" من يجاملني هو عدوي، ومن يلومني هو معلمي" حكمة صينية شكل اعتقال صاحب العمود الشهير شوف تشوف الصحافي رشيد نيني انتكاسة خطيرة و صدمة كبيرة لدى جميع الحقوقيين الذين اعتقدوا أن مغرب ما بعد سنوات الجمر والرصاص قد ولت إلى غير رجعة، وأن صانعي القرار الرسمي قد استوعبوا دروس الماضي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ماجره على المغرب من تعطيل فضيع للتنمية المستدامة الحقيقية، وما أفرزته من تأجيل نحو انتقال ديمقراطي حقيقي يضمن تأسيس فعل سياسي قادر على تدبير عقلاني لمختلف السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية التي كانت لها تبعاتها الكارثية على مختلف القطاعات الحيوية في المغرب من تدهور فضيع شمل كلا من التعليم والصحة و غيرها من القطاعات التي لا يمكننا وصفها إلا بالرجل المريض الذي يثقل كاهل الدولة. و لاشك أن المخاض العسير، و عدم الثقة التي تستحكم في عقول المسئولين المغاربة إزاء مسألة الانفتاح على آراء الآخرين وتخوفها المرضي من فتح المجال لحرية التعبير بشكله الحقيقي الذي يتجاوز الطابوهات التي تقف حجر عثرة أمام قول الحق والحقيقة فإن ما دأب عليه الخطاب الرسمي من ادعاء على أن مجال الحريات العانة بالمغرب على أحسن حال، وعلى أن صدر الدولة أصبح أرحب لتقبل بالآراء المعارضة لا يصمد كثيرا أمام الحقيقة المرة فالاعتقالات التي تطال الصحافيين الأحرار لمجرد إبداء آرائهم من مختلف القضايا من اختلاسات واستغلال النفوذ وتبييض الأموال والتي يكون أبطالها الحفنة المنتفعة من خيرات هذا الوطن يعتبر مسا خطيرا بالحريات الشخصية وتشهيرا بالناس الشرفاء، ولهذا وجب الاعتقال وكم والأفواه وبالتالي إعلان الحرب على الصحافيين المستقلين الأحرار لكي يعيدوا إنتاج سياسة العام زين التي أنتجت كثيرا من مظاهر البؤس الاجتماعي و الفوارق الطبقية. ولأن الحرية هي في معنى من معانيها المختلفة الحرب الأكثر قداسة لاستعادة الكرامة و استرداد الحقوق فإنها الحرية/ الحرب التي يعرفها الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيجو بشكل رائع بشكلين مختلفين يبينان مضامين هذه الحرب فهناك: 1- الحرب التي تشتعل من خلاله حرب المصالح بين البشر فيفني البعض منهما الآخر فيغيب السلم الاجتماعي وتسود العداوات والبغضاء 2- السلم التي تشتعل من خلاله حرب الأفكار بين البشر فيغنم الجميع طعم الراحة والطمأنينة وإذا فالنتيجة المنطقية هو أن السلم هو نتيجة موضوعية لحرب نظيفة و بالطرق الأكثر حضارية أساسها الأفكار وموضوعها حرية الرأي والرأي الآخر، هذا فضلا على أنه السلم الاجتماعي هو إفراز لعلاقات ديالكتيكية تحكمها المكاشفة و النقد الذاتي، فتطور المجتمعات المتقدمة ارتبط أوتوماتيكيا بإيمانها و احترامها للرأي وللرأي الأخر، هذا الرأي الذي ظل يتيما تحاربه الأنظمة الريعية بشتى الوسائل الممكنة و الأكثر جبروتا نتيجة لخوفها المرضي من الحقيقة التي تريدها هذه الأنظمة أن تبقى غائبة ومغيبة لتستمر هي في تسلطها و استبدادها، ولو أننا في مجالنا العربي و الإسلامي أدركنا قيمة الرأي الصريح والمكشوف الذي لا يجامل من أجل الحق والحقيقة، بل يلوم و يفضح ويعري لكنا قد فتحنا صفحة أكثر إشراقا تبدد غيمة هذا الواقع الرديء الذي يصادر فيه الرأي الحر الذي تخشاه النخب المنتفعة لأنه يكشف قمة ما تتمتع به من حصانة ومن امتيازات كبيرة، و يعتقل فيه الصحافيون المستقلون الشرفاء الذين تخلصوا في تعليقاتهم الحرة من كل مجاملة رخيصة و مدح مصطنع وشهروا أقلامهم وآراءهم لتنوير الرأي العام الذي لايزال يبحث لنفسه عن شهادة ميلاد في ظل سياسات التزييف و التدجين التي تمارسها قنوات الدعاية الرسمية بمنتهى المهارة والحذق. و لازالت تنتهك حق الآخرين في التعبير الحر عن آراءهم وليست قصة الصحافي رشيد نيني الذي يقبع من وراء القضبان سوى نموذج صارخ على الانتكاسة الكبيرة التي تفرغ الخطاب الرسمي مما درج على تسويقه عن فتوحاته المبينة و إنجازاته التاريخية للحريات العامة والشخصية والتي نراها اليوم في امتحان عسير يتطلب تأكيد العكس لكي نتمكن من إرساء لبنات رأي عام وخاص قادر على التعبير على مطالبه و اختياراته الشعبية بكل جرؤة ومصداقية. [email protected]