لم يشفع التوسع المعماري المتزايد التي تشهده مدينة تنغير منذ بداية العقد الحالي، من التخفيف من حجم الخصاص الكبير الذي تعاني منه الساكنة المحلية، خصوصا في مجالات التنمية وكل ما له علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمواطنين، مما يجعل القائمين على تدبير الشأن العام المحلي والإقليمي على المحك، ويجلب عليهم غضب الشارع العام الذي طالما يتهم الجهات المسؤولة بضعف التسيير وغياب إرادة لخلق تنمية مستدامة ومندمجة بالمدينة، وبالإقليم ككل. بعد مرور حوالي عقد من الزمن على إحداث عمالة إقليم تنغير، بعد أن كانت بعض جماعاتها سابقا تنتمي إلى إقليمورزازات، وجماعات أخرى تنتمي إلى إقليمالرشيدية، ما زالت وزارة الداخلية تكتري "فندقا سياحيا" كمقر للعمالة، مما يجعل المواطن التنغيري يتساءل عن أسباب التأخر في إتمام أشغال بناء المقر الرئيسي للعمالة الواقع بالقطب الحضري للمدينة، والتخلي عن الكراء الذي يستنزف ميزانية كبيرة شهريا. "الاختلالات لا تشوب فقط مقر العمالة، بل هناك مشاريع أخرى كبيرة بالمدينة متعثرة أو متوقفة بها الأشغال لأسباب مجهولة"، يقول حميد المدغيري، فاعل جمعوي بالمدينة، مشيرا إلى أن الأوراش الكبيرة التي انطلقت فيها الأشغال في السنوات الماضية توقفت اليوم، "مما يفسر أن الجهات المسؤولة على المستوى المحلي والجهوي والمركزي لها نية لقتل حلم الساكنة المحلية بتجسيد مشاريع تنموية كبرى انطلاقا من بنايات المؤسسات العمومية"، بتعبير المتحدث ذاته. فندق عمالة تنغير لعل أول ما يلاحظه الزائر إلى مدينة تنغير، وهو يلقي نظرته بالنفوذ الترابي للجماعة الحضرية من جهة بومالن دادس، تلك البنايات الجديدة المشيدة بالقطب الحضري للمدينة، منها مقر الوقاية المدنية الذي يتم استغلاله من المصالح ذاتها، ومقر المحكمة الابتدائية الذي بلغت فيه الأشغال نسبة متقدمة، والتكوين المهني الذي يستقبل سنويا المئات من الطلبة، ومقر العمالة الجديد الذي توقفت به الأشغال منذ ثلاث سنوات، بعد إفلاس الشركة المكلفة ببنائه، وبقي مجرد أطلال. ويفضل عدد من التنغيريين تسمية مقر العمالة الحالي ب "فندق عمالة تنغير"، كون وزارة الداخلية اكترت فندقا سياحيا من أحد المنعشين السياحيين لاتخاذه مقرا للعمالة، مقابل مبلغ مالي كل شهر، منذ الإعلان عن إحداث العمالة. وفي هذا الإطار، أكد جمال الحسني، حقوقي، أن العمالات التي تم إحداثها موازاة مع إحداث عمالة تنغير، "كلها تتوفر اليوم على مقراتها الرئيسية، باستثناء تنغير التي توقفت أشغال بناء عمالتها لأسباب غر مفهومة"، بتعبيره. وأضاف الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الوضع التنموي بمدينة تنغير، وبالإقليم بشكل عام، يسير بوتيرة متباطئة، مشيرا إلى أن المسؤولين المحليين والإقليميين لم يتمكنوا من تلبية احتياجات السكان وإنهاء معاناتهم مع مشاكل ومعوقات عدة ظلت مطروحة، لا سيما المتعلقة بالمطالب الاجتماعية، متسائلا باستغراب: "كيف لمسؤولين لم يفلحوا في بناء مقرات عملهم أن يهتموا بأمور المواطن المقهور؟"، وفق تعبيره. من جهتها، قالت حفيظة جمال الدين، مدرسة بأحد أقاليم جهة درعة تافيلالت، وهي ابنة مدينة تنغير، "توقف أشغال بناء مقر العمالة يرسم صورة سوداوية على واقع التنمية بالمدينة"، موضحة أن هذا التوقف يطرح أكثر من علامة الاستفهام، خصوصا أن بعض الأخبار التي تروج تؤكد أن أشغال بناء هذه البناية تشوبها خروقات و"غش"، مشددة، على أن "وزارة الداخلية وباقي القطاعات الوزارية الأخرى إن كانت تفكر في خلق التنمية بمدينة تنغير عليها أولا إحداث مقرات عمل رسمية لمصالحها، وتخفيف عبء تكاليف الكراء الذي يكلف ميزانية الدولة ملايين الدراهم سنويا"، وفق تعبيرها. مصدر مسؤول بمدينة تنغير فضل عدم الكشف عن هويته للعموم، أوضح بدوره أن أشغال بناء مقر العمالة الجديد الواقع بالقطب الحضري تشوبه اختلالات كبيرة في البناء، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية باعتبارها حاملة المشروع، "تفكر في الطريقة التي يمكن من خلالها إصلاح الاختلالات التي شابت الأشغال، بعد إعلان المقاولة السابقة إفلاسها". وذكر المصدر ذاته، في تصريح خص به جريدة هسبريس الالكترونية، أن احتمال "هدم" البناية وإعادة بنائها من جديد وارد بنسبة 85 بالمائة، مستدركا بأن الوضع التنموي "الميت" بمدينة تنغير، وبالإقليم بصفة عامة، يحتاج إلى زيارة ملكية تحرك التنمية وتعيد للمدينة الأمل في مستقبل أفضل، مختتما بأن "الزيارة الملكية إلى تنغير تعتبر إلى حد كبير الحل الوحيد الذي سيعطي للمدينة حقها في التنمية، وسيجعل المسؤولين يتحركون لتحقيق مطالب الساكنة"، وفق تعبيره. توقف مشروع كان من المنتظر "تدشينه من طرف الملك" كريم السعدوني، فاعل جمعوي أحد القاطنين بحي الفلاحة بمركز مدينة تنغير، أشار إلى أن عددا من المشاريع التنموية التي تم إطلاقها بمدنية تنغير توقفت بها الأشغال، وبعضها تجاوزت الآجال القانوني المحدد لها دون أن يتم تسليهما، موضحا أن من بين الأسباب الرئيسية في التعثر الذي يصيب المشاريع الكبرى بمدينة تنغير كون المسؤولين يهتمون بجانب التدشين فقط، ولا يهتمون بالرقابة وتتبع المشاريع. وأوضح المتحدث أن غياب الرقابة وعدم متابعة المشاريع التي تمولها الدولة، خصوصا التي تعتبر من بين المشاريع الكبرى التي يمكن أن يأتي ملك البلاد لتدشينها، "يطيل أمد تنفيذها ويجعل بعضها يتعثر بشكل كبير"، مشددا على أن "الحل الوحيد من أجل تنفيذ جميع المشاريع المتوقفة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومعاقبة كل مسؤول تخلى عن مسؤوليته تجاه أي مشروع"، وفق تعبيره. ومن بين المشاريع التي توقفت بها الأشغال "المركب الديني"، الذي يضم مسجدا كبيرا وخزانة ومقرا للمندوبية الإقليمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومقرا للمجلس العلمي المحلي وروضا للأطفال ومدرسة عتيقة، بسبب خلاف بين المقاولة التي كلفتها الوزارة بإنجاز الأشغال ومقاولة أخرى. وقال داود الحميدي، من السكان المجاورين للمركب الديني المتوقفة أشغاله، إن "هذا المشروع سيكون متنفس الساكنة، وسيوفر مناصب شغل عديدة لفائدة معطلي المدنية"، وتساءل: "كيف لمشروع تم تخصيص حوالي أربعة ملايير سنتيم لإنجازه أن تتوقف به الأشغال؟"، وأوضح أن المسؤولين يكرسون التهميش والإقصاء لهذه المدينة من خلال قتل جميع المبادرات الرامية إلى خلق مشاريع تنموية كبرى. وحمل المتحدث المسؤولية لمسؤولي الأوقاف على لامبالاتهم بالواقع الديني بالمنطقة، مشددا على ضرورة الإسراع في إطلاق صفقة جديدة لإتمام أشغال المركب الديني الذي طالما انتظرته الساكنة المحلية، مختتما بالقول إن "الواقع يفرض نفسه، ولا حل بدون زيارة ملكية وربط المسؤولية بالمحاسبة". وفي الوقت الذي زارت فيه هسبريس المندوبية الإقليمية للأوقاف والشؤون الإسلامية بمدينة تنغير للتواصل مع المندوب واستفساره عن أسباب التوقف والإجراءات المتخذة في هذا الشأن، وأخبرنا أحد الموظفين بأن المسؤول غير موجود في مكتبه وحاولنا الاتصال به مرات عدة لكن دون مجيب رغم أن هاتفه يظل يرن، قال مسؤول مطلع على ملف المركب الديني إن الشركة الأولى التي حصلت على صفقة إنجاز المشروع تعاني أزمة مالية، مما فرض على الوزارة المعنية فسخ الصفقة، في انتظار إعلانها مرة أخرى. ولم يخف المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الجميع كان ينتظر إتمام أشغال بناء المركب الديني قصد تدشينه من طرف الملك محمد السادس، موضحا أن هذا التوقف يجعل أحلام الساكنة "تتبخر" في رؤية ملك البلاد بالمدينة، لتدشين المشروع ومشاريع أخرى تغير من واجهة المنطقة، مؤكدا أن "مطالب الساكنة اليوم هي زيارة الملك إلى تنغير، لتحريك "الرمال الراكدة" وإحداث زلزال في بعض المسؤولين المعمرين في مناصبهم دون نتائج تذكر"، وفق تعبيره.