جولة سريعة في معظم الأزقة والأحياء والشوراع المغربية، نهارا وحتى وقتٍ متأخِّرٍ من الليل، ستصيب المواطن الغيور، بالحسرة والألم، لواقع الأطفال الفقراء الذين لا يسمح لهم واقعهم الاقتصادي بالسفر في عطلة الصيف، ومعانقة الراحة والسباحة والاستجمام والترفيه عن النفس، ومنهم من يشرع في العمل في مقاولته الصغيرة ببيع المنادل الورقية والسجائر بالتقسيط في المحطات الطرقية والمقاهي، أو بيع الأكياس البلاستيكية لمحاربة "زيرو فقر"، وما يعانيه هؤلاء الصغار الكبار من معاناة وتعنيف واغتصاب، أو التسكع دون رقيب أوحسيب، حيث يصبحُ الشارع بكل مفارقاته، من انتشار العدوانية والمخدرات والجريمة والعنف المادي والرمزي.. هو مؤسسة التنشئة الاجتماعية، فيقلد الأطفال الشباب والكبار في السكر العلني وتعاطي المخرات، التبول على جدران المدرسة التي أغلقت أبوابها، أو لعب كرة القدم أمام المسجد وقت الصلاة، ويتبادل الكثير من الأطفال الشتائم الدينية والعرقية والجنسية..، وقلما يتدخل شخص لتقديم النصح.. وبعد العطلة ستلتحق هذه الشريحة من الأطفال بالمدرسة، مُحَمَّلة بالكثير من قيم العنف، والتنمُّر، والوقاحة، وتعاطي المخدرات.. وستبدأ القصة نفسها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تشجب العنف المدرسي، مع تبادل التهم، الأسرة تتهم المدرسة والمدرسة تتهم الأسرة، والبعض يتهم الدولة.. بينما أغلب الأطفال يُعمقون تجربتهم في "مدرسة الشارع" وستشاهد طفلا صغيرا معية صبيان وصبايا التحقوا بالمدرسة الإعدادية حديثا يُدخنون غليون الحشيش علانية قبيل الالتحاق بالمؤسسة.. وسيكتفي المارة بالفرجة.. جرّاء الإدمان ستلتحق بعض الفتيات باكرا بعالم الدعارة، للحصول على المخدرات مقابل الجنس، أما بعض الفتيان الشجعان سيلجون عالم اللصوصية، بدءا من سرقة نقود الوالد وحِلي الوالدة، بعدها مقايضة بعض الأثاث المنزلي بالحشيش والنفحة وأقراص الهلوسة، والمخدر السائل واقتحام عالم الكحول، والانزلاق في مشاكل أسرية، قد تنتهي بتطليق الزوج لزوجته بتهمة التقصير في تربية الأبناء، فضلا عن التحاق بعض الجانحين الصغار بسجن الأحداث، مع بروز ظاهرة انتحار الصغار.. ربما بعدم الشعور بالاحترام من الأسرة، ونظرة الاحتقار من المجتمع إثر الوصم بالخزي والعار (فاشل، لص، مدمنة.. ). هشاشة التربية على قيم الاحترام: هشاشة قيم الاحترام في الشارع المغربي كثيرة ومتنوعة، استفحال العنف المادي والرمزي، احتلال الملك العمومي وعدم احترام فضاء الراجلين، السرعة الجنونية في السياقة، تعاطي المخدرات داخل الأحياء وتعنيف المارة والسطو على ممتلكاتهم، التحرش الجنسي، تخريب المرافق العمومية، حمل السلاح الأبيض من طرف فئات عريضة من الشباب والشابات.. هذه هي ملامح القيم الرائجة في الشارع المغربي، وهي القيم التي سيستدْمِجُها الأطفال المغاربة، وهي قيم يعتبر العنف مدار فلكها، والعنف يعني الاحتقار، احتقار المواطنين، احتقار القيم الاجتماعية، احتقار الواجبات، احتقار تضحيات الوالدين، احتقار الجدّية، احتقار القانون..والافتخار بقيم القوة، والغش، والاستفزاز، وإلحاق الضرر بالغير، والسادية، وغياب ثقافة الاعتراف وهيمنة ثقافة الجحود. الحل: العلاج بالفلسفة: أكثر من سبعين دولة، أدخلت في مناهجها التعليمية، الفلسفة للأطفال، ولا ينبغي التسرع في فهم معنى تعليم الفلسفة للأطفال، بأنه تدريس للأنساق والمذاهب الفسلفية الكبرى، والغوص في تاريخ الفلسفة، كلا وإنما تعليم الأطفال آليات وطرائق التفكير الفلسفي الذي يقوم على تشجيع ممارسة التفكير، وتعلم الفكر العقلاني، والتساؤل النقدي، والقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، وامتلاك رأي وموقف من أجل حياة جيدة، عبر ورشات فلسفية يديرها منشط أو مدرسة يمتلكان ثقافة فلسفية وتكوينا جيدا، مع استخدام وسائل بيداغوجية (قصص، ألعاب، جرائد، رسوم متحركة..) ومساءلة مواضيعها كالعنف، احترام البيئة، الكذب..) وتشرف المنشطة على إدارة النقاش بين الأطفال، ويعبرون عن آرائهم بتقديم حجج، (قوة الحجة بدل حجة القوة) مع توجيههم أن الهدف ليس الانتصار والإفحام، بل بناء حقيقة تفاوضية مشتركة ضمن الاحترام المتبادل لكل الآراء.. يمكن طرح بعض المواضيع من خلال أسئلة بسيطة: ما رأسكم في سلوك الأشخاص الذين يتبولون في الشارع على الأشجار والجدران (جدران الوطن)؟؟ ليس الهدف هو نقل القيم الاجتماعية الجاهزة وتكرارها بطريقة دوغمائية ببغائية آلية، بل جعل الأطفال يقومون ببناء شبكة من القيم التي ساهموا جميعا في طرحها، انطلاقا من ممارستهم التفكير الذاتي مع الاقتناع بها كحقيقة وليست مجرد مكتسبات معرفية، والاهتمام ببناء الذات وليس فقط بناء المعارف والمكتسبات، وبالتالي تساهم الفلسفة للأطفال ليس فقط في تغيير نظرتهم لأنفسهم وللواقع، وإنما من تغيير المجتمع لاحقا نحو الأفضل، وهذا ما أثبتته الكثير من الدراسات التي أشرف عليها باحثون أكاديميون في مجال تدريس الفلسفة للأطفال منذ تدشينها من طرف المبدع Lipman Matthew والمفكرة Ann Margaret Sharp، والغريب أن مشروع الفلسفة للأطفال انطلق سنة 1969 ولحد الآن لم ينخرط المغرب في هذا الورش الفلسفي الضروري لحماية الأطفال المغاربة، وتحصينهم بإعمال العقل بطريقة جيدة، واكتساب اليقظة الفكرية، والقدرة على الاختيار السليم. يقول ديكارت "لا يكفي أن يمتلك الإنسان عقلا جيدا، بل عليه أن يستخدمه بطريقة جيدة، ولهذا الغرض صاغ قواعد قيادة العقل، وبما أن كل الناس فلاسفة كما يرى الفيلسوف غرامشي، فتدريس الفلسفة في الطفولة هو الضامن لانتقال الناس من ممارسة الفلسفة العفوية التلقائية إلى ممارسة الفلسفة النقدية، وأهم مميزاتها صناعة الشخص الذي يحترم نفسة، ويحترم واجباته، ويكون جديرا بالاحترام. المساجد الذكية: يزخر المغرب بعدد هائل من المساجد، لكنها مساجد تحتاج إلى تطبيقات ذكية، كي تتحول إلى مساجد ذكية، فباستثناء شهر رمضان وخطبة الجمعة، لا تستثمر فضاءاتها، مع التنويه بمشروع محو الأمية، لكنه يظل غير كاف، لأن الأمية الفلسفية أخطر من الأمية الأبجدية، بمعنى أمّية ممارسة التفكير الذاتي، وبلوغ الرشد الفكري والنضج الوجداني لا يمكن أن يتحقق بامتلاك آلية القراءة، ولكن عبر امتلاك أدوات التفكير الفلسفي بمساءلة المفاهيم، كمفهوم العدالة، الحرية، الحق، التطرف، الخير، الشر.. لذلك يمكن توظيف المساجد وتحويلها إلى فضاءات ذكية وورشات فكرية لتعليم الأطفال آليات التفكير الفلسفي، إما في صبحيات أو أمسيات، بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإعادة البريق والتألق للمساجد المغربية، سيما وأن جامع القرويين، هو أول جامعة عرفت النور في العالم، ومن بين المعارف التي كانت تدرس فيها الفلسفة والمنطق والرياضيات والطب والفلك.. وفتح المساجد في وجه الأطفال سيحميهم من التسكع والضياع، أما مسألة المتطوعين لهذا الفعل من مدرسين وطلبة فما أكثرهم المدارس الصيفية: أيضا يجب فتح المدارس في وجه الأطفال الراغبين في تعلم الفلسفة، وخوض هذه التجربة التي ستشعرهم بمتعة كبيرة، وبدل العطالة والبطالة الصيفية، ونحن نعلم أن الفراغ أم الرذائل، بسبب غياب الرقابة لكون جلُّ الآباء منشغلون بلقمة العيش، والشارع فم تمساح ينتظر الأطفال الأبرياء بشراهة، أكثر من ذلك قيم الرداءة، منتشرة في عالم النت جنبا إلى جنب مع الجواهر الثمينة، فحتى الرسوم المتحركة التي كانت في ما مضى تُعلِّمُ الأطفال قيم الجد والمسؤولية والتفاؤل، نجد أن الكثير من أفلام الرسوم المتحركة تكرس قيم العنف والانتحار (الحوت الأزرق)، وأفلام متحركة أخرى متخصصة في البورنو، وبمجرد ما يسقط الأطفال في مستنقعها يصعب إنقاذهم.. على غرار الجامعات الصيفية، يمكن استنبات تجربة المدارس الصيفية في تدريس الفلسفة للأطفال، لتصحيح نظرتهم إليها على أنها طريق الجنون والكفر والإلحاد البواح، سيكتشفون متعة الدرس الفلسفي البسيط، بمساءلة الفرق بين حب الوطن وسرقة الوطن، مساءلة كرامة الشخص التي لا تُسعَّرُ بثمن.. هي متعة أجدها مع تلامذتي، وتمنحني طاقة إضافية، للحياة، واشتغالي في حقل التدريس زهاء 23 سنة، جعلني أستشعر أهمية الفلسفة للأطفال، لأن حرمانهم منها طيلة مدة الطفولة (التعليم الابتدائي) وبداية المراهقة (التعليم الإعدادي) وقد تشبعوا بالكثير من المغالطات وتم شحن عقولهم بالفكر الخرافي، وقيم العنف والغش..، مما يجعل لقاءهم مع الفلسفة يتأجل طويلا لصالح تعطيل عقولهم ومنعها من الاشتغال الجيد. "إن هذا الاحترام للذات إذن هو واجب على كل إنسان تجاه نفسه" (1) يَرتَفِعُ الفيلسوف الألماني كانط Kant بقيم الاحترام، لدرجة جعلها واجبا أخلاقيا تجاه الذات، وكل تفريط في هذا الواجب ينزِل بالإنسان إلى مستوى الأشياء والكائنات غير العاقلة، إن قيم الاحترام تنبثق من امتلاك الكرامة الإنسانية La Dignité humaine، وبامتلاك الشخص لهذه الكرامة، يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته، ويتبادل معها نفس الاحترام على أساس قاعدة المساواة، إن الإنسان غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة، لأهوائه الذاتية أو أهواء الغير، إن الدفاع عن قيم الاحترام وحمايتها والتبشير بها مسؤولية يتحملها كل شخص، وهذا واضح في تحديد كانط Kant لمفهوم الشخصباعتباره "الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". المدرسة التي تخسر الفلسفة هي مدرسة في خطر: تتربَّع الفلسفة الكانطية عرش قيم الاحترام، وبهذا الصدد أستعير مقولة دريدا "إن الديموقراطية التي تخسر الفلسفة هي ديموقراطية في خطر" لأقول: "إن المدرسة التي تخسر الفلسفة هي مدرسة في خطر"، إن الفلسفة ظمأ لا ينتهي نحو الحقيقة، وهي جرئية لا تخجل من شكِّها في الآراء، المعتقدات، العلوم..، بل إن الفلسفة تمارس النقد على نفسها، في "تعطش دائم نحو الحقيقة والدفاع عنها، إنها تموقع الإنسان داخل الكون، تُعري المسافات بين الإنسان وذاته، بين الإنسان والغير، بين الإنسان والوجود، إنها مطمح نحو تحقيق الكمال الإنساني (2)يجب تجاوز الإشكاليات المزيفة والأزمات المفتعلة، والكُفَّ عن إثبات وجود الفلسفة في المدرسة المغربية، لأنها موجودة، وإن لم تكن موجودة بالفعل، فهي موجودة بالقوة، وبالتالي يجب تفعيل وجودها، بإقناع جماهيرها بأنها أكثر أهمية من الهواء والماء والغذاء، لأن الفلسفة ليست هي سقراط، وكانط، بل هي ممارسة التفكير، والمساءلة النقدية، والبحث عن الحقيقة، وتفضيل الكرامة واستنشاق الحرية، واختيار الديمقراطية، الفلسفة باختصار هي قيم الاحترام. الفلسفة لا يمكنها إلا أن تحُثَّ على احترام الذات، واحترام الغير، وقيم احترام الغير تتجسد في الاعتراف بوجود الغير، "وبحقه في الاختلاف لأنها أصلا مسكونة في داخلها بالاختلاف... وإعلاؤها من قيمة العقل ليس سوى رفض اللاعقل والعنف والإقصاء، وتكريس قيم الاختلاف والتعددية، التي تعد اليوم شروط الديمقراطية وقاعدة المواطنة في المجتمع المدني. بل إن الفلسفة تنشد في الواقع مواطنة كونية قوامها كونية العقل، تتجاوز خصوصيات العرق والمعتقد والمجتمع (3). الفلسفة والتربية المبكرة على قيم الإحترام: "الفلسفة هي التي تُعلّمُنا الحياة، وللطفولة نصيبها من التعلم.. فلماذا لا نجعلها تتواصل معها"(4) لاشكَّ أن سؤال سن التفلسف من أبرز الإشكاليات التي حركت الفكر الفلسفي منذ لحظة سقراط، وهو سؤال مازال يحظى براهنيته اليوم، حيث يشْرئبّ موقفان بخصوص العمر المناسب لممارسة فعل التفلسف: الموقف الأول: يمثله كبار الفلاسفة عبر التاريخ وعلى رأسهم سقراط، أفلاطون، ديكارت، هيجل، يرى هؤلاء أن الطفولة هي مجال الحس المشترك، والإدراك السطحي للحياة والأشياء، وهي مرحلة الأخطاء والأهواء بامتياز، إن تعليم الفلسفة للأطفال حسب أفلاطون "أشبه بوضع سلاح مدمر في يد المجنون أو المعتوه، فأول شخص سيتعرض للضرر هو هذا الشخص" (5)، لذلك يؤجل أفلاطون ممارسة التفلسف حتى سن الخمسين. الموقف الثاني: ويجسده مجموعة من الفلاسفة وعلماء التربية والمدرسين، الذين يؤيدون تدريس الفلسفة للأطفال، ومن بينهم كارل ياسبر، ميشيل دي مونطين، وماثيو لبمن..، وهم يرون "أن الطفل فيلسوف بشكل عفوي، لأنه يطرح الأسئلة باستمرار وهذه العملية حسب كارل ياسبرز هي جوهر فعل التفلسف، فالتفكير في الأصل هو الدافع الأساسي لممارسة فعل التفلسف... والأطفال بطبيعتهم ومنذ نعومة أظافرهم يطرحون أسئلة مرتبطة بهذا الأصل، ذلك أن الطفل يعبر عن اندهاشه أما هذا الوجود المركب من خلال التساؤل عن أصله" (6). الفلسفة هي إعمال العقل، والتربية على ممارسة التفكير، وتأجيل تدريس الفلسفة إلى الثانوي التأهيلي، يعني تأجيل إعمال العقل وتأخير ممارسة التفكير زهاء عقد من الزمن، حيث يكون المتعلم قد ودَّع مرحلة الطفولة، صوب مرحلة الشباب، بعدما امتلأت ذاكرته بخليط من المعارف المتنوعة، وترسَّبت في عقله العديد من الأفكار الجاهزة، وترسَّخت لديه مجموعة من القناعات الدوغمائية، وما تحمله من أحكام مسبقة، وقيم متضاربة، خصوصا وأن المعرفة الدينية هي المرجعية الأساسية لعموم المغاربة، وهي المعرفة الوحيدة التي تُلقَّن للأطفال بداية من طرف الأسرة بمضامين تتعايش فيها الخرافة والأسطورة مع الدين، والتربية الدينية هي "المادة الوحيدة التي تدرَّس من أول سنة إلى آخر سنة من التعليم الثانوي" (7) ، وهذا شيء جميل لأنه يروم تجذير الهوية الدينية للشعب المغربي، لكن هذا المشروع الهوياتي، يحتاج إلى أرضية صلبة، تتمثل في عقلنة الهوية الدينية، وهذا دور الفلسفة، التي اكتشفنا صحبتها عبر هذه الصفحات، أن مشروعها المركزي هو التربية على قيم الاحترام، ومن بين هذه القيم احترام المرجعية الدينية، خلافا للمغالطات التي يتم ترويجها لأبنائنا حول استهداف الفلسفة للدين وللقيم الأخلاقية، ووصم الفلسفة بالمتهافتة واللامُجدية. هل بهذه التنشئة الاجتماعية سَنُعلِّمُ الأطفال احترام التعدد الهوياتي واحترام الاختلاف بين الأديان والمعتقدات والأعراق وأنماط العيش والتربية على قيم الاحترام؟ وهل بهذه التربية سنُعلّمهم احترام التفكير الحر وجرأة النقد والتشبع بالتسامح والانفتاح والقبول بالاختلافأم التشجيع على احتقار التفكيرووقاحة الاستفزاز والعبثية ونشر الكراهية وزرع الطائفية؟ البداية هي دائما أعظم الأشياء: إن التربية على قيم الاحترام هي البداية العظيمة في تربية الأطفال و"البداية هي دائما أعظم الأشياء" على حد تعبير الفيلسوف مارتن هايدغر، وتمرن الأطفال على التفلسف، يعني التمرُّن على إعمال العقل وممارسة التفكير وقدرتهم على الملاحظة، المقارنة والتمييز بين: الخطأ/الصواب، الكذب/الصدق، الضرر/النفع، الشر/الخير، الهوى/الحقيقة، العبثية/الجدية، الاحتقار/الاحترام...، مما يجعلنا نتحدث عن دمقرطة "الحق في الفلسفة" (8) لكل البشر، وكل الفئات العمرية "ضدا عن التوجه والخيار الديكارتي اللاديمقراطي الذي حسب تصوره الخاص للطفولة كمكان وزمان للأحكام المسبقة والخطأ فإذا أردنا التفلسف فعلينا أن نبدأ أولا بمغادرة مرحلة الطفولة" (9). وهنا يجب التمييز بين الفلسفة والتفلسف، بين التصور الهيجلي الذي يرى "بأن العرض الفلسفي يجب أن يقتصر على الجامعة وأن يقصى من التعليم الثانوي" (10)، إن الفلسفة بالنسبة لهيجل تدرس كمحتويات معرفية، من وجهة نظره لا يمكن معرفة الفلسفة دون معرفة معالمها، جغرافيتها، تضاريسها، وديانها وشعابها (تاريخ الفلسفة)، وبالتالي فإن "ما يمكن تعلمه هو الفلسفة وليس التفلسف" (11). في مقابل هذا التصور يصرح كانط أنه "لا يمكن تعلم الفلسفة، فما يمكن تعلمه هو التفلسف... (بمعنى) تعلم التفكير وممارسته، وليس تعلما لمحتويات أو لأنساق، إنه استعمال نقدي للعقل، وتجاوز لكل الصيغ الدوغمائية التي أسسها العقل نفسه" (12). المراجع والهوامش: 1-Kant, fondements de la métaphysique des mœurs (1785), Traduction de V. Delbos, Revue par Ferdinand Alquié, Ed. Gallimard, 1987, p.294 2- ضرورة الفلسفة، نقدالوضع الحالي للفلسفة، بيير ثويليي، ترجمة: عزيز لزرق، منشورات اختلاف، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى2000، الصفحة:7. 3- د.نضال فاضل البغدادي ومجموعة من الأكاديميين العرب، التفلسف والتعليم ورهانات المستقبل، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، العراق، الطبعة الأولى2014، الصفحة:227. 4- Montaigne, Essai 1, 24, De l'instruction des enfants. 5- د.نضال فاضل البغدادي ومجموعة من الأكاديميين العرب، التفلسف والتعليم ورهانات المستقبل، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، العراق، الطبعة الأولى2014، الصفحة:.91 6- المرجع نفسه، الصفحة:91. 7- حكيمة أغريس وسعيد الراشدي، محنة الفلسفة الفلسفة ومكانة حضورها في النظام التربوي المغربي، العدد السابع،2014، الصفحة:12. 8- د.عزالدين الخطابي، مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب، حوار الفلسفة والبيداغوجيا، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى2002،الصفحة:15. 9- د.نضال فاضل البغدادي ومجموعة من الأكاديميين العرب، التفلسف والتعليم ورهانات المستقبل، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، العراق، الطبعة الأولى2014، الصفحة،74. 10- د.عزالدين الخطابي، مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب، حوار الفلسفة والبيداغوجيا، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى2002،الصفحة:71. 11- المرجع نفسه، الصفحة"70. 12- المرجع نفسه، الصفحة"70.