تحل اليوم الذكرى ال37 لانتفاضة 20 يونيو 1981، التي هزت عرش المملكة عندما واجه المغاربة بصدورهم العارية رصاص الجيش والأمن رداً على الزيادات الصاروخية في أسعار مواد غذائية أساسية؛ ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا واعتقال العشرات. وتعود وقائع انتفاضة 20 يونيو، التي أطلق عليها وزير الداخلية الراحل إدريس البصري اسم "انتفاضة الكوميرا"، إلى يوم 28 ماي 1981 عندما قررت الحكومة وقتها زيادات مهولة في أثمان المواد الاستهلاكية الأساسية لم تراع القدرة الشرائية للمغاربة؛ إذ تم رفع أسعار الدقيق ب40 في المائة، والسكر ب50 في المائة، والزيت ب28 في المائة، والحليب ب14 في المائة، والزبدة ب 76 في المائة. ورغم التبرير الذي قدمته الحكومة حينها بكون هذه الزيادات جاءت في سياق اقتصاد عالمي لموازنة الوضع الاقتصادي الوطني، إلا أن الشعب المغربي لم يتقبل ذلك، خصوصا وأنه كان خرج لتوه من زيادات مماثلة سنتي 1971 و1980، ليتقرر يوم 18 يونيو إضرابا عاما في كل من الدارالبيضاء والمحمدية. دبابات تُواجه المتظاهرين وأمام تعنت الحكومة وتعالي الغضب الشعبي، دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى إضراب عام وطني يوم 20 يونيو 1981، كلل بالنجاح خصوصا في العاصمة الاقتصادية للمغرب، فتدخلت السلطات الأمنية لإفشاله لكنها لم تنجح، فلجأت الدولة إلى الدبابات والسيارات العسكرية لمواجهة الاحتجاجات بالقمع والعنف والاعتقالات. ووصفت تلك الأحداث بالأكثر دموية نظرا لسقوط ضحايا بالعشرات، منهم حتى الذين لم يشاركوا في الإضراب. بعد استمرار العنف إلى حدود يوم 21 يونيو، وما أسفرت عنه الأحداث من عشرات القتلى ومئات الجرحى، وجدت الحكومة نفسها مجبرة على التراجع عن الزيادات في الأسعار، قبل أن تحمل المسؤولية في بيان رسمي إلى أحزاب المعارضة. وبررت خيار العنف الدموي ضد الضحايا بوجود عناصر مشبوهة مندسة داخل الوطن حاولت التشويش على لقاء للمغرب في مؤتمر بنيروبي بشأن نزاع الصحراء. ولأن الحلول التي سنتها الحكومة كانت "ترقيعية"، لم تمض على "انتفاضة الكوميرا" إلا سنتان حتى اندلعت احتجاجات 1984 في منطقة الريف ومراكش والقصر الكبير، بعد شروع الحكومة في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بتوصية من صندوق النقد الدولي وارتفاع الأسعار وفرض رسوم على التعليم، وهي الأحداث التي خلفت بدورها قتلى حددت السلطات أعدادهم في 16 شخصا، في حين قالت المعارضة وتقارير إعلامية إنهم تجاوزوا 80 شخصا. من "كوميرا" إلى المقاطعة اليوم، وبعد مرور سنوات على هذه الأحداث الأكثر دموية باعتراف تقارير رسمية لهيئة الإنصاف والمصالحة، ما تزال حمى ارتفاع الأسعار تشعل مواجهات غير مباشرة بين الحكومة والمواطنين، رغم تراجع دور تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار التي ظهرت كحركات بديلة بالمغرب خلال السنوات القليلة الماضية، بعد تراجع الفعل النقابي المحوري في الدفاع عن القدرة الشرائية للمغاربة. وتستحضر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ذكرى 20 يونيو بخوضها إضراباً عاماً وطنياً، الأربعاء، من "أجل العيش الكريم ومغرب الحرية والديمقراطية". وتُؤكد النقابة اليسارية أن الأسباب التي دعت إلى إضراب سنة 1981 هي نفسها التي استدعت إضراب 2018، وإن اختلفت في شكلها السياسي. وأورد التنظيم النقابي في نداء الإضراب العالم ل20 يونيو 2018 أن الشعب يُواجه "حكومة غير مسؤولة تتمادى في تغييب الحوار الاجتماعي، وعدم الإشراك واتخاذ قرارات انفرادية ظالمة، والتملص من تنفيذ كل الالتزامات السابقة، والتضييق على الحريات النقابية، والتسريح الجماعي والطرد التعسفي وإغلاق المؤسسات، وتجاهل ضمان حق الشغل للشباب المعطل، والتخلي عن الخدمة العمومية، وغياب الحماية الاجتماعية لعموم المواطنات والمواطنين، والاستمرار في سياسة التقشف وتجميد الأجور والتعويضات". وأكد "رفاق الأموي" أن المغرب يشهد وضعاً مأزوما يهدد استقرار البلاد، "مما يزيد من الاحتقان الاجتماعي وتنامي التعبيرات الاحتجاجية الاجتماعية الخلاقة والحضارية، ومنها مبادرة المقاطعة، وهو ما يفرض على الدولة فتح حوار وطني من أجل الإصلاح الشامل العميق بما يحقق العدالة الاجتماعية والديمقراطية". وفي وقت يُقر فيه الجميع بأن المغرب طوى صفحة "الجمر والرصاص" بتدشين الملك محمد السادس لفترة مصالحة جديدة أُطلق عليها اسم "العهد الجديد"، فإن عددا من المراقبين الحقوقيين الذين واكبوا "مغرب الأمس" و"مغرب اليوم" يُؤكدون أن الانفراج كان فقط سياسياً وحقوقياً، بينما اجتماعياً ما يزال المغرب يشهدُ تدهوراً بفعل الإجراءات الحكومية، وهو ما تجسد في حملة المقاطعة غير المسبوقة في تاريخ المغرب التي استهدفت ثلاث منتجات. عبد الإله بن عبد السلام، القيادي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحد الذين واكبوا أحداث 1981 بالرباط، يرى في حديث مع هسبريس أن الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمغاربة لم تشهد أي تقدم منذ "انتفاضة كوميرا" إلى يومنا هذا، بل شهد الوضع تراجعاً في عدد من المكتسبات التي ضحت من أجلها الحركة الحقوقية والديمقراطية. بنعبد السلام، الذي أقر بتقدم أوضاع حقوق الإنسان نسبياً، خصوصا الحقوق المدنية والسياسية، أكد أن غلاء المعيشة بات اليوم يمس أيضاً الطبقة المتوسطة وليس فقط الفئات الفقيرة كما كان عليه الوضع سابقاً، معتبراً أن "هذه الأسباب هي التي دفعت المغاربة إلى إبداع أشكال جديدة للمقاومة والتصدي، وأبرزها حملة المقاطعة التي تدق ناقوس الخطر حول الإجهاز على الحق في العيش الكريم". وأوضح الحقوقي ذاته أن المواطن المغربي الذي لا تُوفر له الدولة شروط المواطنة الكاملة "يُصبح سلبيا في علاقاته مع السلطات والمجتمع والأسرة، كما أن ردود فعله تتخذ اتجاهات مختلفة ومتطرفة وعنيفة أحياناً". المغرب بين الأمس واليوم وتابع المتحدث أن الأحداث التي جرت في الحسيمة، وجرادة، وتندرارة، وسيدي إفني، "تعد دليلاً على استمرار الهزات الاجتماعية بالمغرب وإن اختلفت عن سياق 1981، حيث كانت البلاد تشهد احتقاناً سياسياً، بينما اليوم طابع الاحتجاجات يغلب عليه ما هو اجتماعي أكثر مما هو سياسي". ولم يستبعد الحقوقي ذاته لجوء الدولة إلى العنف بشكله الدموي الذي طبع الأحداث السابقة، قائلاً: "عندما تنظر كيف تم الهجوم على منازل النشطاء بالحسيمة واقتحام حرمات البيوت وتهديد آخرين بالاغتصاب، يتضح لنا أن المقاربة الأمنية هي الأكثر انتشاراً في سلوك النظام"، بتعبيره. وكان وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني، إدريس البصري، قد أطلق على انتفاضة 20 يونيو اسم "أحداث الكوميرا" كنوع من التهكم على ضحاياها، بينما أطلق وزراء في حكومة العثماني على المواطنين المشاركين في حملة المقاطعة "المداويخ". ويرى مراقبون أن الإصلاحات في المغرب "ما زالت بعيدة عن إحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين"، بينما يعتبر آخرون أن الدولة قد تقوم بتغييرات واسعة من أجل أن لا يتغير أي شيء"، كما خلص إلى ذلك الباحث الأمريكي "جون واتربوري" في كتابه "أمير المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية المغربية".