إن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، حين قرّر و حدّد اختياراته بوضوح و ثقة لم يعد يقبل التراجع عمى حققه من مكاسب دستورية، و لم يعد لديه من سبيل سوى الاستمرارية في مسلسل الإصلاحات و التغييرات الجذرية التي خاض غمارها باستمرار، ذلك أن التنمية الشاملة لا تكون متكافئة و متوازنة إذا لم تنطلق من أبعادها المحلية و الجهوية، و ذلك خيار صعبٌ يستلزم إرادة جماعية واعدة و طموحة و قادرة على مجابهة التحديات المنتظرة بوعيٍ و إصرارٍ. فقد وضع الملك محمد السادس لبنة الأساس لهذا المشروع التقدمي الذي يحدد بدقة عملية المفهوم الجديد للسلطة، مفهوم حداثي متطور تواكبه رعاية المصالح العمومية. و هي مصالح تقتضي المتابعة المستمرة و الممارسة الميدانية لقضايا شؤون المواطنين و تلك مسؤولية ملقاة على عاتق من عاهدوا أنفسهم على القيام بها على أحسن قيام، فهي مسؤولية كما بيّنها عاهل المملكة المغربية و يراها بحكمته المعهودة، كونها يجب أن تعتمد إشراك المواطن في ملامسة المشاكل عن قرب و إشراكه في الحلول و تحديد المسؤوليات وفق شروط الحوار و التشاور و الانضباط لقواعد الخيارات الثابتة و المتماسكة للمملكة المغربية الشريفة. إن المغرب يعيش في ظل مرحلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي، و التي تُتَرجَم في نقلة تنموية جديدة و متميزة بقيادة عاهل المملكة المغربية، الذي زكى أوراشًا إصلاحية كبرى همّت مختلف القطاعات و المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية...، التي ساهمت في تثبيت و ترسيخ ثقافة جديدة تصبو و تروم التحديث العام لكافة أوجه تدبير الشأن العام. إن الملك محمد السادس عمل جادّاً بعقلية الألفية الثالثة، و خطا خطوات واسعة و جبارة من أجل تكريس مفهوم دولة الحق و القانون و المؤسسات، و توفير الإطار و المناخ العام السليم لممارسة ديمقراطية حقيقية و الإسهام في تدعيم السلام و الأمن جهويًا و دولياً، مما زاد في إعجاب و تقدير المجتمع الدولي للمغرب و لعاهله الملك الشاب محمد السادس. فقد كسب المغرب في عهد جلالته، ثقة الفاعلين و المنعشين العقاريين و السياحيين وطنيًا و دولياً، و أضحى بذلك المغرب قبلة للاستثمارات الدولية، و ورشاً مفتوحاً للتنمية البشرية الشمولية، أي التنمية بكل تجلياتها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و كذلك الثقافية للمملكة و لكل رعاياها من طنجة إلى الكَويرة. و من خلال كل التحركات الإيجابية التي عكسها جلالته، هو تأسيسه لمفهوم ثقافة التضامن و كذلك عمله على ترسيخها عند كل الفاعلين بالمملكة، كما يلاحظ تشجيعه للعمل الجمعوي الفعال الذي يدفع عجلة التنمية الجهوية و الوطنية إلى الأمام، الشيء الذي يعكس الاستقرار الأمني و الاجتماعي في تفعيل دينامية استقطاب الرساميل الاستثمارية الكبرى، القادرة على خلق فرص الشغل و محاربة آفة البطالة التي تهدّد كيان العديد من دول الجنوب. لذلك فقد نجح جلالته بفضل عمله الدؤوب طوال السنة على جميع الميادين و الأصعدة من أجل التحديث الشامل مع محافظته على القيم و المبادئ الأساسية و العامة للمملكة بكل خصوصياتها الضاربة في جذور التاريخ، حيث أصر جلالته على المحافظة على الهوية المغربية العربية المسلمة بكل ما للكلمة من معنىً، فقد ارتأى جلالة الملك إيلاء عنايته المولوية بالحقل الديني، و الوقوف على كل كبيرة و صغيرة فيه، و قد عمل على تزكية الثقافة الدينية و الروحية لكل المغاربة، و ذلك بعد وقوفه شخصياً على عدة أوراش تروم إصلاح جميع المنشآت الدينية العتيقة و كذلك بتدشينه لعدة معالم إسلامية جديدة (مساجد – مكاتب إسلامية - كتاتيب لحفظة القرآن...إلخ). نرى أن جلالته أولى فائق اهتمامه للحقل الديني لأنه أساس الحكمة و الرزانة و المبادئ القويمة التي يتصف بها المسلم المعتدل، و كذلك من أجل تفعيل آليات الواقعية في تدبير الإشكاليات الدينية و العقائدية، و بالتالي سدُّ الباب على من سمحوا لأنفسهم بالعبث في الحقل الديني و إصدار فتاوى التحليل و التحريم باسم الدين، و تشكيا فرق من الظلاميين الذين يُكنون العداء للحياة المنفتحة و الحداثية التي تحتمها ظروف العولمة و الألفية الثالثة. لذلك فقد أخذ محمد السادس على عاتقه الأخذ بيد المحتاجين و إدماج المعاقين و الاعتناء بأوضاع المرأة و الطفل و التضامن مع العالم القروي بسبب آفة الجفاف التي ضربت المملكة في السنين الأخيرة، كما كدّ و جاهد من أجل الحفاظ على الهوية الحضارية و الثقافية و الروحية و كل الخصوصيات الانفرادية للمملكة المغربية من أجل مجابهة تحديات العولمة بكل تجلياتها. كما نجح الملك الشاب في تكريس مفهوم التعددية الديمقراطية في إطار مفهوم جديد للسلطة و منظومة سياسية جديدة أحدثت ثورة حقيقية في علاقة السلطة بالمواطن، و جعلت الجميع يعيش تصالحاً حقيقياً مع ذاته و محيطه، و طي صفحة المغرب القديم بسيئاته و حسناته، حيث زكى جلالته دور الجمعيات الحقوقية بالمملكة و أعطى دفعة جديدة لدور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و كذلك هيئة الإنصاف و المصالحة و أعطاهما صلاحيات أكبر... كما تمكن من فك طلاسم عدة قضايا كانت إلى وقت قريب من سابع المستحيلات، و وقف جلالته شخصياً على عدة ملفات حقوقية أسالت العديد من الحبر...، كما أعطى جلالته أوامره المُطاعة بتعويض كل السجناء و المعتقلين السياسيين فيما أطلق عليه سنوات "الجمر و الرصاص" من أجل طي صفحة الماضي الدفين إلى غير رجعة في ظل فترة حكمه الميمونة، التي أعادت للمملكة المغربية مكانتها و بريقها بفضل عمله الدؤوب و حكمته الرشيدة، و كذلك بالثورة الجديدة و الواعدة التي يسهر عليها شخصياً بعد كل الإصلاحات التي عرفتها جميع الميادين الحياتية بالمغرب. و قد نجح جلالته في التصدي لخصوم وحدة المغرب الترابية بثبات و رزانة و حكمة، و جعل مناوراتهم الشريرة تتكسر، كما جعل كل الدول التي كانت منخدعة في أباطيل أطروحة الانفصال المُفتعلة من طرف "شردمة البوليساريو" و حليفتها الجزائر تنكشف للعالم بأسره، بعد الحل الديمقراطي الحداثي الذي اقترحه جلالته، باعتماد حكم ذاتي موسع و لا مشروط و لا رجعة فيه، للصحراويين المغاربة كي يحكموا أنفسهم بأنفسهم تحت السيادة المغربية طبعاً، لذلك فقد أسس جلالته المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، و الذي يُشرف عليه جلالته شخصياً. و قد نجح هذا الأخير لحد كتابة هذه السطور في مهامه الموكلة إليه، فقد نجح في إيصال رسالة و فحوى المقترح المغربي لرعاياه الصحراويين بطريقة عقلانية و رزينة في مفاوضات جرت على الأراضي الموريتانية الشقيقة، و التي أعطت أكلها بعد الانشقاق الحاصل عند مرتزقة البوليساريو في مؤتمرهم الثاني عشر المزعوم و الذي سموه "مؤتمر كَجيجيمات"، و الذي أفضى إلى تصعيد الحملات الاحتجاجية الرافضة و المناهضة لسطوة و جبروت قادة جبهة البوليساريو الذين يتحكمون في مصيرهم. كما أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرف كيف يحقق مبدأ العدالة الإجتماعية، و نجح في تحقيق المعادلة الصعبة بتكسيره شوكة عدة مسؤولين كبار، كانوا إلى وقت قريب يشكلون "فزاعات" الشعب المغربي،حيث استطاع تكسير الصمت المطبق على أفواه كل المغاربة و خرج عن المألوف و العادي، و أطاح بعدة أباطرة مفسدين أطاحوا و أضروا بمصالح الشعب المغربي عموماً، و قد استطاع إخضاع العديد منهم ممن ثبت تورهم في قضايا الفساد المالي و الأخلاقي إلى الخضوع لمسطرة القضاء و المحاكمة . لذلك فقد استطاع الملك الشاب النيل من قلوب و حب كل المغاربة على السواء، سواء مغاربة الداخل أو حتى الجالية بالخارج، و الذين يوليهم جلالته عطفه و حنوه، و قد أسس لكل مغاربة الخارج في سابقة من نوعها "عيداً وطنياً" يُحتفى فيه بكل أفراد الجالية، كما سعى جلالته إلى تشجيعهم و تسهيل مأموريتهم بوطنهم الأم، كما سعى إلى تمثيلتهم الرسمية داخل وطنهم بابتكار جلالته لمؤسسة رسمية تتبنى كل أفكارهم و مقترحاتهم و مشاريعهم، و تنوب عنهم في كل كبيرة و صغيرة، إنه "المجلس الأعلى للجالية"، و هي فكرة محمودة حبذها كل أفراد جاليتنا بالخارج. و كقائد أعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية فلقد حقق مبدأ العدالة الإجتماعية و قام بمقر المؤسسة الجهوية الثالثة للتدبير وتزويد العتاد بالنواصر بوضع الحجر الاساس لانجاز حيين سكنيين مندمجين لفائدة أفراد القوات المسلحة الملكية بكل من النواصر وعين حرودة وكان لها صدا كبيرا في نفوس أسر القوات المسلحة الملكية . و للختام فقد أكد جلالة الملك محمد السادس يوماً بعد يوم على أن العهد الجديد يُبشر حقيقة بمغرب قوي، متضامن، ديمقراطي و منفتح، في ظل سياسة رشيدة تستند إلى فلسفة جديدة في الحكم، قوامها إشراك كافة الفعاليات و القوى في تحقيق التنمية المستديمة و الرغبة في خلق و توسيع جميع السبل التي تؤدي إلى فضاء رحب من الحريات العامة وثقافة الحوار في ظل دولة الحق و القانون. ""