دفعت تداعيات إقدام المغاربة على الاستمرار في شكلهم الاحتجاجي غير المسبوق ضد الجشع والاحتكار والغلاء في الأسعار (دفعت) رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، إلى عقد اجتماع عاجل مع قادة أحزاب الأغلبية قصد تدارس سيناريوهات المقاطعة والتوافق على تصور حول تحديد سقف لهامش ربح شركات المحروقات بعد الجدل الذي أثاره ارتفاع أسعار المواد البترولية. وخلص أعضاء التحالف السداسي إلى ضرورة تدخل الحكومة عبر سن مجموعة من الإجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين وفتح نقاش جدي مع المركزيات النقابية قصد تسريع الحوار الاجتماعي؛ غير أن دعوات صادرة عن قيادات في حزب العدالة والتنمية برفع الدعم عن "البوطاغاز" أعادت أجواء الاحتقان إلى الواجهة، في وقت ينتظر فيه العديد من المتتبعين الإعلان عن إجراءات حكومية تُعيد الثقة إلى المغاربة، بعد تجاوز حملة المقاطعة لأربعة أسابيع. عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، قال، في تصريح لهسبريس، إن الإجراءات الحكومية التي تهم حماية القدرة الشرائية من المفترض أنها موجودة في البرنامج الحكومي، مشيرا إلى أن الحكومة قصرت بشكل كبير في تطبيق برنامجها، لا سيما في الشق الاجتماعي؛ "الأمر الذي وضعها في فوهة بركان، بعدما تركت السوق مفتوحا أمام المضاربين والوسطاء". ويرى الباحث في العلوم السياسية أن الحكومة وجدت نفسها في موقف محرج نتيجة عجزها عن محاصرة تداعيات المقاطعة، "لأن هذا الاحتجاج يدخل ضمن حق من حقوق المستهلك ولا يُمكن للدولة أن تضغط على مواطنيها للتراجع عن المقاطعة"، معتبراً أن الحكومة "فشلت في لعب دور الوساطة بين الشركات المعنية بالمقاطعة وبين المستهلكين". ويستبعد الأستاذ الجامعي أن يحدث شرخ بين مكونات التحالف الحكومي بسبب المقاطعة كما راج مؤخراً، مشيرا إلى أن "المشهد السياسي اليوم يوجد في وضعية جد صعبة وأحزاب الأغلبية مطالبة بالتوافق للتعاطي مع الأحداث، وهو ما ظهر من خلال اجتماع المكاشفة الذي شدد على ضرورة التمسك بالتحالف". وأضاف بنخطاب أن الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات أكثر جرأة لأن المؤشرات الاجتماعية "لا تُوحي بتاتاً بتراجع حدة المقاطعة، لأننا أمام احتجاج سياسي جديد تشهده البلاد"، داعيا إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة بخصوص التعاطي مع وتيرة استهلاك المواطنين. وجواباً على هذه الإشكالات، يُرتقب أن تجتمع لجنة وزارية، برئاسة العثماني، قصد دراسة أسعار جميع المواد الأكثر استهلاكا، كما تستعد الحكومة إلى اعتماد خطة تسقيف أسعار المحروقات في غضون الأيام المقبلة؛ إذ لجأت وزارة الشؤون العامة والحكامة إلى النموذج البلجيكي قصد الخروج من مأزق تحرير المحروقات الذي أدى، بحسب كثيرين، إلى ارتفاع الأسعار في المغرب.