قبل سنوات قليلة، كان بإمكان الطبقة الوسطى أن تسمح لنفسها باقتناء مسكن لائق في ظروف مرتاحة، الشيء الذي أضحى أمرا مستحيلا خاصة بالنسبة للأزواج الشباب المنتمين لهذه الطبقة. وحققت أسعار المساكن ارتفاعا مهولا إذ تضاعفت في أقل من عشر سنوات بالرغم من أن حجم المعاملات في هذا المجال عرفت ركودا ملحوظا الشيء الذي فرض على الطبقة المتوسطة اللجوء إلى مساكن لا ترقى إلى طموحاتها الاجتماعية، واقتناع معظم الأزواج الشباب بضرورة الاكتفاء بمساكن تتماشى وإمكانياتهم المادية، بل إن الطبقة المتوسطة التي كانت في الثمانينات محركا للتنمية، نبذها سوق العقار لتجد الحل الوحيد في اللجوء إلى الكراء. فبالنسبة لمدينة كالرباط، فرضت الأسعار الباهظة على المواطنين الشباب اختيار الأحياء الجانبية للبحث على مسكن، بالرغم من أنهم يرون في هذا الاختيار تنقيصا لقيمتهم بالنظر إلى الامتيازات الاجتماعية التي استفادت منها الأجيال التي سبقتهم إلى هذه الطبقة . ولا أدل على ذلك من حالة العائلة المتكونة من رشيد وأمل ( مهندس ومعلمة) يقطنان في مسكن من غرفتين بحي أكدال مقابل 3500 درهم في الشهر ، وبالتالي يجد رشيد نفسه مرغما على دفع ما يقارب نصف راتبه الشهري لصاحب الشقة ويواصل البحث في الإعلانات المبوبة عن كراء أرخص. وفي الآونة الأخيرة ، اختار الزوجان ولوج مغامرة البحث عن "فرصة العمر"، عن إمكانية تحقيق حلم قديم يراودهما كل نهاية شهر ويشير له رشيد بقوله في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء " أن امتلك بيتا هو التأمين الحقيقي ضد تقلبات الزمن". ولتغطية الالتزامات المادية في آخر الشهر، يجد رشيد نفسه مرغما على الاستعانة براتب زوجته على الرغم من التقشف في مصاريف البرامج الترفيهية، التي أصبحت نادرة، وحذف مصاريف السفر إلى الخارج خلال العطل السنوية. وبالرغم من هذه الإجراءات يجد الزوجين نفسيهما في ورطة "الكراء" التي تستنزف 40 ألف درهم من ميزانيتهما السنوية. وأعرب رشيد عن اقتناعه بأن هذا المبلغ يذهب هباء وأن اكتراء أي منزل يعني هدر للمال وضياعه، الشيء الذي يضع هذا الزوج أمام محك الاختيار بين الاستمرار في الكراء أو التفاوض حول الحصول على قرض للسكن. وأوضح رشيد أنه اختار الحل الثاني بالرغم من أن مسكنه الحالي يوجد على مقربة من عمله إلا أنه يعترف أن " ضغوط الزوجة والعائلة جعلته يرضخ لفرضية شراء منزل. وحتى ذلك الحين ، يتعين على رشيد وأمل أن يجدا عرضا مناسبا وفي متناولهما إلا أن الأمر لن يكون هينا بالنظر إلى الصعوبات التي تكتنف هذه المهمة. امتلاك شقة : حلم صعب المنال في واقع الأمر، أضحى الاستثمار في امتلاك عقار وتأمين مسكن يعود، في ما بعد، إلى الأبناء، حلما صعب المنال بالنسبة لنسبة هامة من مكونات الطبقة الوسطى التي يناهز عددها 16 مليون مغربي حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط. كما أصبح من الصعب، وعلى نحو متزايد، بالنسبة لهذه الشريحة الاجتماعية الواسعة للعثور على منتوج يستجيب للطموحات ولا يتجاوز الطاقة الشرائية لهذه الطبقة من المجتمع التي تلعب دورا هاما في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. ويعود هذا الوضع بالأساس للمضاربات في السوق العقاري، وندرة الأراضي التي تتفاقم، إلى جانب أن حيازة ملك عقاري أضحت تتم بشكل متزايد عبر التصريح فقط بجزء من ثمنه. وتتجه شريحة واسعة من المجتمع نحو السكن الاجتماعي، في حين أن الأسر التي ولجت إلى سكن مناسب تتعرض عموما لمديونية مفرطة. ويؤدي غياب الثقة في إمكانية الولوج إلى الملكية إلى إثارة شعور بالغبن. وقضى الزوجان ليال في الإبحار في مواقع الأنترنت الخاصة بالإعلانات العقارية دون جدوى، علما أنهما يملكان ميزانية محتملة تناهز 500 ألف درهم. وتوضح مدرسة الإعلاميات الشابة أنه "يوجد القليل جدا من الأملاك في سوق الرباط. وعندما نصادف عرضا يلائم إمكانياتنا المادية، فإن المساحة لا تتجاوز بالكاد 60 مترا مربعا". ولا يخفي رشيد إحساسه بالغبن، قائلا إنه "بسبب سعر الكراء المرتفع، لا أستطيع تدبر الأمر والادخار من أجرتي أنا وزوجتي" ولذلك "سأستمر فقط في الكراء"، متأسفا لكون العديد من الشباب يعيشون نفس الوضع. وينتقد رشيد غياب إجراءات ملموسة للنهوض بعرض كاف للسكن، يتلاءم وحاجيات الطبقة المتوسطة وينضاف لذلك ضعف آليات التمويل. وأكد أنه "لتحسين الولوج للملكية، هناك حاجة لإعادة تشكيل كلية لنظام التمويل لمساعدة الفئات المتوسطة على الوفاء بمديونيتها". السكن عامل لتقهقر الطبقات المتوسطة ويسود شعور بالتقهقر لدى الفئات المتوسطة التي أصبح السكن بالنسبة لها عاملا يؤشر على انحدار هذه الطبقة الاجتماعية نحو الأسفل. ويتأكد ذلك بالخصوص لدى الأسر المحسوبة على "الفئة المتوسطة الدنيا"، التي تتراوح مداخيلها ما بين 4000 و7000 درهم صافية شهريا. وتتماهى ظروف السكن لديها للأسف مع نظيرتها لدى الفئات المهمشة، متمثلة في انخفاض نسبة الولوج للملكية، وسكن ضيق مقارنة مع الحاجيات، والهجرة نحو مناطق خارج المدينة للكراء بأقل ثمن. وعموما تلتهم خانة "السكن" جزءا كبيرا من ميزانية هذه الفئة. وحتى مع النزوح المتزايد نحو المدن المحيطية، يتعرض السوق للمزيد من الضغط. وتسجل الأملاك أسعارا قياسية في المناطق المصنفة. وفرارا من الرباط بحثا عن عرض معقول، يتجه الزوجان نحو مدينة سلا القريبة. وفي حي كريمة قرب طريق القنيطرة، يستكمل رشيد وأمل بعد زوال يوم سبت زيارتهما الثانية خلال اليوم رفقة سمسار. وحين تبدو الزوجة الشابة معجبة بشقة من ثلاث غرف مع شرفة ومطبخ كبير، يطفئ رشيد حماس زوجته قائلا بأسف إن "100 ألف درهم كتسبيق غير مرخص (النوار) كثيرة جدا وغير معقولة". وزار الزوجان منذ شهر عشرات المنازل دون الانتقال للفعل، حيث يقول هذا الاختصاصي في المعلوميات "هذه الشقة تعجبنا كثيرا، إلا أنني أخشى أن يرفض البنك طلب القرض بالنسبة ل550 ألف درهم. اضف إلى ذلك أننا لم ندخر شيئا لأداء التسبيق غير المرخص". ويقرر الزوجان رغم ذلك تقديم طلب قرض ل25 سنة دون الاقتناع كثيرا بذلك، قائلين إن "الالتزام طوال الحياة بالقرض للحصول على سكن، بمثابة الارتماء في الجحيم، إذن ليس لدينا خيار، سنستمر في الكراء".