قبيل بضع لحظات فقط من إعلان المؤذن حلول موعد صلاة المغرب، كان عشرة أشخاص من المغاربة المقيمين بوغادوغو، مجتمعين في مطعم مغربي وهم يضفون آخر اللمسات على مائدة الإفطار وسط أجواء تختلف كثيرا عن تلك السائدة في الوطن الأم خلال شهر رمضان الفضيل. ويبدو أن اختيار هذا المكان لتنظيم الإفطار لم يكن من قبيل بمحض الصدفة. ذلك أن هؤلاء المغاربة الذين يقطنون بعيدا عن وطنهم الأم بآلاف الكيلومترات، والذين قدموا من مختلف جهات المملكة، تمكنوا مع ذلك من الحفاظ على تقاليدهم في بيئة لا يبدو أن بإمكانها أن توفر لهم الظروف نفسها التي كانوا يعيشون فيها في "البلاد". ويقول عادل، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، موظف في المكتب الوطني للاتصالات في بوركينافاسو إنه "في واقع الأمر، يشكل رمضان بالنسبة لنا فرصة ملائمة تمكننا من الاجمع حول مائدة إفطار واحدة للاحتفاء بقدوم هذا الشهر في جو من الانسجام، ونحاول على القدر الإمكان التغلب على الوحدة التي يلمسها المرء في هذا البلد غرب الإفريقي". ويبدو أن هذا الموعد الذي طال انتظاره وخصصت له "حملة علاقات عامة" بسبب أجندات والتزامات وضيق الوقت لدى بعض المواطنين، وبسبب المسافة البعيدة نسبيا التي تفصل مقرات سكناهم عن مكان الإفطار، قد تحقق أخيرا بسعادة غامرة. وتقول جميلة، التي افتتحت مؤخرا هذا المطعم الواقع وسط مدينة وغادوغو، بعد تجربة مماثلة غير موفقة في نيامي بالنيجر، إنه "خلال الشهر الكريم، دأبت أنا وزوجي اللبناني، إلياس، على التسوق بعد الزوال ليتسنى لنا تحضير وجبة الإفطار في الوقت المناسب، والاستعداد لاستقبال الزبناء، الذين يتكونون بصفة عامة من مواطني منطقة الشرق الأوسط وبعض من مواطني المغاربة". وفيما تتقن "الشاف جميلة"، بنت حي المحيط بالرباط، تحضير الوجبات المغربية الخالصة، يشتغل زوجها رفقة بعض الطباخين من مواطنيه على إعداد أطباق لبنانية وشرقية. ويقول أمين، المهندس في قطاع البناء والأشغال العمومية الذي نحج في إرساء مقاولته الخاصة في وغادوغو، "أنا سعيد جدا بالوجود برفقة أبناء وطني، بعيدا عن بلادي، من أجل تقاسم وجبة إفطار، لاسيما وأن الأمر يتعلق بأول مرة أقضي فيها رمضان في بلد غرب إفريقي". وبعد الإفطار وانتهاء "حصة تذوق" الأطباق الشهية، ولاسيما الحريرة، يلتف الجميع حول المائدة لتناول القهوة أو الشاي المنعنع مرفوقا بالمعجنات والتمور وحلويات متنوعة محضرة بعناية على الطريقة المغربية، قبل مباشرة النقاشات في جو أخوي يشهد انقطاعات متفرقة للتيار الكهربائي خلال هذا "المنتدى" الرمضاني. ويستحوذ على حصة الأسد في هذه النقاشات الحديث عن أجواء رمضان في الوطن الأم، وأسباب وظروف القدوم إلى "أرض الرجال النزهاء"، حيث يفضل كل متدخل الحديث عن مدينته المغربية وخصوصياتها ومميزاتها خلال شهر رمضان، في نقاش يشهد موجات ضحك أحيانا، وخلافات أحيانا أخرى. يتعلق الأمر إذن بإفطار نموذجي، ولو في منطقة موغلة في القارة الإفريقية. وهو إذن لقاء يستمد جوهره من تماسك وانسجام مغاربة العالم بتراثهم الثقافي وعاداتهم وتقاليدهم العريقة: "نزاهة في أرض الرجال النزهاء". *و.م.ع