سادستها، إضفاء الطابع المواطناتي على المؤسسة الملكية من خلال ما يلي: رفع طابع القداسة عن شخص الملك بتبني دستور 2011، في فصله ال46، من منظور إبراز سمة الملكية المواطنة، مع التشديد على واجب التوقير والاحترام المفروض لشخص الملك، بخلاف الفصل 23 من دستور 13 شتنبر 1996 الذي أضفى طابع القداسة على شخص الملك. اعتماد الفصل 44 من دستور 2011 سن 18 سنة كاملة، المحددة في التشريعات الوطنية، كسن رشد قانوني لولي العهد، بدل سن 16 سنة الوارد في الفصل 21 من دستور 13 شتنبر 1996. إزالة تعبير «الشريف» المقترن، تاريخيا، باصطلاح «الظهير»، منذ دستور 31 شتنبر 1970، ثاني دستور للمملكة، المكرس للعودة القوية للتقاليد السلطانية المغربية. سابعتها، التنصيص الصريح على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية: بخلاف دستور 13 شتنبر 1996 المشير، في أبوابه الثالث والرابع والسابع، على التوالي، إلى البرلمان والحكومة والقضاء، فإن دستور 2011، واستجابة لمطلب تأكيد امتلاك البرلمان والحكومة والقضاء لسلطة واستقلالية ممارسة سلطاتها، تم التنصيص الصريح، في أبوابه الرابع والخامس والسابع، على التوالي، على السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية انسجاما وتجسيدا للقاعدة الدستورية المدرجة في فصله الأول بالتنصيص الصريح على قيام النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط في مدلوله المونتيسكي. ثامنتها، تقوية القضاء الدستوري، مؤسساتيا واختصاصا: تتخذ تقوية القضاء الدستوري مؤسساتيا مظهر ترقية المجلس الدستوري، الوريث المؤسساتي لاختصاصات الغرفة الدستورية منذ دستور 4 شتنبر 1992، إلى محكمة دستورية تتموقع هندسيا في الباب الثامن في الدستور بعد الأبواب المتعلقة ب: الأحكام العامة، الحريات والحقوق الأساسية، الملكية، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، العلاقات بين السلط، السلطة القضائية، وقبل الأبواب الخاصة ب: الجهات والجماعات الترابية، المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الحكامة الجيدة، مراجعة الدستور، أحكام انتقالية وختامية أخيرا. واختصاصا، تتخذ تقوية القضاء الدستوري مظهر البت في الدفع بعدم دستورية القانون المثار من طرف أحد أطراف الدعوى بمناسبة بت المحاكم العادية في النزاع المعروض أمامها. على أن اعتماد دستور 2011 في فصله 133 طريقة الدفع، المستلهمة من بعض الديمقراطيات الرائدة في مجال إشراك المواطن في التحريك غير المباشر لمسطرة مراقبة دستورية القوانين، والمعروفة عمليا بطريقة الامتناع، بدل طريقة الدعوى الرديف الدستوري لطريقة الإلغاء بحجة عدم دستورية القانون، وكذا التنصيص على تخويل قانون تنظيمي اختصاص تقنين هذا الإجراء، قد يحولها عمليا إلى طريقة دعوى يفرض على المتقاضين عند اللجوء إليها التقيد بجملة شروط وإجراءات لتطبيق هذا المكسب الدستوري. تاسعتها، إغناء المكون الديني لتركيبة قمة الهرم القضائي للمملكة: دلالة على الأصل الديني للحكم وتأكيدا للتلازم التاريخي بين مهمتي الإفتاء والقضاء، انطلاقا من اعتبار العدل أساس الملك، فإن الحرص الملكي على عدم حصر دور المجلس العلمي الأعلى في مهمة الإفتاء فقط، وتمديدها مع دستور 2011 إلى مشاركته، بقوة الدستور، في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا في تركيبة المحكمة الدستورية، من منطلق امتلاك أمينه العام سلطة اقتراح تعيين عضو من أعضائها الستة المعينين من قبل الملك، يستجيب لمطلب استحضار البعد الديني في تركيبة وإنتاجات هاتين المؤسستين الدستوريتين، وتوجها عمليا نحو تجاوز أدواره التقليدية، كما يعد تأكيدا على التبعية والارتباط الضمني للقضاء بحقل إمارة المؤمنين. I - عناصر الاستمرارية في علاقات السلط أولا، تكريس دستور 2011 لاحتفاظ الملك بسلطات فعلية في الحالات العادية والاستثنائية: 1 - السلطات الملكية الفعلية في الحالة العادية: بفصوله الثمانين بعد المائة، أبقى دستور 2011 على سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية فعلية، وهكذا وعلاوة على ممارسته لمهام دينية بوصفه أميرا للمؤمنين، يبقي دستور 2011 للملك، ضمن منظور الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية، على سلطات تنفيذية فعلية تتجلى من خلال رئاسته العملية للمجلس الوزاري، المنعقد إما بمبادرة منه أو بطلب من رئيس الحكومة، بجدول أعمال محدد، مع تخويل هذا المجلس صلاحية البت والحسم دون سواه في جميع القضايا الاستراتيجية، من قبيل مراجعة الدستور، إشهار الحرب، إعلان حالة الحصار،... كما أن الرئاسة الملكية الفعلية للمجالس العليا السيادية -من قبيل: المجلس العلمي الأعلى، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المجلس الأعلى للأمن- يعد تجسيدا لملكية حاكمة تسود وتحكم. ومن مظاهر تكريس الممارسة الملكية لاختصاصات تنفيذية فعلية، فإن إلزام رئيس الحكومة عند لجوئه إلى حل مجلس النواب، كإحدى آليات تجسيد التوازن العملي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، باستشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية واتخاذ مرسوم الحل في المجلس الوزاري، لا يعادله سوى إخباره فقط دون استشارته من طرف الملك بقرار حله أحد المجلسين أو هما معا، إذ تظل الاستشارة اختصاصا قحا لرئيس المحكمة الدستورية. مقابل هذا، فإن ممارسة رئيس الحكومة لاختصاص التعيين في بعض المناصب العليا والمنصوص عليه بموجب الفصل 92 من دستور 2011، بعد التداول في شأنه في المجلس الحكومي، لا يقيدها سوى مقتضاه الأخير المشير إلى الفصل 49، والمحيل على قانون تنظيمي أنيطت به مهمة تتميم قائمة الوظائف التي يتم فيها التعيين في المجلس الحكومي. كما أن استبعاد إشراك رئيس الحكومة في التوقيع بالعطف على 8 ظهائر ملكية تهم قرارات ملكية استراتيجيه، بما فيها التعيين في منصب رئيس الحكومة، حيث إن رئيس الحكومة لا يوقع على ظهير تعيينه، يعد تكريسا للمجال الملكي الخاص المستبعد من أي تأثير حزبي، حيث تهم على التوالي، تركيبة واختصاصات المجلس العلمي الأعلى (الفصل 41)، 10 شخصيات معينة في مجلس الوصاية (الفقرة الثانية من الفصل 44)، تعيين رئيس الحكومة واستقالته (الفقرتان الأولى والسادسة من الفصل 47)، حل مجلسي البرلمان أو أحدهما من طرف الملك (الفصل 51)، تعيين القضاة (الفصل 57)، إعلان حالة الاستثناء (الفصل 59)، تعيين 6 أعضاء ورئيس المحكمة الدستورية (الفقرتان الأولى والرابعة من الفصل 130)، مراجعة الدستور (الفصل 174). 2 - السلطات الملكية الفعلية في الحالة الاستثنائية: من مظاهر تكريس احتفاظ الملك بسلطات فعلية في الحالات الاستثنائية، اختصاصُه دون غيره بمهمة اتخاذ قرار إعلان حالة الاستثناء. ورغم أن مقتضيات الفصل 59 من دستور 2011، الوريث لمقتضيات الفصل الشهير 35 من دستور 13 شتنبر 1996، قد وضعت شرطين جوهريين اثنين لإعلان حالة الاستثناء، حددا في تهديد حوزة التراب الوطني ووقوع أحداث قد تمس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية، تعادلهما ثلاثة شروط شكلية محددة في استشارة كل من رئيس الحكومة، رئيسي مجلسي البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة وإعلان حالة الاستثناء بظهير، رغم هذا إذن، فإن السلطة الملكية التقديرية تظل واسعة في هذا الإطار ولا يحدها عدم حل البرلمان الذي لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يراقب شرعية القرارات الملكية المعلنة في ظل حالة الاستثناء، كما أن إناطة الفصل 42 من دستور 2011 بالملك مهمة ضمان دوام الدولة واستمرارها تخوله، في ظل حالة الاستثناء، سلطات تقديرية واسعة وصلاحيات تنفيذية فعلية. يتبع... حسن مشدود - باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية