لا ينبغي وضع وجود الإنسان في العالم موضعَ مشكلة، بل ينبغي التسليم به. وعلى العقل أن لا يقول: إنه مشكلة ، ثم يضع له حلولا مجردة تأخذه من متاهة إلى أخرى. فوجود الإنسان ووجودُ العالَمِ لا يتأتى فهمُهما إلا على ضوءٍ يَشملهما معا، وهو ضوء الوجود المطلق. فالإنسان لا يتساءلُ عن عبثٍ، وإنما عن قلقٍ وجودي. فهو – وإن كان يريد معرفة الحقيقية اللا شخصيةِ و الموضوعيةِ بالنسبة للكون و المصير، وبالنسبة لكل الناس- يريد كذلك من هذه الحقيقة أن ترد على نزوعه الشخصي . وأن تتجاوب مع تطلعاته، وتحل له مشكلاته الذاتية ، وأن تُوحِّد إيقاعاته الداخليةَ المشتَّتةَ. ولذا كان من اللازم النظرُ إلى الوجود بوصفه وجودا محتويا على عناصر فردية تَنحَلُّ إلى مواقفَ مليئةٍ بحدودٍ لا معقولةٍ ، وممكناتٍ ذات كثرة لا متناهيةٍ، لا يمكن أن تحيط بها أيةُ فكرةٍ مجردة تَتْبَعُ منطقَ عدم التناقض. فالإنسانُ غير المُسَلَّكِ في طريق السماء هو قمَة التناقض بامتياز، وهو موضوعُ معاناةٍ ذاتية قبل أن يكون موضوعَ تحليلٍ فكري حِيادي ،وتأمُّلٍ عقلي صِرْفٍ. إن الفلسفة حقا لا تُقدم براهينَ على حقائقها ، اللهم إلا إذا كانت هذه الحقائق ليس لها وجودٌ حقيقي. ومن ثمة فإنه ليس هناك حقيقة بالنسبة للفرد إلا تلك التي يُنتجها بنفسه وهو في حال الفعل والمعاناة والمكابدة والمجاهدة، لأنه ما من حقيقة إلا وهي تَحْمِل مغامرةَ الوجود بكل ممكناته، والإنسانَ بكل أشواقه، وتضعهما مباشرة أمام المطلق الذي هو الله.