الكثير من المتابعين والمواكبين لطبيعة الصراع المغربي الجزائري يتوقفون عند حدث المسيرة الخضراء سنة 1975، حين قرر الحسن الثاني، رحمه الله، استرجاع الأقاليم الجنوبية للمغرب. وأغلب النقاش الجاري حاليا حول ملف الصحراء يُحمّل الجزائر تدخلها في هذا الملف عبر دعمها لجبهة البوليساريو. فيما يذهب المصطفى العلوي، الصحافي المغربي المخضرم، إلى أن ملف الصحراء (الغربية) ما هو إلا تتويج للصراع المغربي الفرنسي حول الصحراء الشرقية، التي كانت تحت حكم المغرب، مشيرا إلى أنه لما حصل المغرب على الاستقلال أقدم الاحتلال الفرنسي على منح الصحراء الشرقية للجزائر، وهكذا تحول الصراع من موضوع الصحراء الشرقية إلى الصحراء (الغربية)، التي كانت ولا تزال تحت الحكم المغربي. لنتابع التفاصيل والتحليل مع الإعلامي مولاي المصطفى العلوي، الذي يعتبر أحد الشهود على أصول الصراع المغربي الجزائري. ما طبيعة الصراع بين المغرب والجزائر، إذ هناك من يعتبر، لا سيما من الجيل الحالي، أن سبب الصراع بين المغرب والجزائر يتمثل في ملف الصحراء منذ 1975 أو 1973، وهناك من يقول إن قضية الصحراء هي تتويج لصراع تاريخي، فهل هناك أصول لهذا الصراع التاريخي بين البلدين، الذي تعتبر قضية الصحراء أحد تجلياته؟ الواقع أن السؤال نفسه طرحته على نفسي مدة سنوات مرت، وبعد دراسات معمقة استطعت الإجابة عنه عبر خمسة أجزاء من كتاب "المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية". هذه الأجزاء الخمسة واكبت مراحل الصراع المغربي حول الصحراء، وهو صراع قديم يعود إلى سنوات كان فيها المغرب جغرافيا يمتد إلى أطراف إفريقيا والدول الإفريقية الكبرى مثل مالي والسنغال، بحكم خريطته الجغرافية الحقيقية، التي ليست خريطة المغرب مصغر الحجم كما هو عليه الآن، وكما يظهر لدى عدد من الدول ومن الشركات الإذاعية حول بتر الصحراء المغربية من خريطة المغرب. والحقيقة أن المغرب كان ممتدا على طول الجنوب عبر صحرائه الشرقية، التي كانت تكاد تتعدى، في أهميتها، أهم المدن المغربية المتواجدة. طيب، ماهي المدن الموجودة بالصحراء الشرقية، التي هي الآن بحوزة الجزائر، وكانت تحت السيطرة المغربية؟ المدن والأقاليم الموجودة الآن معروفة، فهناك خرائط وضعتها في الأجزاء الخمسة من الكتاب الذي ألفته مثل تندوف، التي كانت مدينة تابعة للمغرب حتى بعد الاستقلال، فتجد أن حافلات "ساتيام"، مثلا، كانت تذهب من مراكش إلى تندوف، وأيضا من وجدة إلى تندوف. ولهذا، فالعديد من الأشياء والحقائق التاريخية تجعل الشك يخالج المناقشين والباحثين، ولكن تأتي ظروف وحالات تؤكد الحقائق بطرق لا شك فيها، من هذه الأحداث، التي تجعلنا نتساءل: هل نحن خاطئون أم لا، أن الملك محمد الخامس كتب سنة 1960، بعد استقلال المغرب، برقية إلى الجنرال دوغول، رئيس الدولة الفرنسية، يحتج فيها على اعتزام الدولة الفرنسية القيام بتجارب نووية في الصحراء الشرقية. وقد وجه إلى دوغول النصيحة نفسها، التي سمعناها، مؤخرا، من طرف الرئيس الأمريكي ترامب حول الأسلحة النووية، حيث أكد أن الأسلحة النووية تشكل خطرا على الشعوب، وعلى إفريقيا. وذكر في رسالته أن هذه التجارب ستقام في أرض نعتبرها جزءا لا يتجزأ من مملكتنا. إذن محمد الخامس يقول لدوغول إن تلك الصحراء الشرقية، التي تنوون إجراء تجارب ذرية بها، أرض مغربية. بمعنى أن محمد الخامس متشبث بخريطة المغرب كما كانت في عهد جدوده، خصوصا الملك الحسن الأول، الذي كان سنة 1850 ملكا على المغرب، والصحراء الشرقية هي طرف من المغرب. في هذه الظروف، التي كان المغرب يعتبر الصحراء جزءا منه، كانت عدد من الدول تطمح إلى الاستقرار في تلك المنطقة، وبالتحديد أيام العثمانيين، الذين كانوا يحكمون ثلث العالم تقريبا، حيث سخروا الجيش الليبي لاحتلال الصحراء الشرقية، ووقعت الحروب المغربية الأولى في 1870 مع الليبيين، بدعم من الأتراك أيام السلطان العلوي مولاي عبد الله. كما وقعت حروب مسجلة ومرفقة بالأرقام وبأسماء الضباط في كتاب "المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية". كما أن السلطان مولاي سليمان، المعروف بتدينه وجديته، تنازل سنة 1821 عن العرش لأخيه مولاي عبد الرحمان، وذهب للاستقرار في توات، وهو أحد الأقاليم الكبرى بالصحراء الشرقية، والكتب التاريخية تورد في ذلك الوقت أن الفرنسيين أيام احتلالهم الجزائر لم تكن لهم يد في الصحراء الشرقية، التي كانت تابعة للمغرب، بحجة أنه سنة 1956 كتب كاتب فرنسي، اسمه ستراسر، كتابا عن الخطأ الفرنسي في احتلال الصحراء المغربية. الكتاب اسمه "حقائق وآفاق صحراوية". وهو يوضح في كتابه أن فرنسا كانت تهدف، باحتلالها الصحراء الشرقية، إلى إحداث دويلات بالمنطقة، فشساعة المنطقة بإمكانها إعطاء ست أو سبع دول من حجم عدد من الدول الإفريقية الحالية. كما أنه وقعت حروب كبيرة منذ أيام الملوك السعديين بالصحراء الشرقية، وفي كتابي هناك أسماء للعمال والمسؤولين المغاربة بهذه المنطقة. كما أن التاريخ يؤكد أنه في سنة 1843 قام سكان تلمسانالجزائرية بزيارة لعامل وجدة إدريس بن حمان ليقدموا بيعتهم للملك الحسن الأول. إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر؟ نعم، وبلّغ العامل الملك طلب السكان، إلا أن العاهل رفضه لكون تلمسان مدينة جزائرية وليست مدينة مغربية، ولا يمكننا قبول بيعة سكان مدينة غير تابعة لنا. البيعة هنا بمعنى الانتماء إلى المغرب؟ نعم، اعتبروا أنفسهم مغاربة. هناك من يقول إن مجموعة من القبائل، كمنطقة تمبوكتو بمالي، كانت تبايع الملك على المستوى الديني، بالرغم من عدم انتمائها سياسيا وجغرافيا إلى المغرب؟ هذا مجرد كلام فارغ، ما أقوله الآن أن المغرب كان يحكم الصحراء الشرقية، وهناك خرائط فرنسية تؤكد أن الجزائر التي كان يحتلها الفرنسيون كانت عبارة عن منطقة شمالية موازية للبحر الأبيض المتوسط، ولم تكن في المنطقة الجنوبية، التي هي الصحراء الشرقية التابعة للمغرب. إذن هنا نتكلم عن الصراع بين المغرب والاستعمار الفرنسي بالجزائر؟ الصراع كان مع الجيوش الليبية، التي استقدمها الأتراك لاحتلال الصحراء الشرقية، ثم نجد في كتاب الباحث المغربي المعزوزي محمد، المتخصص في شؤون الحدود، محاضرة له في أرفود سرد فيها تفاصيل وجزئيات التواجد المغربي بالصحراء الشرقية قبل أن تصير هذه الصحراء كنزا اكتشفه الفرنسيون أثناء احتلالهم، وقد أرادوا احتلالها في البداية، فوقعت معارك مع الجيش المغربي، ولم تستقر المنطقة إلا في الأيام الأخيرة من سنة 1900، ولما اضطرت فرنسا إلى منح المغرب استقلاله سنة 1956 أصدرت قانونا بضم تلك الصحراء. وفي فاتح غشت 1956 صادق مجلس الوزراء الفرنسي على قانون إعادة تنظيم اقتصادي للجزائر بدل التنظيم الإداري، وإصدار قانون تنفيذي في 10 يناير 1957 بإدراج دوائر تومبوكتو وما حولها في الخريطة الجزائرية. وهذا يعني أن الجزائريين يعلمون أن تومبوكتو لم تُضم إلى الجزائر إلا سنة 1956 عقب استقلال المغرب، والفرنسيون بدل تقديمها للمغرب تركوها للجزائر. وتومبوكتو؟ تومبوكتا وكاو وغانان، هذه ثلاث مناطق واردة بالجريدة الرسمية الفرنسية. تومبوكتو التي بمالي الآن؟.. نعم تومبوكتو كانت عند المغرب، وفرنسا أعطتها الآن لمالي، وهذا يندرج ضمن لعبة الخريطة السياسية لفرنسا بالمنطقة بعدما أطلقت يدها، فهي أخذت الصحراء الشرقية، وهذا يعتبر قرارا، حسب مخططات الاستراتيجيين الفرنسيين، يهدف إلى خلق صراع مغربي جزائري في المستقبل لما اقتنعوا بأنهم سيغادرون الجزائر في يوم من الأيام، ولذلك قاموا بمنح ما للمغاربة للجزائريين ليظلوا مشغولين في صراع دائم، وهو ما يقع الآن. - ونجحوا في هذا المخطط؟ نعم نجحوا لأن الصحراء الشرقية مغربية، وبومدين اعترف بأن الفرنسيين هم من أعطوهم الأراضي، ولضعفها استعانت شركة "سوناطراك" بالأمريكان لاستخراج البترول الموجود بالمنطقة. وقد ظلت العداوة قائمة، رغم قيام بومدين بإخراج قضية الصحراء الغربية (العيون والداخلة وغيرهما) ومنحها المغرب كي ينشغل بالصحراء الغربية، وينسى الصحراء الشرقية، وبالإمكان الرجوع إلى كتب الراحل علال الفاسي، والكتب التي كانت تصدر غداة استقلال المغرب.. هذه الكتب كلها تتحدث عن الصحراء الشرقية، وتؤكد أنها أرض مغربية. إذن أنت تحمّل الجزائر أسباب وأصول هذا الصراع؟ بالعكس، أحمل فرنسا هذه المشاكل التي نعيشها اليوم. فرنسا؟! نعم، فرنسا التي أصبحت تتحكم في نفوذ المنطقة فقط بعد 1900، لأنها قبل ذلك كانت في ملك المغرب، وبعد استقلاله قامت فرنسا بسحب تلك المناطق وأعطتها للجزائر، ولما اضطرت إلى منح الجزائر استقلالها أعطتها الصحراء الشرقية. لما نبحث في جزئيات كيفية احتلال فرنسا للصحراء الشرقية نرجع إلى تاريخ مهم، هو مؤتمر مدريد، الذي شاركت فيه عدد من الدول الأوروبية: فرنسا، إسبانيا، البرتغالوبريطانيا لتقاسم احتلال إفريقيا. في هذا المؤتمر قررت تلك الدول تقاسم مناطق الاحتلال، لكنها فشلت في طريقة تقاسم المنطقة لأن بريطانيا لم تحتل بعد الهند، والفرنسيون لم يحتلوا بعد شمال إفريقيا، والإسبان لم يكونوا منخرطين معهم في الاتفاق السياسي، ولكنهم انخرطوا في مسألة احتلال المغرب، بناء على توصية لملكتهم قبل وفاتها بضرورة احتلال المغرب بسبب القرون التي احتل فيها الأندلس. وإلى الآن ينفذون توصية الملكة في سبتة ومليلية، وبالتالي فعاملهم ديني أكثر مما هو اقتصادي أو سياسي، ومؤتمر مدريد سنة 1880، الذي شاركت فيه أيضا الولاياتالمتحدةالأمريكية، كان عنوانه الأبرز هو احتلال الأراضي غير المحتلة. فرنسا بعد هذا التاريخ سيطر عليها الحزب الاشتراكي، وبعد فشل المؤتمر اعترفت إنجلترا يوم 13 مارس 1895، في وثيقة، بالسيادة المغربية على الصحراء الشرقية (الوثيقة مسجلة بأرشيف الدولة البريطانية)، وهذا يؤكد أن فرنسا أثناء احتلالها الجزائر لم تكن تحتل الصحراء الشرقية إلا ابتداء من 1900. فرنسا هي التي منحت الصحراء الشرقية للجزائر بعدما أخرجت المغرب منها؟ طبعا لأن فرنسا هي التي قررت أن تحتل هذه المناطق دون استشارة الدول التي حضرت مؤتمر مدريد 1880، وهذا كان في أيام الملك الحسن الأول - هو رجل عظيم وقوي – الذي كان يريد القيام بدخول رسمي إلى الصحراء الشرقية، وكتب عنه في "الاستقصاء" بأنه شكل جيوشه لدخول الصحراء الشرقية والاستقرار بها. مارتن مؤلف كتاب "أربعة قرون من تاريخ المغرب" يقول في كتابه إن الملك الحسن الأول وقع تسميمه وهو في سن الخمسين لأنه كان يعترض كل دخول فرنسي للصحراء الشرقية، وكانت تصفيته لأجل إزالته من طريقهم، والاشتراكيون الفرنسيون الحاكمون بدؤوا، بعد مؤتمر مدريد، يخططون عمليا لاحتلال المغرب بالدرجة لأولى. فبداية الاحتلال الفرنسي للصحراء كانت سنة 1900، وأول معركة في الصحراء الشرقية بين الجيش المغربي والجيوش الفرنسية الغازية كانت في عين صالح سنة 1899، وقبل هذا التاريخ لم يكن للفرنسيين أي وجود بالصحراء.