تقدم جريدة هسبريس لقرائها الأوفياء، داخل المغرب وخارجه، كتاب "عبد الكريم الخطابي، التاريخ المحاصر" لمؤلفه الدكتور علي الإدريسي، في حلقات، خلال شهر رمضان الكريم. هذا الكتاب، الذي تنشره هسبريس بترخيص من مؤلفه الدكتور علي الإدريسي منجما على حلقات، لقي ترحابا واسعا من قبل القراء المغاربة ولا يزال، إلى درجة أن الطبعتين الأولى والثانية نفدتا من المكتبات والأكشاك؛ بالنظر إلى شجاعة المؤلف في عرض الأحداث، وجرأته في تحليل الوقائع بنزاهة وموضوعية. الكتاب من أوله إلى آخره اعتمد الوثائق النادرة في التأريخ للزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بأفق وطني يتسع لجميع المواطنين المغاربة، على عكس الطريقة التي "اعتاد عليها أولئك الذين حاولوا احتكار الوطنية وتأميم مستقبل المغرب، والتحكم في مصير أبنائه قرونا أخرى"، يضيف على الإدريسي في تقديم الكتاب. الحلقة الثانية عشرة جمهورية الريف ضرورة سياسية أم غاية إديولوجية؟ حاولنا في الحلقة السابقة التمييز بين الرشد والغي في موضوع جمهورية الريف، ومعرفة المقاصد والغايات من النيات. ففي أي مقام يمكن وضع هذا الكيان الذي تأسس أثناء حرب التحرير الوطنية بين سنتي 1921 و1926؟ وهل قام على مرجعيات ذات وثوقية ثقافية واجتماعية وضرورات سياسية ظرفية؟ بالنسبة للمرجعيات نرى من الواجب التذكير بأن وجود أنظمة سياسية محلية متعددة، ضمن نظام سياسي مركزي؛ بغض النظر عن شكله، مسألة مهمة لما نحن بصدده. ففي النظام السياسي الإسلامي، الذي أصبحنا منذ قرون جزءا منه، كانت هناك عدة إمارات وسلطنات وممالك تمارس سياستها وسلطتها ضمن الولاء العام للخلافة الإسلامية. وقد خاض المغاربة هذه التجربة، كما أشرنا إلى ذلك أعلاه. ومن المنظور المحلي عاش المغاربة تجاربهم الخاصة بهم في ذلك؛ من خلال الربط والزوايا، التي قامت بدورها في جهاد الغزاة الأجانب، بقيادة رؤسائها ومقدميها،( وغالبا ما تلقبوا بلقب" الأمير") حين قصّرت، أو عجزت، السلطة المركزية عن القيام بواجب حماية الوطن، ولم يحكم عليها التاريخ بأنها كانت ثائرة أو خارجة عن شرعية السلاطين، أو متمردة على الدولة. لكن، لماذا تبنت، ولا تزال وتتبني، الطبقة المخزنية والحزبية المغربية، التي تهاونت في واجبها الوطني؛ أو عجزت عنه، اتهام الخطابي بأنه كان ثائرا هادفا إلى تغيير السلطنة بالجمهورية؟ في الوقت الذي كان يمكن أن تدرج مبادرته السياسية ضمن التقاليد الإسلامية المعروفة في الموضوع، بما في ذلك اتخاذ صفة الأمير لنفسه، وليس صفة رئيس الجمهورية، طبقا للعرف السائد في الأنظمة الجمهورية. هذا من جهة الموروث الإسلامي. أما من جهة التراث الأمازيغي الذي انعكس باستمرار، ولا يزال، ينعكس في سلوكنا الفردي والجماعي، الواعي منه واللاشعوري في آن واحد، فإنه يزخر بكيانات إدارية وسياسية محلية تتمتع باستقلالية واسعة عن السلطة المركزية، لسبب أو لآخر، كما يعكس تكوين هياكلها الروح الديمقراطية لدى أصحابها في تسيير شؤونهم. وهذه الكيانات هي التي أطلقت عليها الكتابات الأجنبية صفة "فيدراليات القبائل". ولا تزال ممالك الطوارق في الصحراء الكبرى تمارس سلطاتها ضمن جمهوريات معروفة. ومما لا شك فيه أن الخطابي كان ينتمي كذلك إلى هذا التراث؛ وباعتزاز يضاهي اعتزازه بالمورث الإسلامي. ولا تختلف هذه التقاليد السياسية عند الطرف الآخر من البحر الأبيض المتوسط؛ فوجود إمارة موناكو، مثلا، في فرنسا الملكية ثم الجمهورية أمر معروف واعتيادي، ثم إن وجود جمهوريات خاضعة للأمبراطوريات الاستعمارية كان أمرا شائعا أيضا، كما وضعت الأمبراطورية الشريفية تحت إدارة الجمهورية الفرنسية، ولم يظهر أولئك الذين انتقدوا وجود جمهورية داخل أمبراطورية أي امتعاض، ولم يصدر عنهم أي احتجاج. ولا ندري ما هو التعليل الدستوري الذي بنوا عليه انتقادهم لهذا، ورضاهم على ذاك. وقد يقال إن وضعية الأمبراطورية الشريفية حددتها اتفاقية الاحتلال، أما جمهورية الريف فجاءت ضدا على ذلك. والواقع أن مثل هذا القول يتضمن الجواب على قائله، لأنه لم يكن بالإمكان عقد مثل هذه الاتفاقية مع سلطة أمست يداها مكبلتين، بل أن اتفاقية الاحتلال في فصلها الثاني تخول للسلطة الفرنسية احتلال كل المناطق المغربية التي ترى فيها ضرورة تحقيق أمنها. وعلى الرغم من هذا المانع هناك من يزعم أن الريفيين لم يتشاوروا مع سلطان البلاد، ولم يأذن لهم بمحاربة المحتلين، ولا في إعلان الجمهورية، فهم إذن متمردون على الشرعية. إن مثل هذا الزعم يحيل إلى جهل أو تجاهل صاحبه، أو أصحابه، للموروث السياسي والتراث الثقافي أولا، وللوضع القانوني للسلطان بعد توقيعه اتفاقية الاحتلال المسماة معاهدة الحماية ثانيا. ثم ألا ينطبق مثل هذا "اللوم" الموجه إلى الوطنيين المغاربة في الريف على الوطنيين الفرنسيين، أيضا، حين لبوا نداء وطنهم؛ بعد وقوعه تحت الاحتلال الألماني، وهم كذلك لم يستشيروا السلطة التي كانت مكبلة بمعاهدة مماثلة، والتي وقعها مع ألمانيا أحد عظماء تاريخهم في الحرب العالمية الأولى.؟ لم يحدث ذلك عند الفرنسيين لأنهم اعتبروه فاقد الأهلية الوطنية، ومن ثمة يكون غير مؤهل للاستشارة، بل يجب عليه أن يتحمل مسؤوليته التاريخية عما بدر عنه من عدم القيام بواجبه الوطني هذا ملخص المرجعية المرخصة للممارسة الاستثنائية للحكم والسياسة في الموروث الإسلامي وفي التراث الأمازيغي؛ وهو نفس التراث الإنساني في كل زمان ومكان. مما يبين أن ما أقدم عليه الوطنيون المغاربة في الريف، والمتمثل في إعلانهم الجمهورية، كان أمرا اعتياديا، بل واجبا دينيا ووطنيا، ساهمت فيه الظرفية السياسية الناجمة عن الاحتلال من جهة، وعن الانتصارات العسكرية للوطنيين من جهة أخرى، حتى لا تتحول تلك الانتصارات إلى مجرد مغامرة لا غاية لها إلا القتل، ومعاداة التحضر، كما كان يشيع عليهم الأعداء وأنصار الاستعمار، وتناسوا أن كل حرب، تنشب في مثل ظروف المغرب يومذاك، هي بمثابة وسيلة أخيرة للبحث عن الحل بالجلوس على مائدة المفاوضات. والمفاوضات لا تتم إلا بين الهياكل السياسية. وكانت الجمهورية الريفية ترمز إلى تلك الهياكل. لكن لماذا "الجمهورية" وليس "الإمارة" أو" السلطنة".؟ يبدو من الناحية الشكلية أن الخطابي جمع بين التراث الأمازيغي والإسلامي. فالجمهورية شكل من أكثر الأشكال الشائعة في ممارسة الحكم والسلطة عند الأمازيغ، والأمير صفة عربية إسلامية لقادة الجيش، والولاة، وحكام المناطق في التراث الإداري عند المسلمين. في الوقت الذي يحتفظ فيه رئيس السلطة المركزية بألقاب أخري؛ وفي مقدمها لقب "أمير المؤمنين"، الذي لا يكتسب (أي اللقب) إلا بشروطه. (انظر بعض هذه الشروط في الفصل الذي تناول ألقاب الخطابي ضمن هذا الكتاب.) أما الخطابي فقد قبل لقب "أمير الريف" بالانتخاب، وقد صرح في هذا الشأن لجريدة "الدايلي ميل" الإنجليزية أنه انتخب أميرا من قبل رؤساء القبائل. ومن المعلوم أنه رفض البيعة والدعوة له من على منابر المساجد، وفقا لعادة المغاربة نحو سلاطينهم وملوكهم. ومن الجدير بالذكر أن أمراء المسلمين، أي قاداتهم أو حكامهم أو ولاتهم، كانوا يتمتعون بحق الدفاع عن ثغورهم؛( أراضيهم وكل أراضي المسلمين وحدودها،) والمفاوضة مع العدو، بشان ترتيبات الحرب والسلم. ونعتقد كامل الاعتقاد بأن هذا ما قام به وفعله أمير الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ شعورا بواجبه الديني والوطني، بدون تردد. ونستخلص من هذا أن إعلان الجمهورية كان يهدف إلى: عدم إحراج السلطان مولاي يوسف الذي كان خاضعا لمقتضيات معاهدة الاحتلال الجائرة؛ إضفاء صفة الدفاع عن الوطن على حرب التحرير، بصفتها حرب كل المغاربة، خاضها الوطنيون في الريف نيابة عنهم ومن أجلهم، وليست مجرد حرب تعبر عن آخر الاختلاجات القبلية؛ كما أشاع عنها الاستعماريون الفرنسيون وحزبهم في المغرب، ولم تكن تمردا أو ثورة، كما نعتها مولاي يوسف وفقهاء بلاطه. وبناء على ذلك كان لابد من وجود كيان سياسي تفاوضي مع العدو، محدد الأهداف في المكان والزمان. وكان ذلك الكيان اسمه" جمهورية الريف". مخاطبة الرأي العام من خلال عصبة الأمم، آنذاك، والدول ذات التأثير في الأحداث الدولية، زيادة على موضوع التفاوض، أي خوض المعارك الدبلوماسية، جنبا إلى جنب مع المعارك العسكرية. وكان من الضروري أن يخوض الخطابي هذه المعارك باسم كيان سياسي متحرر من شروط معاهدة الاحتلال. خاصة أن المادة الخامسة منها تنص على أن "يكون المندوب المقيم العام [الفرنسي، هو الواسطة الوحيد بين جلالة السلطان ونواب الأجانب، ...، ويكون مكلفا بسائر المسائل المتعلقة بالأجانب في الأيالة الشريفة». وما تجدر الإشارة إليه، في هذا الصدد، هو أن رسائل الخطابي ومراسلاته لم تكن توقع لا باسم رئيس جمهورية الريف، ولا باسم أمير دولة الريف، بل كان يوقعها باسم" عبد الكريم الخطابي أمير الريف". والتوقيع بهذه الصفة لا تخفى مراميها عن العارفين بالعمل السياسي والإداري في التراث الإسلامي. ويجب التذكير كذلك بأن جميع الرسائل التي كان يوجهها الخطابي إلى الجزائريين والتونسيين كان يوقعها باسمه الشخصي فقط، دون أي صفة. وحين زار محمد الخامس القاهرة أوائل 1960، وتقابل مع عبد الكريم كان يخاطبه بلقب" الأمير". إظهار قدرة المغاربة، ليس فقط على حماية وطنهم؛ إذا ما توفرت لهم قيادة حكيمة، بل قدرتهم على تحديث بلدهم، وتغيير أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في الوقت الذي امتنعت فيه الدول الاستعمارية على إقامة علاقات تعاون في هذا الاتجاه، وأصرت على أن ذلك لن يتم إلا بفرض الاحتلال. ولا يزال العالم، إلى اليوم، يتحدث بتقدير وإعجاب عن إنجازات جمهورية الريف في البنية التحتية، والتعليم، والاتصالات، ووضع المؤسسات، والاحتكام إلى القانون وحده في كل الظروف والأحوال. ما يبطل حجج الاستعماريين الذين ادعوا أن احتلالهم للمغرب جاء من أجل تحديثه. ولعل التحديث الذي أنجزته جمهورية الريف على أرض الواقع، بالرغم من قصر عمرها،(5 سنوات) وبرهنة المغاربة في الريف على فساد الأطروحة الاستعمارية المعللة للتوسع الاستعماري، هما الكامنان وراء معاقبة منطقة الشمال والانتقام منها أشد ما يكون الانتقام، منذ اليوم الأول في عهد الدولة الوطنية" المستقلة"، من قبل عملاء الاستعمار وأذنابه. تحقيق الأمن في كامل المنطقة التي شملتها سلطة الجمهورية الريفية والأمان لكل ساكنتها، مسلمين ويهود؛ ولكن اليهود هاجروا بعد الاستقلال، كما هاجر كل من استطاع من مواطنيهم المسلمين، بحثا عن الكرامة وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية. ويجب التذكير بأن الأمن والأمان لم يتحققا إلا بفضل التزام القانون، والأعراف الإنسانية الراقية في ممارسة واجبات وحقوق المواطنة. ومن جانب آخر فقد تم التعامل مع قضية أسرى الحرب بالكيفية التي لا تسمح بامتهان الكرامة الإنسانية، أو القيم الأخلاقية. في الوقت الذي كان فيه الإسبان يتباهون برفع رؤوس أسراهم بعد قتلهم أمام عدسات المصورين. وتمتعت الأسيرات الإسبانيات بكامل كرامتهن الإنسانية؛ فهن لم يتخذن سبايا على طريقة القدامى مثلا، بل عشن تحت رعاية أسرة الخطابي وحمايته. وبعد أن أطلق سراحهن في نهاية الحرب وأعدن إلى إسبانيا رجعت إحداهن «مع زوجها لتعيش في الحسيمة حتى توفيت سنة 1950، وكانت قد كاتبت الخطابي حين سمعت بلجوئه إلى القاهرة عام 1947، إذ كتبت إليه تشكره على المعاملة الطيبة التي لقيتها؛ خلال السنوات الخمس من أسرها». وحين نعرف أن الأمن والأمان كانا حلما بعيد المنال قبل قيام جمهورية الريف، وأنهما لم يتحققا بالقهر والقمع؛ وإنما تحققا من خلال الشعور بالكرامة، وتطبيق القانون على الجميع، وإقامة العدل. فإن ذلك قدم برهانا آخر على زيف الأطروحة الاستعمارية القائلة: إن من أسباب وجوده في بلادنا تحقيق "التهدئة والتسكين." وقد انتقد الحسن الثاني، بسخرية، المؤرخين الأوربيين الذين لم يروا في حرب المائة سنة التي خاضها المغرب مع الاستعمار سوى "تهدئة وتسكين"، ثم عبر بمرارة لاذعة عن سياسة الاستعمار تلك، قائلا: «عجيب أمر هذا "التسكين" الذي خرب وحدة أمة، وجعلها خاضعة لاحتلال قوتين أجنبيتين، وبذر الاضطراب في العقول والقلوب، وفرق ليسود». أما الأمير الخطابي، الذي عاصر زمن التسكين الاستعماري، فكان مدركا، بلا شك، تفاهة آراء الاستعماريين وتقييمهم للشعوب المستعمَرة؛ والشعب المغربي من ضمنها، كما كان واعيا بأهمية التغيرات التي أحدثتها تلك النقلة النوعية في مجتمع كان يخضع للخوف والثأر والفوضى إلى مجتمع يسوده العدل والأمان وحقوق المواطنة؛ وكان ذلك يتجلى له في انتصارات مواطنيه في الحرب كما في الإعمار المدني، على الرغم من الظروف المناخية القاسية، التي عاشتها المنطقة آنذاك، وفي قيم المؤاخاة التي سادت بين مواطني المنطقة كلها، بعد عقود طويلة من ثقافة الكراهية وشريعة الثأر المتبادل. فجمهورية الريف، إذن، كانت لها أسبابها الموضوعية الموجبة لوجودها، وكانت لها غاياتها المحددة في الزمان والمكان، ولم تكن أبدا ثورة على السلطان. ويشهد كل الذين عرفوه وحاوروه وتعرفوا على دواخل أفكاره أنه كان يكره وصف ما قام به ب"الثورة". ويذكر الزعيم علال الفاسي، في هذا الصدد، أن الأمير الخطابي كان "يكره تسمية ما قام به باسم الثورة"؛ وينقل عنه قوله: «لماذا تسمونها الثورة؟ إنها لم تكن إلا حرب تحرير من الأجنبي ودفاعا عن الوطن». وفي السياق نفسه تفيدنا شهادات بعض الذين رافقوه في فترات مختلفة من حياته، أنه لم تكن لديه ميول جمهورية، وبقي طول حياته يعمل ويناضل من أجل إنشاء نظام سياسي يحقق الحرية والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية السياسية، بغض النظر عن شكله الخارجي، لأن المسألة بالنسبة إليه لم تكن تتعلق بشكل السلطة فقط، وإنما بمضمونها الداخلي وممارساته على أرض الواقع؛ وقد أكد التاريخ العربي السياسي المعاصر صحة رؤيته هذه. هذه إذن، بعض الوقائع والأفكار عن "جمهورية الريف" التي تم إغفالها لسبب ما، أو لغرض معين، طرحناها هنا، محاولين، من خلالها، أن يستعيد العقل السياسي المغربي بعض جدارته التي حرم منها لأسباب لا علاقة لها بحقيقة جمهورية الريف، ولا بطموحات أميرها، وأن تبرز جوانب من تاريخ الوطنية المغربية وبعدها الأصيل في تجديد مسيرتها، وتحديث طرائقها، وأن تستفز بعض المؤرخين الذين لم يتخلصوا بعد من طريقة الإخباريين المخزنيين في عرض وقائع التاريخ المغربي. لكن ذلك لا يعني إسقاط القاعدة القائلة" الطبيعة لا تقبل الفراغ". وذلك هو منطق التاريخ قبل أن يكون منطق صانعيه. غير أن لدينا من القناعة المؤكدة أن الأمير الخطابي، وعلى الرغم من اختلافه مع محمد الخامس حول منهجيات سياسية، تتعلق بصفة خاصة باستقلال المغرب الناقص من أطرافه، والمشروع المجتمعي لمغرب ما بعد الاستعمار، كان رأيه راسخا في أن محمد الخامس هو الملك الشرعي للمغرب، وقد جدد ذلك بمجرد وصوله بور سعيد؛ ليضع حدا لكل قيل وقال، وأكدت الأحداث اللاحقة مواقفه الثابتة من الشرعية السياسية في المغرب. أما من نوى أو لجأ إلى توظيف جمهورية الريف كأصل للتجارة السياسوية، أو ما يسميه مالك بن نبي بثقافة ال" Boulitique"، فذلك شأنه وحده، ولكل امرئ ما نوى.