من الحيز الجغرافي ل"المغرب الشرقي" انطلق امحمد مالكي نحو كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس، مستجمعا أربع سنوات ونيف من الاستقرار في مسقط، ومرتبطا بعقد يجعل مقامه الأكاديمي في عُمان متواصلا إلى صيف 2020 على الأقل. تحمل البروفيسور المغربي مسؤولية كلية العلوم القانونية ذاتها من موقع العمادة، مراكما ثلاث سنوات من الجمع بين التدبير الإداري والعطاء التعليمي، قبل أن يقرر استكمال عقده مع "جامعة السلطان" في البحث العلمي ضمن القانون العام. النشأة والتكوين ولد امحمد مالكي في مدينة دبدو المنتمية إلى الحيز الجغرافي لإقليم تاوريرت، وسط مناخ التسامح والتعايش الذي وسم حضور المسلمين واليهود في هذا التجمع السكاني الضارب في عمق التاريخ. قضى مالكي مرحلة التعليم الابتدائي في مسقط رأسه، قبل أن يتحرك خارج دبدو لاستكمال مساره الدراسي الإعدادي ثم الثانوي، مضطرا لذلك بسبب غياب المؤسسات الثانوية، وقتها، عن البيئة التي استهل فيها حياته. حصل امحمد على الباكالوريا من ثانوية "عبد المومن" بمدينة وجدة، ثم أقبل على دراسة القانون بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس متحصلا على الإجازة بحلول ثامن سنوات عِقد السبعينيات من القرن الماضي، منتميا إلى أول فوج يتخرج في هذه الكلية. مسار التدريس "توجهت إلى العاصمة الرباط لاستكمال دراستي العليا، متخرجا بحلول سنة 1979، ثم اجتزت مباراة الأساتذة المساعدين في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض المراكشية، وكنت من بين القلة الذين التحقوا بهذه المؤسسة لدى افتتاحها"، يصرّح مالكي. تدرج امحمد في مهام التدريس بالمرفق الأكاديمي نفسه من مساعد إلى أستاذ مساعد ومحاضر، ثم غدا أستاذا للتعليم العالي مشرفا على المساهمة في تكوين الآلاف ممن أقبلوا على دراسة العلوم القانونية في "بلاد البهجة". استمر مالكي في ممارسة مهامه بجامعة القاضي عياض لفترة تخطت ثلاثة عقود، وصلت في مجملها إلى 36 عاما من العطاء، قبل أن يقرر الانفتاح على هجرة تضيف إلى نهج سيرته تجربة دولية في سلطنة عمان. حضور الهجرة يشدد "ابن دبدو" على أن الجهة الشرقية من المملكة تعرف منسوب هجرة عال جدّا، سواء تعلق الأمر بتحرك نحو الخارج أو تغيير فضاء الاستقرار داخل الوطن، متأثرة في ذلك بما تعرفه من شح للموارد في هذه المنطقة. "بعض من أفراد عائلتي هاجروا من دبدو إلى الأطلس المتوسط بحثا عن تخطي الخصاص المرصود على أرضهم، وقد كنت بينهم وأنا أقضي جزءا من طفولتي في آزرو وإفران"، يسرد امحمد مالكي. كما يعتبر الأكاديمي عينه أنه اعتاد الترحال على امتداد سنين عيشه، مقبلا على فرص التعليم والتكوين والاشتغال، لكنه لم يفكر في تخطي حدود الوطن إلا من أجل المشاركة في مؤتمرات دولية، دون الإقبال على الاستقرار هناك. السلطان قابوس عن خيار العيش والعطاء في سلطنة عُمان، يقول مالكي: "بدأت أشعر بأن الخريطة البشرية داخل الجامعة المغربية قد أخذت في التغيّر، وبحلول سنة 2007 أخذت أرصد أجيالا تصل المؤسسة بمنظومة قيم جديدة، فقررت عدم إنهاء مساري وسط هذه التغيرات". في فبراير 2014 تنقل البروفيسور من جامعة القاضي عياض إلى كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس، منطلقا من مراكش للتواجد في مسقط كأستاذ زائر خلال موسم الربيع، لكنه ظفر بمقترح تعاقد مع هذا الصرح الأكاديمي العُماني. قبل امحمد إلى السلطنة عند انطلاق الموسم الجامعي الموالي، مزاوجا بين مسؤولية العمادة والإشراف على التكوين في قسم القانون العام، مستغرقا ثلاث سنوات في هذا العطاء قبل العودة إلى البحث العلمي بعيدا عن الثقل الإداري. عُمان في الميزان يستجمع مالكي تجربته في عُمان قبل أن يذكر أن "المجتمع العُماني لا يشعر الوافدين عليه بوجود تمايزات، ومنظومة التربية والقيم في هذا البلد بعراقة نظيرتها في مغرب السبعينيات، بعيدا عن الرجة التي وقعت لاحقا". ويشدد امحمد على أن دخوله السنة الخامسة من الاستقرار في مسقط، بكل ما مر منه في مستوى التعرف على البلاد ومخالطة الناس، يجعله يجزم بأن سلطنة عمان بلد الأمن والأمان بامتياز. "جامعة السلطان قابوس، وهي مؤسسة التعليم العالي الحكومية الوحيدة في البلد، تتوفر على بنية مؤسساتية تكاد تكون جيدة، ولها بيئة تمكن من الاشتغال براحة، وسعي إلى تطوير أكبر للأبحاث في العلوم الاجتماعية والإنسانية"، يزيد مالكي موضحا العناصر الجاذبة له. عشق البحث رغم افتخاره بإيجابيات المرحلة التي تولى خلالها منصب عميد كلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس، إلا أن الأكاديمي المغربي لا يتردد في التعبير عن تأثره سلبا بهذه المسؤولية الإدارية، وما احتاجته من تفرغ، إلى حد مفارقة الدراسات العلمية الرصينة. ويشرح مالكي: "التحقت بالكلية في وقت كانت تحتاج فيه جهدا لإعادة بنائها من جديد، وقد استطاع الفريق الذي كنت معه، خلال ثلاث سنوات، أن يضع المؤسسة على السكة الملائمة باعتراف الجميع، أولهم إدارة الجامعة المشيدة بوضع خارطة طريق للسنوات المقبلة". اضطر امحمد إلى الاكتفاء، خلال هذه الفترة، بخط مقالين دراسيين في الأسبوع حتى لا يضيع "صناعة الكتابة"، ثم أخذ حاليا في إحياء شبكته العلمية وتجديد صلته بالطلاب، مع فتح الباب على مصراعيه أمام عشقه للأبحاث التي ألفها في ميدان الحق والقانون. حضن الاغتراب الحائز تعاقدا أكاديميا يمطط استقراره في عُمان إلى سنة 2020، على الأقل، يرى أن عطاءات الفرد ينبغي أن تكون في وطنه الأم أساسا، وأن تكون الهجرة بوابة من أجل اكتساب الخبرة وإغناء التجربة. يعتبر مالكي أن إشكال الاستفادة من الطاقات المغتربة ليس إشكالا مغربيا بقدر ما هو هاجس عالمي، وأن هناك بلدانا تحقق لها الوعي بأهمية الموضوع، وأخرى وصلت إلى وضع أنساق توطّن ثقافة العلم الحقيقي وتشجع عودة هؤلاء للمساهمة في رفعة أوطانهم. "المهاجرون المستقرون بعيدا عن ديارهم ينبغي أن يعوا تواجدهم في بيئات حاضنة فقط، وبالتالي هم مطالبون بالتفكير لاحقا في كيفية إفادة الوطن بما اكتسبوه"، يختم امحمد مالكي كل كلامه.