يستحضر فيديو تعنيف التلميذة المشاغبة من لدن أستاذها لمادة الرياضيات بمدينة خريبكة ذكريات طفولية نتقاسمها أفرادا وجماعات حول دور الأستاذ في ضرب الناشئة وتأديبها، بل وترويضها على احترام منظومة السلطة الأبوية بجميع أشكالها الرمزية والمعرفية والإدارية. لقد اعتقد جيل الأستاذ "العويني" في استخدام العقاب البدني واللفظي باعتباره وسيلة لتهذيب وتقويم سلوك التلميذ، حيث شهدت المدرسة المغربية منذ عهد الاستقلال تقنين استخدام العصا لفرملة التلميذ الرذيل الجَلف الخشِن، وردع المُشاغب وشكْم المُشوِّش، فانخرطت العوائل في منظومة العصا لمن عصى، وارتكز العمل التربوي بالمدرسة المغربية على عقاب السلوك الفظ غير المستقيم، بل تمت معاقبة التلميذ داخل الفصل، إذا هو أخطأ في الجواب أو لم يحفظ الدروس. لنكن صرحاء مع بعضنا البعض، من منا ليست له ذكريات مع عصا الأستاذ والمعلم؟ مَن مِن القضاة يا ترى، أولئك الذين سيُنتدبون للحكم على أستاذ الرياضيات، لم يتعرض خلال حياته الدراسية لضرب المعلم والأستاذ، فليحاكم الأستاذ العويني؟ متى كانت العصا والعقاب البدني جريمة في ثقافتنا الشعبية؟ متى كانت تعتبر قمعا وتعنيفا وجلدا؟ أليست هذه هي العصا التي خرجت من الجنة؟ ألم تعتبر العصا نبراسا في بناء مستقبل الأجيال، فشب عليها الكبير والصغير بالمغرب؟ كيف لا، وجميعنا بمن فيهم وكيل الملك الذي أمر باعتقال من درّس المهندس والطبيب والمقاول وغيرهم من كوادر هذا البلد، كلنا نتذكر كيف تفنن المدرسون في اختيار أجود الأغصان "للفلقة"، فشكلوها لتصير عصا جاهزة لأداء وظيفة التأديب؟ ألم يتذكر قضاة خريبكة كيف كنا نأتي الأساتذة بأدوات ضربنا، بل حرضت أسرنا على عقابنا تحت شعار (أنت ذبح وأنا نسلخ)؟. اسألوا أساتذة الرياضيات من الجيل القديم ليحدثوكم عن كيفية عقاب كل من سولت له نفسه أن يتغاضى عن حفظ جدول الضرب، وما أدراك ما جدول الضرب، ذلك الجدول الذي رُسِم على أغلفة الدفاتر لكي يَسهُل حفظه عن ظهر قلب، وكأنه آيات مصحف كريم!. يا من أمر باعتقال الأستاذ، ألا تتذكر قصة الولد والبطاطس في سلسلة اقرأ، تلك القصة التي حفرت في ذاكرتنا وهي تُقعِّد للعصا باعتبارها وسيلة لتهذيب السلوك، فبعد رفض الولد أكل البطاطس، ورفض العصا ضرب الولد، انقلب نظام الكون عند الطفل، ولولا تدخل القط في آخر لحظة بقبوله أكل الفأر، لما تسلسلت الأحداث لتصل إلى العصا التي قبلت بضرب الولد، فقبل بدوره بأكل البطاطس مُطأطأ الرأس منحنيا خوفا من عقاب العصا. هو جيل بأكمله أكل البطاطس، بما فيه جيل الأستاذ الجليل الذي رُمي ظلما في سجون النسيان وعدم الاعتراف برد الجميل. وإليكم حكايتي مع أكل البطاطس يوم التحقت بالمدرسة الابتدائية، حيث قام معلم الأجيال سي بوشعيب بمدرسة التازي بالجديدة ب"تحميلي"، إثر شكاية شفوية تقدمت بها أم أحد الزملاء بعد أن قمت بتعنيف ابنها، فاغتنم خصومي الفرصة للانقضاض علي، وقاموا بمساعدة المعلم بتحميلي، فمنهم من شدني من "قبّية" معطفي، ومنهم من شدني من ذراعي، وآخرون من حزامي، ثم شرع المعلم في ضربي على مستوى أسفل الرجلين بمسطرة حديدية مربّعة، وجدت بعدها صعوبة في المشي لمدة ساعات، ولم يتدخل أحد من أسرتي في قرار المعلم التأديبي، بل على العكس ثمّن والدي هذا العقاب واعتبره درسا لي حتى لا أعود إلى الشجار مرة ثانية. لا أحد يجادل في حدوث تجاوزات خلال استخدام أسلوب العقاب البدني لتقويم سلوك التلاميذ المشاغبين خلال العقود الماضية. ونقصد بسلوك الشغب هنا عرقلة السير العادي للدروس أو إهانة الفاعل التربوي أو الشجار أو إتلاف المرافق العامة وغيرها من السلوك المنحرفة؛ لكن ظل المجتمع متمسكا بالعقاب البدني بوصفه وسيلة ناجعة في تنشئة الأطفال، إذ مازالت الأسر تقوم بضرب أبنائها لتقويم الاعوجاج السلوكي، ومازال جيل من المدرسين يستخدم العصا في تلقين الدروس، فحتى نهاية القرن المنصرم والكتابة العامة للمؤسسات التربوية تواظب على تقويم سلوك التلاميذ عن طريق معاقبتهم بشتى الطرق، بما في ذلك "التحميل" و"الفلقة" والوقوف لساعات على رجل واحدة، وغيرها من العقوبات البدنية. إذن، ماذا حدث لهذا العقد الديداكتيكي التقليدي الصريح الذي تشبثت به أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم؟ لماذا تم التخلي عن بيداغوجية العصا في المدارس بجرة قلم وزارية في إطار الاستجابة لنداء منظمات عالمية واستيراد مقاربات جاهزة من الغرب باسم الحداثة والمعاصرة؟. صحيح أن المدرسة المغربية اليوم تشهد قفزة نوعية نحو أسلوب الحوار وبيداغوجية الكفايات والإدماج، وهي مقاربات جديدة تعيد إبرام عقد ديداكتيكي جديد، يتسم بنقل المعارف المدرسية على شكل مهارات وكفايات معرفية تواصلية ومنهجية ثقافية، يستضمرها المتعلم بغية التكيف والتأقلم مع المحيط. جميل هذا الكلام على الورق، وجميل أن يكون الهدف هو أن يكتسب المتعلم هذه المهارات، وأن يحصِّل هذه المعارف لكي يستعد لمجابهة الواقع الحي الذي ينتظره خارج أسوار المدرسة، لكن كيف ستجدد هذه المؤسسة عقدها الديداكتيكي بهذه الشروط، وهي مازالت ترزح تحت نير منظومة الهيمنة والخضوع؟ أو بعبارة أخرى تحيا باستعارة الشيخ والمريد؟ كيف تستطيع المدرسة اليوم أن تبرم عقدا تفاعليا ينبني على دينامكية الحوار، بينما هذا الأسلوب تفتقده جل الأسر المغربية، ويغيب تقعيده في مؤسسات الدولة؟ ما هذه المدرسة النشاز التي طلع "بدرُها" علينا؟. كيف نستورد بيداغوجيات ومقاربات وبرامج إستراتيجية كبرى فوق-تحتية (من الأعلى نحو الأسفل) دون توطين أو تكييف أو حوار نقدي مع الفاعلين المنفذين للبرامج التربوية؟ هل هؤلاء مخلوقات آلية مبرمجة على تفعيل الإرشادات والتوجيهات فقط؟ لماذا تستمر عقلية الابتعاد عن عملية اتخاذ القرار؟ إذ لا يعتبر العديد من الفاعلين التربويين أن المشاركة في إعداد الإصلاحات التعليمية من مسؤولياتهم، بل يعتبرونها من مسؤولية صناع القرار والحكومات الوطنية، فتنعكس هذه النظرة الأبوية للتغيير سلبا على النظام التعليمي، حيث يمكن أن يتحول الأساتذة إلى منفذين سلبيين لبرامج تربوية جاهزة بدون وعي نقدي، ومن غير اتخاذ مبادرات لاقتراح أفكار جديدة تمكنهم من مساءلة الوضع القائم. وهكذا يظل السياسي يستورد تحت الضغط الاقتصادي، والفاعل التربوي ينفذ بشكل آلي. وفي السياق نفسه، نتساءل عن الأبحاث الميدانية التي قام بها الفاعلون التربويون لتقييم إيجابيات وسلبيات العقاب البدني "المقنن" سابقا داخل المدارس؟ هل جاء المنع نتيجة أبحاث أكاديمية بينت هشاشة الأسلوب، أم هو قرار فوق- تحتي اتخذ لتحقيق مآرب سياسية؟ كيف تتخلى الدولة المغربية اليوم عن مأسسة العقاب البدني بجميع مناطق المغرب، في إطار الانفتاح على تقاليد الحداثة دون مراعاة الخصوصيات الثقافية، ومنها أن الحداثة ليست فقط حزمة من المنهاج التربوي، ولكن نمط حياة غربية راكم قيما وتصورات لمدة قرون، فكيف نستورد نحن أفكارا جاهزة مبعّضة لسجنها بين أوراق الدفاتر التربوية؟ أليست هذه مفارقة عجيبة أن دولة متخلفة كالمغرب تسوق نفسها بصورة حقوقية متمدنة، اعتقادا منها أن الضرب والتأديب أساليب تربوية رجعية بالية، بينما تتشبث ولايات أمريكية بهذا الأسلوب في المدارس وتقننه؟ تتحدث واشنطن بوست سنة 2014 عن تسع عشرة ولاية وهي: (Alabama, Arizona, Arkansas, Colorado, Florida, Georgia, Idaho, Indiana, Kansas, Kentucky, Louisiana, Mississippi, Missouri, North Carolina, Oklahoma, South Carolina, Tennessee, Texas and Wyoming.)، مازالت تعمل بمبدأ التعنيف الجسدي المقنن، والمؤدي أحيانا إلى الكدمات. كما تستأذن المدارس الأسر التي توافق على هذا الأسلوب التأديبي. ويبلغ عدد التلاميذ المُعَنَّفين داخل المدارس الأمريكية 838 تلميذا يوميا. حقاً هو رقم هزيل مقارنة مع الساكنة في هذه الولايات، لكن له دلالته، ويرمز إلى الطريقة التقليدية المحافظة التي يتشبث بها الأمريكيون في تربية الناشئة، خصوصا لما يعنف طفل كل ثلاثين ثانية!. يبدو أن الضرب والتعنيف الجسدي يشكل مخيال التربية لدى العوائل المغربية، حيث تتنمذج علاقة الأب بالأبناء حسب خطاطة الشيخ والمريد التي فاضت بها محفوظات الثقافة المارابوتية منذ قرون داخل نظيمة الزوايا. تتجاوز سلطة الشيخ تلقين المعارف الدينية لفائدة مريديه، لتضم خدمة المريد لشيخه خلال حياته اليومية، وطقسنة الخضوع لسلطته، فيتحول المريد إلى خادم لشيخه، إذ من المريدين من يغسل ثياب الشيخ، ومنهم من يطهو طعامه، ومنهم من يحرث أرضه، ومنهم من يسقي بهيمته، ومنهم من يتبضّع في الأسواق لقضاء مآرب الشيخ. وقد تتعدد مهام المريدين بتعدد أوامر الشيخ ومتطلباته ونزواته. ومن يعصى أوامر الشيخ يتعرض لغضبه وعقابه من ضرب وحبس وكي بالنار. هكذا تبلورت علاقة الشيخ بالمريد، تلك هيمنة وخضوع انتقلت إلى باقي مناحي الحياة، وانبلجت مدارسنا القرآنية والعصرية بحلة التسلط الأبوي الحمائي الشائع في عهد المدارس الصوفية، إذ انتقلت خطاطة الشيخ والمريد لتشكل علاقة الفْقيه بالمْحْضار في رحاب مؤسسة "الجامع/ المسيد"، أو المدرسة القرآنية، التي مازالت تعتبر في بعض القرى المغربية أول مختبر تعليمي تتشكل بين أحضانه علاقة المتعلم بالمعلم. يجلس المعلم القرآني في حلقية مع تلامذته متربعين على الحصير يحفظون القرآن، ويكتبون على الألواح، بينما قد يجلس الفْقيه فوق منبر خشبي يراقب من فوق، وهو يحمل غصن شجر (زلاّط)، يستخدمه لتأديب "المحضار" وإجباره على الانصياع لأوامر "الفْقيه" والامتثال إليها. هذا ويقضي "المحضار" بعض وقته في خدمة "الفْقيه" عبر السهر على تنظيف المكان، وجلب الطعام، وحش الحشائش لبهيمة "الفْقيه"، والقيام بالسخرة. إنها علاقة الشيخ بالمريد في أبسط حللها بالمدارس القرآنية. ولما جاءت المدارس العصرية، تحول "الفْقيه" إلى معلم يقف فوق منصة السلطة بالقسم، يحمل مسطرة حديدية أو عصا، ويباشر التعليم والتهديد بالضرب عند شغب التلاميذ. وعلى الرغم من قلة أعمال السخرة بالمدرسة النظامية، إلا أنها مازالت تجسد علاقة الشيخ بالمريد في مظاهر سيطرة المدرس على تلامذته. تلك ثقافة مارابوتية نشأت بفضلها أجيال تقدس المعلم الشيخ، فتنحني له إجلالا وإكبارا وخوفا من سطوته، بل تخدمه أحيانا. فحتى بعد كبرهم، مازال الكثيرون يتذكر سلطة المدرس داخل القسم، ومازالت الأذن تسمع طنين وعيده بالعقاب لكل من لا ينضبط للأوامر والتوجيهات. إن الدرس الذي نستخلصه من تجليات سلطة الشيخ في ثقافتنا المارابوتية هو ارتباطها الوثيق بتمثلات السلطة الأبوية والحماية التي تقدمها للمجتمع، حيث يحتل دور الأب كل فاعل اجتماعي من المعلم إلى الملك، إذا توفرت فيه عناصر الحماية، فالمعلم مثلا، يتميز بهذا الدور نظرا للحماية التي يقدمها للطفل داخل الجماعة، ونظرا لسيطرته المطلقة على نظامها، فهو المعلم والقاضي والحكم والمحامي، إذ يلعب مجموعة من الأدوار الأساسية في حياة المتعلم، فهو القدوة والنموذج، إلى درجة أن الأحلام الطفولية تجسد المعلم، وهو يتحكم في تنظيم الجماعة، فيلعب الأطفال لعبة المعلم والتلاميذ، ويقوم من خلالها طفل بدور المعلم الذي يحمل العصا، فيضرب كل تلميذ لا ينتبه إلى الدرس أو يتحدث إلى صديقه. تلك لعبة ترمز إلى الهيمنة الرمزية للأستاذ التي تستدعي الخضوع والانضباط. لقد حافظت الثقافة الشعبية على نمط هذه السلطة الأبوية وهيبتها عبر اللجوء إلى آلية العصا بوصفها أداة تأديب للسلوك الاجتماعي وتهذيبه قصد مقاومة التمرد، فانتشرت حكم وأمثلة شعبية تبريرية ترسخ مخيال الضرب والتأديب باعتبارهما ضرورة ملحة لتقويم سلوك الناشئة، تبث الرعب في قلوب الأطفال، إذ منذ بدايات تَشَكُّلِ شخصية الطفل تبدأ عملية الضرب لنهيه عن السلوك غير المستقيم، ويتم تخويفه بكائنات أسطورية ترمز إلى العقاب، ك"رحمة الله" و"الغول"؛ فضلا عن أقوال مأثورة تبرر استخدام العصا؛ "فهي التي نزلت من الجنة"، "والعصا لمن عصى"، "واللي دار شي ذنب يستهل العقوبة"، "والعين ما تعلا على الحاجب"، "واللي بغا العسل يصبر لقرص النحل"، "واللي كلاه فمو يأكلها فعضامو"، وما إلى ذلك من الحكم الشعبية التي تُقعِّد لاستخدام العصا في تأديب الناشئة. إن العصا طِبقا لمخيالنا الشعبي تُشفي المريض وتعالجه من سقمه، أليست "الكلخة" أداة علاج؟ ذلك الغصن البري الذي يلتقطه الشرفاء من الخلاء، ويعالجون به المرضى، مُطَقطِقين به على مفاصل المريض؟ نُذكِّر وزارة "الاقتباس" والتربية بالمغرب أن المصاب باضطراب نفسي أو شعور بالضيق والعجز في المجتمعات الأوروبية يذهب فورا لزيارة أخصائي في الأمراض النفسية، حيث يجلِسُه على أريكة مريحة، ويحاوره، وينصت إليه، بل يبحث عن منافذ لولوج مشاعره العميقة وأفكاره المظلمة. إن علاقة الطبيب بالمريض تتشكل عبر تمثلات ثقافية يطبعها الحوار والسيطرة الناعمة، فماذا يا ترى مصير المصاب بالاكتئاب والضيق في مجتمعنا؟ غالبا ما تأخذه العائلة لزيارة معالج تقليدي أو ولي صالح، عندها يخضع للرقية الشرعية أو "الصريع" المطقسن. تلك عملية يتخللها العنف والضرب والحبس إذا دعت الضرورة، حيث تستخدم "الخَلوة" داخل المزارات لممارسة الصريع الغيبي، وترويض الجن المتمرد على الأعراف والقيم الاجتماعية، ما يؤدي في غالب الأحيان إلى تعافي المريض أو على الأقل استقرار حالته النفسية، أين هي علاقة الحوار في عملية "الصريع"؟ إن علاقة المعالج التقليدي بالجني تشبه علاقة الشيخ بالمريد، فهو يبذل قصار جهده لإجبار الجن على الخضوع والانصياع لأوامر "الشريف". ومن الشرفاء من "يعفس" الجن لصرعه، كما يحصل في طقوس أولاد بن يفو، وهكذا تبرر طقوس "الصريع" اللجوء إلى العقاب البدني قصد التأديب، فتشرعن الضرب عبر الطقوس والتمثلات الثقافية، وتصبح العصا التي "هبطت من الجنة" أداة شافية في ترويض الإنس والجن معا. إذا كانت نظرة المغاربة للوجود (cultural worldview) تعودت على استخدام العقاب البدني، واستأنست به منذ زمن، لماذا يجرمه القانون اليوم؟ ولماذا يظل هذا القانون ورقيا، بمعنى أنه نادرا ما تقوم المحكمة باستدعاء أب قد يعنف ابنه؟ وكيف تمنع وزارة التعليم العقاب البدني، بينما يعمل به أساتذة في السر؟ ما هذه المفارقات؟ لماذا هذا التناقض الصارخ بين الورق والواقع؟ كم تبدو قرارات منع العقاب البدني غريبة عن سياقانا الثقافي؟ هل شارك الأساتذة في اتخاذ هذا القرار الوزاري؟ هل تمت مشاورتهم ومشاورة جمعيات الآباء؟ هل نحن أمام قرارات تفرزها أمزجة سياسية بعيدة عن البحث والنقاش الأكاديمي؟ ما مصير هذا النقل الحرفي من ثقافة تعيش الحوار بوصفه نمط حياة إلى ثقافة تعيش فترة انتقالية نحو قيم "حضارية حداثية مستوردة" مازالت في إطار التوطين؟ أليس من حرية العوائل المشاركة في اختيار القرار التأديبي المناسب عن طريق تفعيل جمعيات الآباء؟ كيف يمكننا أن نحاكم اليوم أستاذا يتبنى قيم مجتمعه، ونشأ بين أحضان العصا؟ أليست محاكمة الأستاذ العويني محاكمة مجتمع بأكمله يختار العقاب البدني بوصفه وسيلة للتأديب؟ أليست هذه الحكومات المستلبة والمنفصلة عن قضايا شعوبها هي السبب في سن قوانين وبرامج مستوردة جاهزة بدون توطين وتكييف؟.