يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء (الفصل 48/ الفقرة الأوسلى)؛ علما أن المجلس يتداول في العديد من القضايا، من أهمها التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة وغيرها من السياسات (الفصل 49). وتمارس الحكومة السلطة التنفيذية، وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين (الفصل 89). والحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة (الفصل 87/ الفقرة الأولى). ويمارس رئيس الحكومة أيضا السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء (الفصل 90/ الفقرة الأولى). ويرأس رئيس الحكومة المجلس الحكومي (الفصل 92)، ويطلع الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة (الفصل 92/ الفقرة الأخيرة). وتأسيسا على ما ذكر، واستنادا إلى جميع فصول الدستور، لا يوجد من بينها ما يفيد لا ضمنيا ولا صراحة بأن لمستشاري الملك مكانة دستورية، أو أن مستشاري الملك هيئة دستورية أو مؤسسة سياسية تضطلع بمهام ووظائف محددة بموجب الدستور، الأمر الذي يعني أن المستشار الملكي يستمد مركزه القانوني من ظهير تعيينه من طرف الملك، وليس انطلاقا من أحكام الدستور. ولما كان الأمر كذلك، ما موقع المستشار الملكي في هرمية السلطة في علاقته بالحكومة، وبالسلطة القضائية والسلطة التشريعية؟ وهل يشتغل بناء على تفويض صريح من الملك أم يمكنه أن يبادر دون الحاجة إلى ذلك؟. أولا: مكانة مستشار الملك في النظام الدستوري المغربي: خلافا لما ذهب إليه دستور 2011، لما قرر صراحة دسترة المؤسسات الوطنية والمجالس الاستشارية([1])، إلا أنه لم يشر لا ضمنا ولا صراحة إلى أهمية مكانة المستشار الملكي في النسق الدستوري المغربي، وهو الاتجاه الذي سارت عليه الدساتير السابقة. الأمر الذي يكشف أن مستشار الملك يستمد مركزه القانوني من ظهير تعيينه، أي من الظهير الملكي، ما يعزز نظرية انحصار مهام المستشار الملكي في تقديم الاستشارة للملك، إما بطلب من الأخير، أو بمبادرة من الأول. وتأسيسا على ذلك، فمستشار الملك وفقا للدستور لا توجد آليات دستورية تحدد علاقته بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أو بالسلطة الملكية، في حين أن الملك له علاقة مباشرة مع تلك السلطات. ولكن من بوابة صلاحيات الملك، يقيم المستشار الملكي علاقات معينة مع سلطات ومؤسسات الدولة، وهي رمزية في جوهرها، يستمدها من سلطات الملك الدينية والسياسية والدستورية، ما خلق نوعا من الالتباس في تضخيم مكانة المستشار الملكي في النظام السياسي المغربي، خاصة أن الملك يمارس سلطات واسعة، لكنها لا تخضع لمبدأ فصل السلطات، أو للمسائلة، لكونه سلطة من نوع خاص، تسمو على سائر السلطات وعلى الدستور. ثانيا: المركز القانوني لمستشار الملك: كما سبق القول فمستشارو الملك تتحدد وظيفتهم في تقديم الرأي، والاستشارة، في مجمل القضايا التي تهم الدولة تحت رئاسة الملك، الذي يعتبر رئيسها وفقا للفصل 42 من الدستور. ولما كان المركز الدستوري معدوما بالنسبة لمستشاري الملك، فإنهم يستمدون مركزهم القانوني وأدوارهم الاستشارية انطلاقا من الظهائر الخاصة بتعيينهم. وشرع العمل بنظام مستشاري الملك منذ تاريخ 10 أكتوبر 1977، وهم لا يعتبرون أعضاء في الحكومة، في حين يتمتعون بنفس الامتيازات المخولة للوزراء([2]). إنه ولما كانت الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكنها أن تضم كتابا للدولة؛ كما أن الملك يحتل مكانة بارزة وخاصة في النظام الدستوري المغربي، بصفته أميرا للمؤمنين (الفصل 41 من الدستور) ورئيسا للدولة (الفصل 42 من الدستور)، فإنه تبعا لذلك يمارس صلاحيات واسعة بموجب فصول الدستور تستغرق سائر المجالات، التشريعية والتنفيذية والقضائية. والملك لا يعتبر جزءا من السلطات الثلاث داخل الدولة كما هو ظاهر وثابت من فصول الدستور([3])، الأمر الذي يجعلنا أمام أزمة فصل السلطات على مستوى الملك، وهو ما يجعله في مكانة تسمو على جميع السلطات وعلى الدستور ذاته، لكونه هو مصدر السلطة التأسيسية الأصلية والفرعية الواضعة والمعدلة للدستور. ثالثا: وظائف مستشار الملك امتداد لمهام الملك: كيفما كانت طبيعة النظام السياسي، ملكيا أم جمهوريا، رئاسيا أم شبه رئاسي أو برلمانيا، فإن رئيس الدولة أو الملك أو الأمير يستعين بخدمات مستشارين من ذوي الكفاءات والإلمام الواسع بمجال تخصصهم. ونظرا لأهمية ومكانة المستشار، أشار مكيافيلي إلى أن القاعدة الأساسية في كل حكم هي أن يستشير الأمير، إذ إن طلب الاستشارة من أي جهة كانت يظهر حكمة الأمير([4]). وهكذا حرص ملوك المغرب على الاستعانة بخدمات مستشارين في مختلف المجالات ذات الصلة بالسلطات التي يمارسها الملك..وهي في الواقع جميع السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، تضاف إليها السلطة الدينية، التي هي من الوظائف الحصرية والمجال المحفوظ لأمير المؤمنين. وانطلاقا من الدستور واستنادا إلى إمارة المؤمنين، يمارس الملك وظيفة حماية الدستور، وهي مهمة تتولاها إلى جانبه المحكمة الدستورية. ويتميز عمل مستشاري الملك بخدمة الأجندة الملكية، التي هي في واقع الدستوري المغربي سلطة قائمة بذاتها لا تخضع لأي رقابة أو مساءلة. ولا يمكن تصور تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على مستوى الملك، لأنه ولئن كان يحكم، إلا أن تأويله للدستور يجعله فوق أي مساءلة، سواء كانت سياسية أو قضائية. وهذا خلافا لمبادئ الحكامة الديمقراطية التي تقوم على أسس الرقابة والمحاسبة والنزاهة([5])؛ علما أن دستور 2011 أبعد الصفة التنفيذية عن الملك، رغم أن اختصاصاته التنفيذية أهم وأوسع من اختصاصات رئيس الحكومة التي أضفى عليها الدستور الصفة التنفيذية([6]). إن سلطات الملك تستغرق جميع السلطات، وتسمو فوقها، وذلك لأسباب سياسية وتاريخية، توظفها الملكية وتمارسها من منطلق أن سلطة الملك فوق دستورية Supra-constitutionnel. فإذا كان الملك هو من يضطلع بوظيفة حماية الدستور، إلى جانب المحكمة الدستورية، فهذا يعني أنه يجسد أعلى سلطة في الدولة وفي النظام السياسي المغربي، تضعه خارج أي محاسبة أو مراقبة رغم ممارسته لمهام تنفيذية وإدارية وتشريعية وقضائية بواسطة ظهائر، منها ما يوقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة([7])، ومنها ما هو مجال محفوظ للملك([8]). وإذا كان المستشار الملكي يشتغل إلى جانب الملك، فإن نطاق الاستشارة تحدده الاختصاصات المسندة إلى الملك بمقتضى فصول الدستور، وفي إطار علاقة ثنائية بينهما. ووظيفة مستشار الملك يجب أن تمارس في إطار من السرية، والتقيد بواجب التحفظ، إذ يلزمه عدم التدخل في الحياة السياسية، أو الإدلاء بتصريحات صحافية دون ترخيص أو تفويض من الملك، كما يجب عليه أن يتحدث باسم الملك، وينوب عنه، بناء على تكليف قد يكون صريحا أو ضمنيا. رابعا: المستشار الملكي فاعل سياسي ولو في غياب سند دستوري: كان المستشار الملكي في ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني يضطلع بأدوار كانت تتسم بواجب التحفظ، وعدم التدخل في اختصاصات مؤسسات الدولة بشكل ظاهر وعلني، في حين أنه لم يكن بعيدا عن صناعة وبلورة القرار السياسي، الذي يعتبر من مهام الملك؛ كما لم يكن مؤثرا في توجيه الأحزاب السياسية، أو التدخل في شؤونها، كما هو عليه الحال حاليا. وقد يفهم أن المستشار الملكي تحول إلى فاعل سياسي، ولو في غياب سند دستوري أو قانوني، مادامت مهامه تنحصر في تقديم الاستشارة للملك، وليس التدخل في الحياة السياسية أو الدستورية. لكن وفي ظل حكم الملك محمد السادس منذ 1999، يبدو أن "مؤسسة مستشاري الملك" ازدادت قوة وحضورا في المشهد السياسي، كما تؤكده العديد من الأحداث والوقائع، ومن أهمها واقعة بلاغ الديوان الملكي الصادر بشأن تصريحات نبيل بنعبد الله، والتصريح الإعلامي لمستشار الملك السيد الطيب الفاسي الفهري، وانتقاده الواضح للأمين العام لحزب الاستقلال السيد حميد شباط، الأمر الذي يؤكد أن "مؤسسة مستشاري الملك" أصبحت تضطلع بأدوار سياسية، ولا تنحصر وظيفتها في تقديم الاستشارة للملك، ما ينزع عنها صفة الحيادية والتجرد والالتزام بواجب التحفظ. وقد انخرط أيضا بعض مستشاري الملك بشكل واضح في مسلسل استقطاب النخب السياسية، وتوجيه الرأي العام بوسائل مختلفة، من أهمها اعتماد أساليب استقطاب لم تكن ظاهرة في الماضي، وقوامها أن الوصول إلى مغانم السلطة يمر عبر "مؤسسة مستشاري الملك"؛ إضافة إلى تبني النظرية القائلة إن الحكومات المنتخبة ليست أكثر شرعية من شرعية "المخزن"، بالنظر إلى التحول الحاصل في وظائف مستشاري الملك، إذ أصبح يتمثل في التأثير المباشر وغير المباشر في الحياة السياسية، حتى ولئن كان الدستور أو القانون لا يمنحهم هذه الوظائف والاختصاصات، بل هي تقاليد بدؤوا في تكريسها، الأمر الذي قد يفسر بأنه تهديد وضرب للديمقراطية، التي تقوم على المؤسسات في إطار دولة القانون؛ في حين أن "مؤسسة مستشار الملك" لا هي بمؤسسة دستورية ولا هي بمؤسسة سياسية، بل هي مؤسسة استشارية، تشتغل إلى جانب الملك ولفائدته وتحت ولايته العامة وتوجيهاته. *********** [1]- حسن طارق، هيئات الحكامة في الدستور، السياق البنيات والوظائف، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، 110/2016، ص.78. [2]- سعيد جفري، المختصر في التنظيم الإداري المغربي الجديد، مطبعة الامنية، الرباط، 2017، ص.50. [3]- مليكة الصروخ، القانون الإداري، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 2001، ص.115. [4]- كريم لحرش، القانون الإداري المغربي، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، مطبعة الامنية، الرباط، 2014، ص.115. [5]- محمد براو، الإطار الدستوري الجديد والحكامة الديمقراطية الرشيدة، منشورات مجلة العلوم القانونية، سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية، العدد الثاني، 2014، ص.14. [6]- عبد الرحيم العلام، صلاحيات الملك في الدستور المغربي، دراسة نقدية، منشورات مجلة العلوم القانونية، مرجع سابق، ص.30. [7]- إن الظهائر التي لا يوقعها رئيس الحكومة هي تلك التي تستند إلى فصول الدستور: 41 (الشأن الديني) 42 (رئيس الدولة)، 44 (مجلس الوصاية)، 47 (تعيين رئيس الحكومة وأعضائها وإعفاؤها) 51 (حل مجلس البرلمان)، 57 (تعيين القضاة)، 59 (الإعلان عن حالة الاستثناء)، 30 (تعيين 6 أعضاء في المحكمة الدستورية ورئيسها). [8]- صلاحيات الملك التنفيذية مستمدة من فصول الدستور، 48 (رئاسة المجلس الوزاري)، 56 (رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية)، 54 (رئاسة المجلس الأعلى الأمن...الخ. [9]- منية بنلمليح، التنظيم الإداري المغربي على ضوء مستجدات الدستور الجديد، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، 113 / 2016، ص.81. [10]- يحدد القانون التنظيمي رقم: 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 1.12.20 بتاريخ 27 من شعبان 1433 (17 يوليوز 2012) والمنشور بالجريدة الرسمية، عدد: 6066 بتاريخ 19 يوليوز 2012 لائحة المؤسسات والمقاولات الإستراتيجية، وغيرت وتممت بالمادة الفريدة من القانون التنظيمي رقم 14-12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 61-15-1 بتاريخ 14 شعبان 1436 (2 يونيو 2015) جريدة رسمية عدد: 6368 بتاريخ 11 يونيو 2015، وبالمادة الفريدة من القانون التنظيمي رقم: 16-23 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 120-16-1 بتاريخ: 6 ذي القعدة 1437 (10أغسطس 2016)، الجريدة الرسمية عدد: 6490 بتاريخ: 11 أغسطس 2016. *محام بهيئة وجدة، أستاذ زائر بكلية الحقوق بوجدة