شدد المصطفى العلوي، الصحافي المغربي المخضرم، على أهمية الاطلاع على التاريخ المغربي من أجل فهم ما يجري في الوقت الراهن، وأعطى عددا من الأمثلة عن رجال أقوياء في تاريخ المغرب، كانوا قريبين من السلطان فأصبحوا خطرا عليه. واعتبر العلوي، في الحلقة الرابعة من حواره مع هسبريس، أن عمود "الحقيقة الضائعة" يحظى بمتابعة كبيرة من قبل القراء منذ أن بدأ يعتمد على التاريخ لتقريب الناس من فهم واقعهم بطريقة صحافية بسيطة، غير أنها عميقة في الآن ذاته. إليكم الحلقة الرابعة مع المصطفى العلوي.. الملاحظ أن أغلب كتاب الأعمدة يعتمدون على معلومات عاشوها أو قُدمت لهم من جهات معينة، ويوظفونها في عملية التحليل والتفسير والتأويل؛ في مقابل ذلك فأنت تعتمد غالبا على التاريخ، إذ نجد في بعض الأحيان أن مقالا واحدا لك يعتمد على خمسة كتب من تاريخ المغرب، تحاول من خلالها ربط الماضي بالحاضر، وكأن الماضي لازال يستمر في الحاضر، ما السر في ذلك مولاي المصطفى؟. الواقع أنه منذ عشرين سنة حظيت بفرصة لربط التاريخ بالسياسة، وهذه نتيجة لأن تاريخ المغرب مرتبط بأقطاب كُثر من ملوك ورؤساء وزعماء وشيوخ قبائل.. بمعنى أن ماضي المغرب لازال مستمرا في الحاضر.. بطبيعة الحال، لأن المشاكل المغربية المعاشة الآن سبق أن مرت في تاريخ البلاد عدة مرات. لما تنظر مثلا إلى قضية الصخيرات التي ألفت حولها كتابا، تجد أن السلطان مولاي سليمان العلوي حصل معه تماما ما وقع في الصخيرات، إذ دخل إلى قصره مجموعة من الثوار وهاجموه، وقتلوا مجموعة من الأفراد وخطفوه وهرب لهم، وأوقفه آخرون، إلى أن اكتشف الخاطفون هويته وهربوه، وهذا موجود في تاريخ الاستقصاء حرفيا..هناك تقارب بين واقعة الصخيرات وما وقع للمولى سليمان.. في جميع مقالاتي حول الحقيقة الضائعة ربطت السياسة بالتاريخ، ولحسن الصدف أن كل الأحداث التي تقع في المغرب أجد مثيلاتها..لدينا سلاطين لمدة 400 سنة ووزراء أقوياء، ورأي عام..في الحقيقة الضائعة دائما أربط بين الواقع والتاريخ المغربي، وإلى حد الآن لم يسبق أن أخطأت. ولهذا سميت عمودك "الحقيقة الضائعة"؟ نعم، وتعتبر الحقيقة الضائعة هي المقال المقروء بالدرجة الأولى بنسبة 90 %.. ليس ضروريا أن أكتب عن جميع الحالات عبر التاريخ، بل أعطي رأيي الشخصي وأجد تجاوبا من لدن القراء الذين يؤيدون أفكاري. كما أن عددا من الإخوان يطالبونني بتجميع "الحقيقة الضائعة" في كتب؛ ولكن إذا أردت القيام بذلك يلزمني ما يقارب عشرين أو ثلاثين كتابا. مجلدات؟ نعم، وهذا لم أستطع بعد القيام به.. حينما تعود إلى التاريخ، هل بمعنى ألا شيء تغير، أي إننا نعيش حالة من السكون Statut quo أو ربما أنك تنبه إلى أن هذا الواقع إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من الممكن أن يتكرر؟ أو أنك غير قادر على الإشارة إلى مكمن الداء مباشرة وترجع الناس إلى التاريخ من باب "اللبيب بالإشارة يفهم"؟. أقارب مسار السياسة في المغرب كما كانت قديما. خذ على سبيل المثال السلطان الحسن الأول الذي يعد من أعظم سلاطين المغرب، ويلقب بأنه الملك الذي عاش فوق صهوة حصانه، ستجد أن له صديقا قويا لا يفارقه هو بّا حماد، وهو من كان يحكم المغرب بالفعل، ولعب أدوارا كثيرة في حياة الملك بنوع من الجدية والمعقولية، خصوصا أن أباه كان حاجبا ملكيا من قبل. ولما توفي الحسن الأول كانت هناك ظروف غريبة جدا، وهي أن با احماد كان له احترام وتقدير لزوجة الملك الراحل التي يسميها الحسن الثاني في مذكراته "قيقا"، فطلبت منه أن ينصب ابنها ملكا رغم أن للحسن الأول مجموعة من الأبناء الآخرين، وبالفعل أثرت عليه ونصب ابنها ذا الخمس عشرة سنة سلطانا على المغرب، وهو المولى عبد العزيز. هنا يظهر الدور الذي يلعبه الشخص القوي في المحيط السلطاني. سلاطين المغرب كانوا على هذه الطريقة، وقبل الحسن الأول كان هناك سلاطين آخرون، وكانت أحداث وحروب، وكلها حالات تشبه حاضر البلاد... بالنسبة لشخصية با حماد، هل هنالك نسخة منها في تاريخ المغرب الراهن منذ استقلال المغرب إلى الآن؟ با حماد نموذج يفرزه النظام السلطاني المغربي؛ فكل سلطان يكون له حاجبه، بحكم أنه يكون مشغولا بعدة قضايا. له اطلاع وكفاءة بالواقع.. وله اطلاع على خبايا السلطان، وهذه قضية مرتبطة بسلاطين المغرب؛ فحتى المولى عبد العزيز ذو الخمس عشرة سنة عين حاجبا له هو المنبهي، وهو من كان يحكم المغرب؛ وقد كان "شاوش" بالديوان الملكي وارتبط بالسلطان. وأول ثورة وقعت في تاريخ المغرب كانت في عهد المولى عبد العزيز، وهي "ثورة بوحمارة"، الذي كان موظفا بالديوان الملكي، وكان اسمه جيلالي زرهوني..هذا الأخير لم يتفاهم مع الرجل الذي أصبح قويا، أي المنبهي، وقال عنه إذا أصبح وزيرا فأنا أستحق أن أكون سلطانا، ولهذا قام بثورته وسمى نفسه سلطانا، وحكم لسنوات، خصوصا في المناطق الشمالية. وكان الناس من فاس إلى الشمال يصلون ببوحمارة... ما العبرة من ذلك؟ العبرة أن صفة الرجل القوي لا تخرج بسلام، لأن السلطان سلطان الجميع.. حينما تم نقل المنبهي من "شاوش" إلى وزير كان رد فعل "بوحمارة" أنه قال إنه يستحق السلطنة. هذه نماذج من تاريخ المغرب. وكم أتمنى أن يعود المغاربة إلى التاريخ ليستفيدوا من العبر والدروس. بمعنى مولاي مصطفى أن الماضي لازال يستمر في الحاضر؟ دروس الماضي لازالت تستمر في الحاضر.. لاسيما الدولة المغربية التي لها استمرار وإرث في التعاطي مع الهم السياسي.. هذا هو الواقع، والعبرة أن الرجل القوي في النظام هو الخطر الكبير على السلطان نفسه.