قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أعظم نموذج للإنسانية في العفو والصفح خلال فتح مكة، بعد أن عفا عن أولئك الذين آذوه وحاربوا رسالته لأكثر من 20 عامًا، فقد كان ذا نفس متسامحة لا تحمل الحقد، وهو الذي بعثه الله رب العالمين رحمة إلى البشرية. وأضاف خالد، في الحلقة الثانية والعشرين من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة"، مستعرضًا أسباب فتح مكة، أنه "كان من نتائج صلح الحديبية في سنة 6ه، عقد هدنة تستمر 10 سنوات بين المسلمين وقبيلة قريش، لكن الأخيرة انتهكت الشروط بعد مضي سنتين فقط، بعد أن ساندت قبيلة بني بكر المتحالفة معها ضد قبيلة خزاعة المتحالفة مع النبي، وقتل أكثر من 20 من أفرادها أثناء قدومهم إلى مكة للطواف". وأشار إلى أن "خزاعة" أرسلت عمرو بن سالم إلى النبي بالمدينة يخبره بما حصل، فغضب النبي وأخذ يضرب فخذه، ويقول: نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ، لأنه ما كان يكره شيئًا مثلما يكره الغدر والخيانة. في تلك الأثناء، قال خالد إن "قريش ندمت على ما فعلت وخشيت من رد فعل النبي، وخرج أبوسفيان إلى المدينة يمدد الهدنة الموقعة بينهما: يا محمدا إني كنت غائبًا عن صلح الحديبية، فاشدد العهد وزدنا في المدة، يسأله: فلذلك جئت يا أبا سفيان؟ يجيب: نعم، قال: فهل أحدثتم حدثًا، قال: معاذ الله، لكنا قد وجدناه صلح خير، وأردنا أن تزيد فيه، فقال له النبي: إنا على العهد لا نبدل ولا نغير ولا نغدر". وأوضح خالد أن "النبي لم يرد أن يفهم أبا سفيان أنه يستعد لفتح مكة، حتى لا تستعد قريش من جانبها"، مفسرًا ذلك بأنه "لا يريد دماء في مكة، كان يريد مباغتتهم، حتى يسلموا دون قتال، ليعفوا عنهم، فلم يخبر أحدًا سوى عائشة بنيته الخروج إلى مكة، وأمر النبي المسلمين بالاستعداد للخروج للحرب ولم يقل لهم أين يريد، حتى ظن كل فرد في المدينة أنه يريد جهة مختلفة". وذكر أن النبي شكل جيشًا قوامه 10 آلاف مقاتل من المسلمين بالمدينة ومن قبائل بني سليم، وغفار وأشجع، وأشار إلى أنه سار في اتجاه هوازن وليس مكة، لأنه كان يريد التمويه، فإذا كانت هناك عيون تراقبه تظن أنه متجه لمحاربة قبيلة هوازن في الطائف، ثم غير مساره فجأة، فلما اقتربوا من هوازن انحرف النبي إلى مكة. ولفت إلى أن النبي وصل على بعد 4 أميال فقط من مكة، ولم تكن قريش تعلم عنه شيئًا، عسكروا في هذه المنطقة، وأمرهم النبي بإشعال النيران، فكان مشهدا رهيبًا مهيبًا. وتابع: "في تلك الأثناء كان العباس بن عبد المطلب خارجًا إلى المدينة مهاجرًا بعياله، فرآه النبي، وسر لذلك سرورًا بالغًا، وخشي العباس أن يدخل النبي مكة عنوة، فأراد أن يعود إلى مكة ليقول لأبي سفيان استسلم". واستعرض خالد تحرك أبي سفيان لمقابلة النبي، والحوار الذي دار بينهما. يقول له النبي: يا أبا سفيان.. أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله، فقال له: ما أبرّك وما أوصلك وما أرحمك لو كان هناك إله غير الله لأغنت عنا اليوم، فقال النبي: أما آن لك أن تشهد أني رسول الله، فقال أبوسفيان: أما هذه فما زال في النفس منها شك، قال العباس: يا أبا سفيان اسلم، فأسلم بلسانه فقط. وأضاف أن العباس قال يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فأعطه شيئًا، فقال النبي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ففرح أبو سفيان ثم قال داري هذه صغيرة لا تكفي الناس، فقال النبي: ومن دخل الحرم فهو آمن، قال لا يكفي، فقال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فقال أبوسفيان هذه واسعة. ومن المواقف التي تدل على نفس النبي المتسامحة، أشار خالد إلى أنه أثناء دخول المسلمين مكة قال سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة، اليوم يذل الله قريشًا، فرد عليه النبي: كذب اليوم يوم المرحمة.. اليوم يعز الله قريشًا، وعزله من قيادة لواء المهاجرين والأنصار، وعين بدلاً منه ابنه قيس بن سعد بن عبادة، لأنه كان يريد التسامح وليس الثأر. وقال إن "النبي دخل مكة مخفضًا رأسه على ناقته، تواضعًا، دخل إلى الحرم وحطم الأصنام وهو يقول: "وقل جاء الحق وزهق الباطل"، والمسلمون وراءه يكبرون، وأخذ يقرأ سورة الفتح وهو يطوف حتى وصل إلى "محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"، فبكوا". وأضاف: "اجتمعت قريش كلها في الكعبة أمام النبي، قال لهم: ما تظنون إني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. لقد نزع النبي الثأر وأحيى التسامح في الأجيال التالية من قريش". وأشار إلى أنه "أعلن الأمان للجميع إلا للعشرة الذين قتلوا الناس في الحرم، هرب 3 منهم لم يقتلوا بأيديهم، وذهبوا إلى منزل أم هانئ بنت أبي طالب أخت سيدنا علي وابنة عم النبي لتجيرهم من القتل، فآجرتهم، فجاء علي وقال لها: النساء لا تجير، لكن النبي يقول: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، تقديرًا لقيمة المرأة، واحترامًا لها". وذكر أنه "بينما كان أبوسفيان جالسًا يفكر بمن يستعين به من العرب على حرب النبي، ما شعر إلا ويد على كتفه، يقول له: إذا يخزيك الله يا أبا سفيان، قل: أشهد أن لا إله إلا الله.. هنا ثبت الإيمان في قلبه".