمْوَالًا قد تُعِيلُ أُمَمًا، بِأَوْهَامٍ، وَبَاعُوا بِهِ أَفْرَادًا لَا هُمْ فِي العِلْمِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي الحِكْمَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُمْ فِي السِّيَاسِةِ فِي شَيْءٍ، بِأَمْوَالِ أَوْهَامٍ، وَاِسْتَنْزَفُوا أُمَمًا وَعْدًا بِإِقَامَةِ "السُّوقِ" بِين ظُهْرانَيْهم بِأَوْهَامٍ.
تَنْفَلِتُ شَرَارَةٌ مِنْ "الجَلْدَةِ"، وَمِنْ نَارِ الشِّبَاكِ لِتُحْرِقَ عَلَمَ أُمَّةٍ صَنَعْتْ كُلَّ جَيْشِهَا مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ عَلَيهِ، وتَنْتَقِلُ الشَّرَارَةُ لتُحْرِقَ عَلَمَ الجِهَةِ المُقَابَلَةَ أيضاً. وَتَزْحَفُ النَّارُ لِتُحَرِقَ كُلَّ مَا تَجِدُهُ فِي طَرِيقِهَا بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ. يَنْتَقِلُ السِّبَابُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ جُورْجْ وَعِيسَى، ويَصيرُ غَمْغَماتٍ بَيْنَ سَفِيرَيْنِ، ويتحول تَهْدِيدَاتٍ بَيْنَ رَئِيسَيْنِ ثم تَحَرَّشٌ بَيْنَ طَائِرَاتٍ وَدَبَّابَاتٍ. تَجْذِبُ "الجَلْدَةُ" ملاييرَ الأَعْيُنِ، وَزعَقَاتِ ملايير الحَنَاجِرِ، وَسَواعِدَ ملايير الأَجساد. وَيَخْتَلِطُ السَّوَادُ القَاتِمُ بالْأحْمَرِ الْقَانِي، وَتَعُمُّ أَحْوَالُ الكُرْهِ مُدُنًا وَدُولَا، وَتُعْلَنُ حَالَةُ الطَّوَارِئِ فِي عِمَارَةِ مَجْمَعِ الأُمَمِ، وَيَنْعَقِدُ المَجْلِسُ، وَيُرَفَعُ الﭬِيتُو، وَتَتَحَزَّبُ الأَحْزَابُ، وَتُقَاطِعُ دُولٌ دُوَلاً أُخْرَى، وَيَجْتَمِعُ مَجْلِسُ الأَمْنِ لِيَطْلُبَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَنْ يَلْعَنُوا الشَّيْطَانَ.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَحَرَّكَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَالَ فِي نَفْسِه: يَا لِي منْ مَاكَرٍ! فَيَدِي هِيَ الَّتِي رِفْعَتْ "التيمُومة=الحجرة" لِكَسْرِ "سأمسونݣ" اِّلسِّي مُبَارَك. وَقَبْضَةُ يَدي هِيَ الَّتِي قَتَلْت صَاحِبَ السَّيِّدُ مَارْكْ هَدْسْن، وَيَدِي هِيَ الَّتِي أَسْكَتَتْ قَلَّبَ الرَّجُلُ الخمسيني، وَنَفَسِي هُوَ الَّذِي نَفَخَ فِي أَمْوَاجِ القَوْمِ الهَائِجَةِ فِي المُدَرَّجَاتِ لِيُسْقِطَ بَعْضَهَا عَلى بَعْضٍ، وَمَكْرِي هُوَ الَّذِي أَشْعَلَ الحُرُوبَ بَيْنَ أُمَمٍ وَأَمم، وَأَنَا نَخَّاسُ تِلْكَ السُّوقِ الَّتِي فِيهَا تَفَنَّنُوا فِي اِسْتِثْمَارِ الرِّبَى الكُرَوي، وَالَّتِي فِيهَا اُكْبُرُوا سُلْطَةَ الفَسَادِ، وَالَّتِي بَاعُوا فِيهَا بَشَرًا عُمْلَةً مُزَيَّفَةً ووو.عَادَ الشَّيْطَانُ إِلىِ وَعْيِهِ فَجْأَةٍ وَسَأَلَ:أَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ أنا كُلَّ هَذَا؟ "لاَلَ مَا نَقْدَرْ عَلَ هَذْ الشِّ". مَا أَظُنُّ أَيُّهَا الإِنْسَان الَّذِي غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ وَهْمُك، أنْ أكُونَ قادِراً علَى كُلِّ هذا، فَأَنْتَ الَّذِي بَرَعَتْ فِي صُنْعِ الأَوْهَامِ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَا وَأَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يَجْرِي مِنْ هُنَاكَ، وَبَيْنَهُمَا "جَلْدَةٌ" تَتَلَكَّأُ بَيْنَ الأَقْدَامِ لِتَسْكُنَ "جِنَانَ" شَبَكَةٍ مِنْ خَيْطٍ. وَبَعْدُ!!!؟؟؟؟؟؟ وبعْدُ تَهْتَزُّ أُمَّةٌ كُلُّها فِي هِسْتِيرِيا بِالمَلَايِين تَزْعَقُ تَصِيحُ تَرْقُصُ رَقْصَ الأَهْوَجِ.... وَتَتْبَعُهَا أُمَمٌ أُخْرَى لَا هِيَ بِ"لفَرُّوجِ" وَلَا بِ"لْحَلُّوفِ", تُشَارِكُهَا سَكْرَةَ الحُمْقِ دُونَ أَنْ يُعْرَفَ لِمَاذَا وَمَاذَا يَعْنِي أَنْ تُسْكَنَ "جَلْدَةٌ" مَلِيئَةٌ هَوَاء" فَسِيحٍ شِبَاكٍ مِنْ خَيْطٍ. وَيُفْتَحُ قَصْرٌ شَامِخٌ لِاِسْتِقْبَالِ "أَبْطَالٍ" اِنْتَصَرُوا عَلَى "جَلْدَةٍ" وَأَدْخَلُوهَا عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنْفِهَا "شِجِنَ الخَيْطِ". كِبَارٌ مِنْ أَعْلَامٍ "يَجْرُونَ" مِنْ أَجْلِ قَهْرِ شَيَاطِينِ المَرَضِ وَتَرْوِيضِ مَارِدِ الطَّبِيعَةِ ووو، لَمْ يَدْخُلُوا قَصْرَ القَيْصَرِ المُنْتَشِي بِالاِنْتِصَارِ عَلَى "الجَلْدَةِ". أُسْكْ أيُّها الشَّيْطانُ، فلَمْ يَعُدْ التَّفْكيرُ بالرُّؤوسِ وإنَّما بالأَقْدامِ... وَيَبْقَى الجُوعُ وَالفَقْرُ وَالمَرَضُ وَالظُّلْمُ وَالاِسْتِبْدَادُ وَمَلَايِينُ المَحْرومينَ والمُهَجَّرينَ والمُهَاجِرينَ..... وَبَعْدُ !!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
*أستاذ فخري بجامعة محمد الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.