خروقات باليمين وبالشمال لقد هزُلت حتى بدى من هزالها كُلاها وحتى سام خفها كل مفلسٍ تتراقص السياسة هذه الأيام على نغمات صاخبة لعازفين "متهورين"، حمقى ومرتبكين.. ولذلك فإن كل أشكال النفور والامتعاض متوفرة لتجعل الواحد منا يقول.. الله ينعل بوها حالة..". بوشعيب الخضار، الذي كان يقضي أيامه ولياليه مشغولا بعالم الأسواق، أهمل تجارته ودكانه وودع وزرته السوداء.. وراح لا يفارق أصحاب البذل وربطات العنق داخل مقر الحزب الجديد في حومتنا القديمة.. زوجته تشتكي باستمرار من انقلاب حال زوجها وتُردد باستمرار أن أحدهم وعده برئاسة البلدية بعد حين.. والدكتورة زبيدة التي كانت أيضا لا تفارق عيادتها وتبيت وتظل تواسي مرضى "الحومة" بصغيرهم وكبيرهم.. لم تعد تقوم بما هي أهل له إلاَّ لِمَامَا.. وصارت تحدث زبائنها عن مزايا السياسة وعن ضرورة خوضها لغمار هذا العالم لِمَا فيه خير البلاد والعباد.. ليس عيبا أن يسكن همُّ تدبير الشأن العام كل الناس.. ولكن العيب أن يُصبح دخول عالم السياسة شكلا من أشكال الانتهازية التي تؤدي إلى الانحطاط والمصائب الكبرى. لا علاقة لهذه المقدمة بما هو قادم من كلام.. وربما كانت الأسماء المذكورة من وحي الخيال، الذي لا علاقة له أيضا بالحقيقة وواقع الحال الذي جعل من الأحرار والبام والحركة، و"الحزام الأخضر" كتلة واحدة إلى جانب أربعة أحزاب أخرى.. واقع الحال الذي جعل دستور يوليوز يُخرق في أبسط أبجدياته! واقع الحال الذي جعل من رئيس الحكومة آخر من يعلم بقصة سحب قانون المالية، واقع الحال الذي جعل بنشماش متشبثاً بلجنة التقصي في موضوع أصبح بيد القضاء.. تحالف من اليمين إلى اليسار في بحر الأسبوع الماضي طفى إلى السطح "تحالف حزبي" يقوده أو يتزعمه وزير المالية صلاح الدين مزوار.. مزوار هذا جاء إلى "رئاسة" حزب التجمع الوطني للأحرار بعد انقلاب على الرئيس السابق مصطفى المنصوري، الذي غاب عن الأنظار ليتفرغ إلى رئاسة جماعة في الريف تدعى العروي.. حزب الأحرار كما درسنا في تاريخ الأحزاب بالمغرب.. حزب أُنشئ بفعل الإدارة ذات يوم من سنة 1978 حينما تحالف خليط من نواب ذلك البرلمان، نواب ترشحوا كمستقلين.. فانتظموا بقدرة قادر داخل حزب واحد حمل إسم التجمع الوطني للأحرار.. وترأسه الوزير الأول السابق أحمد عصمان صهر الملك الحسن الثاني رحمه الله. بطبيعة الحال الكل كان يعلم أن في الأمرِ إِنَّ.. ومع ذلك، ما كان إِلاَّ مَا أُريد لَهُ أَنْ يَكُون.. هذا في زمان، كان فيه للسياسة معنى، على الأقل أما اليوم، فقد صار مزوار زعيماً للأحرار.. وليس الأحرار وحدهم، بل يمكن القول إنه "قائد" للتحالف الذي يضم الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري.. آخر ديناصور قبل مجيء حكومة عبد الرحمان اليوسفي! والأصالة والمعاصرة.. ولأول مرة منذ إنشاء هذا الحزب، يفصل "تواضعا" ربما أن يأتي ذكره رابعا.. ويتزعم مزوار أيضا الحزب العمالي المغربي طبعاً وليس الإنجليزي، والحزب الاشتراكي، لصاحبه الدكتور بوزوبع.. يا لطيف، أُلطف بنا فيما جرت به المقادير بمنطق زمان، لو كنت قلت للدكتور بوزوبع تعالى نتحالف مع اﯕديرة.. لضربك على أنفك أما منطق اليوم ومن أجل استدراك ما ضاع من فرص زمان.. يقبل الدكتور الفذ أن يتحالف دون مركب نقص.. أوعْلاش لاَّ.. آش غادي يوقع ﯕاع. أما اليسار الأخضر والنهضة والفضيلة فليسا إلاَّ مفتاح شهية بدون شك نحو استقطابات أخرى قادمة مستقبلا.. "التحالف من أجل الديمقراطية" مع الأسف لا يتزعمه مزوار لوحده.. بل هناك تحالف آخر من أجل الديمقراطية أيضا "يتزعمه" رئيس حزب الإصلاح والتنمية الكوهن الذي سبق له في يناير أن أسس تحالفا تحت نفس العنوان من سنة 2010.. فملأ الدنيا بتنبيه القاضي ب "الاستيلاء" على إسم تحالفه؟! مزوار يقول إن هذا التحالف ليس همَّه الانتخابات ولا الحكومة.. أي ما مفاده أنه لا يدخل ضمن أي أجندة سياسية وهذا المعنى يذكرني بتصريح سابق لكاتب الدولة السابق في الداخلية ونائب الرحمانة حاليا.. أن استقالته من منصبه الوزاري لا تدخل أيضا ضمن أية أجندة سياسية! فتم خرق هذا الالتزام وَصَارَ للِّي صَارْ..! الخروقات الدستورية موضوع الخروقات لا يهم فقط تصريحات الأشخاص.. بل امتد إلى ما هو مؤسساتي بدون وَازِع.. أن "يتراجع" فاعل ما عن أقواله وتصريحاته.. أمرٌ قد يفهم.. وكما كنت أقول دائما.. "الرَّاس للِّي ما يدور كُدية.." لكن أن يتراجع أو تتراجع بنود الدستور عن موقفها أمرٌ يدعو إلى الحيرة.. لن أدخل في التفاصيل زنكة زنكة.. ولكن أود أن تتقاسموا معي حالتين واضحتين كالشمس والقمر.. حالة الخرق الأولى، تلك المتعلقة عبثاً بسحب قانون المالية.. ولا يهمني من مسألة السحب إلا بُعدها الدستوري.. فحسب نص الدستور الجديد، يعتبر رئيس الحكومة هو الناهي والآمر فيما هو موكول إليه من اختصاصات، ومن بين هذه الاختصاصات إحالة مشاريع القوانين على البرلمان بعدما تكون قد استنفدت مسطرة المجلس الوزاري ثم المجلس الحكومي.. في قصة القانون المالي لسنة 2012، أُحيل المشروع على البرلمان كنقطة استثنائية في جدول أعمال استثنائي خلال شتنبر عوض أكتوبر – عباس الفاسي يقول إن القانون كان جاهزا منذ شهر ماي الماضي! ومعلوم أن سلطة إحالة المشروع تعود إلى رئيس الجهاز التنفيذي شرعاً.. التفاصيل فيها إصرار مرسوم تتكفل الأمانة العامة بتنفيذه عبر إِمْدَاد البرلمان بالوثائق اللازمة لذلك.. وأي تَحَرُّك بعد ذلك لا يمكنه بتاتا أن يحصل دون إذن الوزير الأول سابقا ورئيس الحكومة حاليا. إِلاَّ أنه في حالة مغربنا الجميل كل شيء ممكن، ولا يهم أن تكون مديراً أو نائبا أو حتى وزيراً أو رئيساً للحكومة.. يمكن لوزير بدرجة كاتب للحكومة أن يسحب قانونا بدون علم رئيس الحكومة نفسها.. عباس الفاسي يقول إنه أَشْهَد الوزراء على الأمين العام للحكومة بأنه لم يصدر إليه أي أمر.. وأن ذمته صافية من هذا "الخرق"، والغريب في الأمر أن الأمين العام للحكومة لم ينكر.. لا أنه سحب ولاَ أنه لم يتلقَ أمراً من رئيس الحكومة..! هنا حصل إشكال دستوري.. يا إِمَّا أعضاء الحكومة يأتمرون بأمر رئيسهم، ويا إما يأتمرون بموجب سلطة أخرى.. وهنا ليس هناك أي عيب، كان يجب أن نُدَوِّنَ ذلك في الدستور.. والحال أن هذا التدوين غير موجود.. كان على رئيس الحكومة أن يتشاور مع أعلى سلطة منه بأن فلانا تجاوز حدود اختصاصاته لذلك وجب أن يُتخذ في حقه كذا وكذا.. ولكن كما يقول الفنان صلاح الطويل يا سلام عليها.. يا سلام.. ديمقراطية ماروكان..! الخرقُ الثاني موضوع هذا التنبيه، هو ذاك المتعلق بإحالة مشروع القانون المتعلق بالجماعات الترابية على مجلس النواب أولا، فيما الدستور يشير وجوبا وبالأبيض والأسود أن مشاريع القوانين ذات الصبغة الترابية والجهوية تحال وجوباً على مجلس المستشارين أولا.. أي الغرفة الثانية التي تعتبر أكثر "أهلاً" لذلك.. وهذا التخصيص في الإحالة لا يحتاج إلى ذكاء كبير.. بل إلى ملاحظة يمكن أن يرفعها أضعف موظف في آخر مكتب بين الوزارة الأولى والأمانة العامة والوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان.. فأين كان هؤلاء القوم أجمعين حينما أُحيل مشروع القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على الغرفة الأولى، أي مجلس النواب عوض مجلس المستشارين؟ ربما هناك سِرٌ لا نعرفه بعد وربما يكون النسيان أو الارتباك أو الخوف من أن النواب قد يودعون دون أن يكون لهم الوقت الكافي لانتظار عودة المشروع من المستشارين! وسط هذا الارتباك قال لي أحد الظرفاء، مع ما تعرفه السياسة هذه الأيام من "بسالة"، فلا تستغرب أن تصدر جميع القوانين المرتبطة بالانتخابات القادمة في الجريدة الرسمية أولاً حتى تكون جاهزة للتطبيق.. بعد ذلك تقوم عملية عكسية بالمصادقة عليها في البرلمان عبر جلساته العامة ثم اللجان.. ثم نستصدر فيما بعد مراسيم الإحالة ثم نفرضها عكسيا على المجالس الحكومية ثم الوزارية.. يَاكْ هاذ الشي غير دْيالنا.. بِينَاتْنَا نديرو للِّي بغينا.. علاش علينا بهاذ الصداع.. أُو الدستور والمساطير.. الحياة سهلة فلماذا كل هذه التعقيدات؟! ومزيداً في مسلسل الارتباك، فقد أُحيل على المؤسسة التشريعية مقترح جميل آخر يتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية! مع أن البرلمان قد صادق للتو على هذا المشروع ولم تمض سوى أيام قليلة عليه.. حيث اتضح أن الآجال التي حددتها وزارة الداخلية لمعالجة اللوائح الانتخابية وحصرها في القانون المصادق عليه رقم 36.11 سيجعل جاهزية تلك اللوائح تتم يوم 21 نونبر، أي قبل موعد الانتخابات بأربعة أيام فقط.. وهذا لا يحترم أو لا يأخذ بعين الاعتبار مدة نشر تلك اللوائح من طرف اللجان الإدارية المكلفة بحصر اللوائح وعرضها على العموم، ثم آجال الطعن التي حددها القانون المذكور.. وبما أن الحكومة لم يعد لها الوقت الكافي لاتباع مسطرة التشريع، فقد تكفل بالأمر تحالف حزبي رباعي يضم فريق التجمع الدستوري والفريق الحركي إضافة دائما إلى الأصالة والمعاصرة ويهدف المقترح إلى تقليص المدد اللازمة لمعالجة اللوائح وحصرها وآجال الطعون.. لتصبح جاهزة قبل الخامس من نونبر، يعني ثلاثة أسابيع قبل تاريخ الانتخابات التشريعية انسجاما مع قانونية الآجالات، ولعلمكم فقد أصررنا وألححنا على أن تاريخ 25 نونبر، تاريخ غير ممكن بكل اللغات.. وأصروا وألحوا أنه ممكن.. فاللهمَّ خَرَّج هاذ الحريرة على خير! [email protected]