عرقلت روسيا، الأربعاء، اعتماد مشروع القرار الذي وضعته الولاياتالمتحدة بشأن مسألة الصحراء؛ فقد طلب وفد روسيا أياماً إضافية قبل التصويت على مشروع القرار. وكما فعلت السنة الماضية، لا شك في أن روسيا ستحاول تمييع لغة القرار بشكل لا يتضمن لغة قوية ضد البوليساريو. كما ستعمل على أن يتضمن القرار النهائي عبارات تصف المغرب كذلك بأنه مسبب للتوتر الذي عرفته المنطقة في الآونة الأخيرة. وهذا ما كنت قد أكدتُ عليه في التحاليل التي نشرتها هذا الشهر حول الصحراء، موضحا أن روسيا ستحاول كسر الدعم الذي يحظى به المغرب داخل مجلس الأمن وأنه لن يتم اعتماد مشروع القرار يوم 25 أبريل بسبب صعوبة المفاوضات. والأهم من ذلك هو ما كنتُ قد أكدتُ عليه بأن حربا لن تقع بين المغرب والبوليساريو، وأن الهدف من الحملة الدبلوماسية التي يقوم بها المغرب هو توجيه المناقشات لصالحه ودفع مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار صارم ضد البوليساريو، وذلك ما تضمنته مسودة مشروع القرار بالفعل. وبغض النظر عن محتوى القرار الذي سيعتمده مجلس الأمن، فإن المغرب سيكون قد نجح في تقويض محاولات البوليساريو إيهام المجتمع الدولي بجديتها في التوصل إلى حل سياسي ومقبول من الطرفين بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن منذ عام 2007، وفضح ارتكابها خروقات متكررة لاتفاقية وقف إطلاق النار والاتفاقية العسكرية رقم 1 ومحاولاتها تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة وفي كل أرجاء المنطقة المتواجدة شرق الجدار. كما أن المغرب سيكون قد نجح في إيصال رسالته بوضوح بأنه لا مجال لانخراطه في مفاوضات مباشرة للتوصل إلى حل سياسي نهائي ما دامت البوليساريو وما دامت الجزائر غير ملزمة بالمشاركة بشكل فعلي في المفاوضات باعتبارها طرفا رئيسيا في النزاع والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. متانة العلاقة بين الجزائروروسيا من جهة أخرى، يخطئ من يظن أنه بفضل تقرب المغرب من روسيا وتوقيعه على العديد من الاتفاقيات ستصبح روسيا حليفة للمغرب وستدعمه في ملف الصحراء. هذه القراءة تتجاهل أو تتناسى كل المصالح المشتركة بين روسياوالجزائر، الراعية الرئيسية للبوليساريو، والتي بُنيت على مدى عقود ومنذ أيام الحرب الباردة. فمهما تقرب المغرب من روسيا، فلن يعوض قيمة الصفقات العسكرية التي تبرمها روسيا مع الجزائر، التي تعدّ ثالث أكثر زبون للأسلحة الروسية خلال الفترة ما بين 2007-2016، حسب إحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، ناهيك عن أنها تستحوذ على 46 في المائة من مبيعات الأسلحة الروسية لأفريقيا. فمنذ التوقيع على الشراكة الاستراتيجية بين روسياوالجزائر عام 2001، تطورت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ، خاصةً في المجال العسكري والأمني. فعلى سبيل المثال، وقع البلدان عام 2006 على صفقة بقيمة 7،5 مليارات دولار قامت بموجبها الجزائر باقتناء أسلحة روسية، وهي الصفقة التي عدّها المراقبون الأعلى آنذاك بين روسيا وبلد أجنبي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي سنة 2016، زودت روسياالجزائر بأسلحة بلغت قيمتها 1،5 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين تسعى إلى إحياء التنافس الجيوستراتيجي نفسه الذي ساد أثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدةالأمريكية. إن روسيا لا تريد أن تترك للولايات المتحدة الحرية للتأثير على مجريات الأمور في المناطق التي تعتبر تقليديا ضمن نطاق تأثير الدول الغربية؛ ففي إطار التنافس الجيوستراتيجي بينها والدول الغربية للحصول على مناطق نفوذ، فإنها تستعمل هذا النزاع لإرسال رسائل واضحة للدول الغربية، خاصةً فرنساوالولاياتالمتحدة بأنها لن تترك المجال مفتوحاً لهما لتحقيق أهدافهما الاستراتيجية وأنها مستعدة للقيام بكل ما يلزم من أجل الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها، وهو ما يبدو جلياً من الدور الروسي من الجوار الروسي في أوكرانيا وجورجيا مرورا بإيران وانتهاءً بما تقوم به للاستئثار بسوريا ضمن دائرة نفوذها الحصري وإبعاد أي نفوذ غربي في المنطقة. لا مناص من اعتماد المغرب على تحالفاته التقليدية من جهة أخرى، يخطئ من يظن أن المغرب على استعداد للتخلي عن الدور الرئيسي التي تلعبه الولاياتالمتحدة في النزاع حول الصحراء المغربية وأن العلاقات المغربية الأمريكية قد دخلت مرحلة من الفتور منذ تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الرئاسة. فلو كانت هذا العلاقات قد دخلت في مرحلة فتور، لما وقع الرئيس الأمريكي للسنة الثانية على التوالي على قانون الميزانية الذي يخصص نسبة من الاعتمادات الأمريكية للمغرب في الصحراء المغربية، وهو ما يمكن بناءً عليه الزعم بأن الولاياتالمتحدة تعتبر بأن للمغرب سيادة فعلية على صحرائه. وليس ذلك إلا نتيجة لمتانة العلاقات التي تربط البلدين ومرحلة النضج التي وصلت إليها. فكما بنت روسياوالجزائر علاقات متينة على مدى عقود، فقد بنى المغرب والولاياتالمتحدة علاقة متينة على جميع المستويات منذ ستينيات القرن الماضي. وبحكم نوعية هذه العلاقات التاريخية التي تمتد لما يزيد عن 240 سنة، فقد بنى المغرب جسوراً للتواصل مع العديد من الجهات النافذة في دواليب القرار في الإدارة الأمريكية. وبفضل نوعية هذه العلاقة، ومهما كان مستوى الخلاف بين البلدين في بعض الأوقات، كما وقع أثناء الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، فإن طبيعة صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، الذي تتدخل فيه العديد من الجهات، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وتقرب المغرب من بعض الجهات التي تلعب دوراً مهماً في صناعة القرار أو التأثير عليه، كما هو الحال بالنسبة إلى الكونغرس، تساعد على تجاوز أي خلاف ممكن بين البلدين وجعل علاقتهما في مأمن من أي تدهور لعلاقاتهما. كما علينا ألا ننسى أن توجهات السياسة الخارجية المغربية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية تتماشى مع توجهات السياسة الخارجية الفرنسية والأمريكية، وهذا ما تأخذه روسيا في عين الاعتبار. لقد أوضحت سيرورة المفاوضات التي يشهدها مجلس الأمن هذه السنة بشكل لا يدع مجالاً للشك أن التحالفات التقليدية للمغرب مع كل فرنساوالولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى إسبانيا، ما زالت قائمة وفعالة وأنه مهما بلغ مستوى تطور العلاقات الثنائية بين المغرب والصين وروسيا، فإنها لنتكون على حساب العلاقات الإستراتيجية العريقة والمتينة التي يتمتع بها المغرب مع حلفائه التقليديين. وبالتالي، ما دام ملف الصحراء بين أورقة الأممالمتحدة لا مناص للمغرب من الاعتماد على تحالفاته التقليدية للدفاع عن مصالحه وتفادي وقوع أي تطور أو تحول من شأنه أن يقوض جهوده الرامية للحفاظ على وحدته الترابية. * مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News